الجمعة، 22 نوفمبر 2013

حفـّار قـبـور برنامج مساء الجمعة


حفـّار قـبـور برنامج مساء الجمعة

مصعب المشرّف:



برنامج (مساء الجمعة) الإعلاني الذي تقدمه قناة النيل الأزرق يعتبر أبلد و "أعور" برنامج في حقل الدعاية والإعلان، والتي درجت بعض الفضائيات اللبنانية على تقديم أمثاله منذ زمان بتقنية إعلانية متطورة ومظاهر فنية ماكرة .. ولكننا نرى له طعماً مسيخاً إستثنائياً في قناة النيل الأزرق كونه يفتقر إلى السبك والموضوع واللمحات الفنية التي تتطلبها مثل هذه البرامج الإعلانية المدفوعة الأجر بالطبع.... وكذلك يفتقد البرنامج إلى الزبائن والرواد .

 برنامج مساء الجمعة الذي قدمته هذه القناة عصر الجمعة 22 نوفمبر 2013 جاء إستثنائيا في درجة البلاهة والجربندية والعوارة . وساده أسلوب "جاء يكحلها عماها" الذي درجت عليه هذه القناة في برامج الإعلانات المدفوعة الأجر أينما ذهبت وحيثما حلت داخل السودان أو خارجه وسط المغتربين ....

في البداية أخطأت مقدمة البرنامح في تعريف إسم ضيف الحلقة وأخطأت كذلك في نطق تخصصه العلمي (الجرافولوجي) Graphology .. وحين زادت اللجلجة واللغلغة والتأتأة والصكصكة حاولت الإستعانة بـ صديق .. وكان الصديق زميلها في تقديم البرنامج .. فأخطأ هو الآخر بعوارة .. وزاد على ذلك بأن الخطأ إنما نجم عن حداثة هذا العلم ؛ فكان ذلك بمثابة العذر الأقبح من الذنب . وحيث لايدري المسكين أن هذا العلم الخاص بتحليل الشخصية من خلال خط اليد منتشر على نطاق العالم منذ بدايات القرن التاسع عشر . ومستخدم كثيرا في مجال العلاج النفسي ، ولدى أجهزة المخابرات  والتجسس ، والتحقيقات الجنائية ... إلخ ..... ويطلق على المتخصص الممارس لهذا العلم مسمى جرافولوجيست.

ويعود الفضل للفرنسيين في وضع أصول وقواعد وتطبيقات هذا العلم في الحياة العامة ، وأول من وضع كتاباً متخصصاً في هذا العلم هو الطبيب الإيطالي كاميلو بالدو عام 1622م وكان باللغة اليونانية.

إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا لم يتم الإعداد مسبقاً لهذا البرنامج ؟ ولماذا لم يسعى المقدمان للتعرف على إختصاص الضيف ؟ ومن ثم تحصيل ما يمكن تحصيله من معلومات حتى لو بدرجة سطحية ناهيك عن الفشل في لفظ ونطق المسمى.

لكن يبدو بالفعل أن كل شيء لدينا ماشي بالبركة .. ولا يرغب أحد من إعلامي هذا الزمان في أن يتعب نفسه بالتثقيف والإطلاع.

الأدهى وأمر من بين كل هذا هو أحد المسرحيين المتعاونين مع البرنامج لم يحلو له سوى المجيء بحفار قبور إلى هذا المطعم لتسجيل لقاء معه بتناول الموت والجنائز والحفر والطوب والحوادث والدفن .. إلخ .... كل هذا داخل مطعم (سياحي) يفترض أن يأتي إليه الناس لقضاء وقت جميل وللترفيه وتغيير جو ورتابة الحياة داخل البيوت. ويتناسون فيه بعض همومهم ، وليس لأجل أن تحاصرهم رائحة الموت وسيرة الدفن بلا مبرر ولا مناسبة خاصة وأن عزرائيل إذا حضر فلن يستأذن أحد.... لكن يبدو أن هذا المسرحي أراد أن يكون (متفرداً) و (مبدعا)ً على طريقته الخاصة وفهمه المحدود لقواعد العملية الإبداعية ... ونحمد الله أنه نسى في غمرة كل هذا أن يوحي للفرقة الموسيقية (شخصين) بعزف بعض الألحان الجنائزية.

من جهة أخرى كان الخطأ الفني الفادح الذي وقع فيه البرنامج (ويقع فيه دائما) هو توثيقه لخلو المطعم من الرواد والزبائن .. وجاء ضيوف البرنامج الأربعة المدعوين بمثابة الزبائن الوحيدين في هذا المطعم الخالي ... ولم لا طالما كان حفار القبور أهم ضيف فيه ,,, والطريف أن الضيوف منعوا من تناول الطعام المرصوص أمامهم إلى حين الفراغ من البرنامج على ما يبدو ؛ والذي إمتد زمنه (التسجيلي) من بعد صلاة الجمعة إلى حين صلاة المغرب . وكان منظر الضيوف الجائعين مثيراً للشفقة وهم يبتلعون ريقهم ويتحسسون معدتهم الخالية . ولاشك أن الطعام قد وصل إلى درجة تجمد الدهون من البرودة على وقع نسائم النيل العليل في هذا المطعم الخالي على خلفية ما يمر به السودان حاليا من أزمة إقتصادية طاحنة ..

الطريف أن مقدم البرنامج وعد الضيوف بتسجيل حلقة ثانية لكنه إستدرك بتحذيرهم بضرورة أن يأتوا المرة القادمة وبطونهم مليانة ومتغديين.