الاثنين، 31 أغسطس 2015

مــاذا فعلت فينا أغنية "الجــريــدة"؟

مــاذا فعلت فينا أغنية "الجــريــدة"؟

مصعب المشرّف
29 أغسطس 2015م


الموسيقار محمد الأمين
عندما حـلّ الموسيقار محمد الأمين ضيفا على برنامج "مطر الألوان" في فضائية أمدرمان .... كان من ضمن الأسئلة التي وجهها إليه مقدم البرنامج:

-         دايرين تورينا قصيدة الشاعر فضل الله محمد "الجريدة" عملت فيك شنو يا محمد الأمين؟

لقد فعلت "الجريدة" بفضل الله محمد ما فعلت .. أكل من كل الثمرات والمعطيات المحيطة به آنذاك ؛ وعالج دهشته ليخرج لنا منها شعراً فيه شفاء للناس ولذة للوجدان ..... ثم نزلت "قصيدة الجريدة" كالماء على أرض محمد الأمين ؛ فاهتزت وربت وأخرجت لنا من كل زوج بهيج.

ولن يستطيع محمد الأمين أو فضل الله محمد أن يشرحا  لك - أحدهما أو كلاهما - يا حسين خوجلي "وإن جاهدتهما" عن ماذا فعلت فيهما الجريدة.

في مجال الشعـر والغناء والألحان والرسم والإبداع بوجه عام  ..  يظل الأفضل دائماً أن لا نسأل صاحبه لماذا إنفعل ... ولماذا قال وكيف كتب...
أمثال هؤلاء تظل أعمالهم تلخيصاً لفترات ومشاهدات ومعاناة ودهشة . وحالات إستقبال وإنطواء وإنفتاح ردود أفعال ؛ بدأت منذ تكوينهم أجنةً في أرحام أمهاتهم وإتصالهم بما يموج به المجتمع عبر الحبل السُـرِّي .. 

وحين يُقال أن المبدع يظل كالطائر بجناحين ؛ يضع أحدهما على الأرض والآخر على مشارف السماء ... فإن "شاعر الجريدة" ..  و "مطرب الجريدة" قد دفعتهما  "صاحبة الجريدة" ليصبحان طائران من ذوي الأجنحة.

وأنت إذا سألت المبدع أحرجته ، وحرمته متعة التيــه والغموض والتمرّد .... وهيامه اللاإرادي في أودية عبقـر .....   يتبعه المحرضون في رحلة من البحث اللانهائي بلا إجابة عن حقيقة دوافعه المتناقضة التي يعيها أو لا يعيها... وماهية  التراكمات الثقيلة التي يحملها دون إختيار منه على كاهله. ويشتاق أن يضعها على الأرض ليحملها بدلاً عنه الناس وينشغلون بها.

وعليه... فإنني هنا أستميح شاعر الجريدة و مطرب الجريدة عذراً .. وأضرب صفحا.

مشهد من مسيرات ثورة 21 أكتوبر 1964

الفترة التي تغنى بها محمد الأمين بأغنية الجريدة عبر إذاعة "هنا أمدرمان"؛ كانت تلك المعاصرة لثورة أكتوبر 21 المجيدة ... وتدور في فلكها.
وبالتالي يمكن إعتبارها جزءاً ، وجانب من جوانب تطور الوعي الجماهيري الذي أفرزته هذه الثورة الشعبية المجيدة ؛ التي لم تجد بعد حقها في الدراسة العميقة بما تقتضيه وينبغي وكمصدراً للإلهام.
هذه الثورة التي جعلت الكلمة الفصل ملكاً للشعب وحده ، وتخرج لأول مرة من حناجره مباشرة تحت أغصان النيم في الساحات والطرقات . بعد أن كانت كلمته تخرج بالنيابة من "داخل البرلمان" ... أو تفرض نفسها عليه كرهاً من "داخل الثكنات".

وكان حجم ومدى التغيير والقناعات الجديدة التي أدخلتها أكتوبر إلى الذهنية العامة أكبر من الحيازة ؛ وتناولت بمعاولها الكثير من أبراج التابوهات ؛ وجعلت المتعدد من حبيس الصدور ، والكثير من المسكوت عنه مطروحا على طاولة النقد والبحث والنقاش.

وكان من أبرز إرهاصات معاول "الجريدة " أنها قد لفتت الإنتباه ؛ وأثارت الكثير المتعدد من ردود أفعال ، ودفق حماس الإستقبال وسط طلاب الجامعات والثانويات والطبقات العمالية المستنيرة اليافعة في تلك الفترة ....

وبالطبع فلم يكن مثل هذه الصرخة التي ذهبت إليها الجريدة في الصياغة المباشرة المبسطة ؛ وتضمينها مرحلة جديدة من علاقة الرجل بالمرأة .... وإعترافها بثقافة هذه المرأة وحقها في حرية الإختيار .... وأن تكون لها كينونتها الفكرية الخاصة بها دون وصاية ... لم يكن هذا ليمر مرور الكرام على حراس السرداب وسدنة المعبد. فإنبرى لها في وقتها البعض من أصحاب أقلام "الكوبيا" ؛ يعالجونها بالذم والقدح السطحي ... وإعتبروا كلماتها ركيكة وخارجة عن السياق العام ... وسخروا من فضل الله محمد "الشاب" بإعتباره يحاول تقديم نموذج إمرأة خواجية .... وتمنوا عليه لو كان قد إهتدى بأطروحات ومعالجات أغنية "زهرة روما"... و "غزال المسالمة".

وفي نهاية المطاف لم يكن ليصح إلا الصحيح ... فانتصر الحاضر والمستقبل على الماضي المتكلـس .... والتصقت هذه الأغنية بوجدان الشعب ..
بها أفصح شاعرها فضل الله محمد عن خبايا "عقله الباطني" وأطلقوا عليه لقب "صاحب الجريدة" ...... وبها زاحم محمد الأمين اقرانه وسبقهم ، وتفدم الصفوف ليلحق بعمالقة زمانه من المطربين .... وأصبح يوصف بـ "مطرب الجريدة" لسنوات طويلة.

كانت أغنية الجريدة إذن تمثل في زمانها الحد الفاصل بين قناعات وأخرى في علاقة الرجل مع المرأة بالمجمل .... ولموقع المرأة في بؤرة التفاعل الإجتماعي والثقافي. يقدمها فضل الله محمد كشريك أساسي داخل المنزل وخارجه.

ومن الضروري بمكان التأكيد بقوة هنا ؛ أن إمرأة الجريدة لم تكن كما يظن البعض أنها متمردة على تقاليد مجتمعها...... ولم يكن فضل الله محمد يكسر بها الحواجز كما زعم أصحاب أقلام الكوبيا .... لا بل كانت إمرأة موجودة ماثلة .. ولكن لم يكن أحد يشعر بها ويتفهم طموحاتها ..... فجاء فضل الله محمد ليكشف عنها النقاب ويقدمها إلى مجتمعها على أبيات من الشعــر ... وتغنى بها محمد الأمين على صدى الألحان ووقع الموسيقى.
  
نعم لم تكن إمرأة الجريدة تمثل الغالبية في بنات جيلها .... ولكن خرج فضل الله محمد يبشر بها .. ويتوقع لها المستقبل .. وربط كل ذلك بالتعليم والمعرفة والثقافة  ... ففرحت بهذة المرأة  الأغلبية .. وتوجّس منها البعض خيفة.

وبوجه عام ؛ تظل أغنية الجريدة توثق لتطور ملحوظ عند جانب مشاركة المرأة في قضايا عصرها .. ناهيك عن أنها قد أسقطت خمار سلبيتها وتبعيتها المنقادة للرجل إلى غير رجعة.

وبفضل الجريدة جرى توثيق الجانب الفكري الذي فرضته مخرجات  التعليم والتنوبر الممنهج الذي حظيت به المرأة ؛ على يد رجال ونساء أفذاذ في تاريخ التعليم الأكاديمي للبلاد منذ فترة ما قبل الإستقلال ... وهي المخرجات التي أتاحت لها ثورة أكتوبر أن تطفو .. تطالب بمنحها الفرصـة ، تتقدم الصفوف في التظاهرات والندوات السياسية ... تفرض واقعها على وجه ومسيرة المجتمع .. وتطوي ماضيها السلبي كـطيّ السِجِــل.

الشاعر فضل الله محمد
على أية حال فلا ينكر باحث أن الموسيقار محمد الأمين ، والشاعر فضل الله محمد إنما كانا نتاجاً طبيعيا وأبناء مخلصين من أجيال ثورة أكتوبر .... وإنفعال الموسيقار محمد الأمين بثورة أكتوبر 21 في العديد من أعمالة الموسيقية لا يخفى على أحـد... وحيث هناك شريط كاسيت كامل من أناشيد وطنية له ، جرى تداوله في تلك الفترة وعرف بإسم "الأكتوبريات" ؛ كانت معظمها من كلمات فضل الله محمد.

ولكن من غير الممكن تناول الحديث عن قصيدة الجريدة ؛ دون أن نعرج على ما كانت تزخر به ساحة الشعر الغنائي خلال تلك الفترة ؛ من أطروحات لمفاهيم وقناعات سائدة في المجتمع حول العلاقة بين الرجل والمرأة .. والكيفية والمفاهيم التي قدمها بها شعراء تلك المرحلة التي سبقت 21 أكتوبر 1964م.

الذي يلاحظه كل مهتم أو مستمع عادي للغناء السوداني ... يدرك أنه يستمد جمالياته من كونه يتفاعل مع المجتمع ، ويرصد ويوثق لتطوره بشفافية ودقة متناهية.

وتجدر الإشارة هنا ؛ أن الأمر لايبدو عمليا بهذه الساطة والسهولة ؛ خاصة عندما يبادر أحد الشعراء يتبعه ملحن ومطرب ذكي إلى طرح رؤى جديدة بكل شجاعة ..

والحالة هنا لا تخرج عن أمرين :
1)   إما أن يكون العمل الفني معبراً عن الظرف الزماني والمكاني المعاش.
2)   أو أن يكون العمل سابقاً لزمانه.

ولا أشك في أن فضل الله محمد ، ومحمد الأمين قد تعرضا للكثير من الضغوط النفسية في بدايات إذاعة هذه الأغنية . لاسيما وأن منابر النشر والرأي والرأي الآخر في الصحافة الورقية  لم تكن متوفرةً على هذا النحو الذي نراه الآن من تعددية وتفاعلية وحرية التعبير عبر الوسائل والوسائط الألكترونية ..
وكان النقد الفني وغيره من العمل الصحفي يتخذ منحى روتينياً ؛ يسيطر فيه القدامي وكبار السن وحدهم على الساحة . ولايسمحون للشباب بالتعبير إلا بعد تدجينهم بنسبة 80% لمصلحة القديم ... ولهذه الأسباب وبعضها الآخر ظل الإنتاج الفني والأدبي لدينا متقدماً على النقــد بمراحل.
ولا نكاد نلمس في هذا الجانب من قدرات " تفاعلية " سوى ما ينضح عن برنامج "ما يطلبه المستمعون) من مؤشرات على مدى النجاح الجماهيري للأغنية من عدمه.

قبل أغنية الجريدة وردحا طويلا بعدها ؛ كان الشعر الغنائي يركز في معظمه على حصر العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة في جانب العشق الشهواني في إتجاه واحد .... يتغزل الشاعر حسيا بمفاتن المرأة ويعلن إشتهاؤه لها . فيتفق معه الذكور في ذلك ... وتفرح الأنثى بأنها مرغوبة ومطلوبة ...
بوتقة العشق الشهواني والوصف الحسي هذه تظل ملاحظة غير خافية في أغنيات الحقيبة بوجه صارخ ...
وكذلك في الحقبة التي تلتها من موجة الشعراء الأفندية أصحاب الشعر العربي الفصيح الذين حاولوا التخلص من الغزل الحسي بإلجنوح إلى الرومانسية . ثم تلتها ورافقتها ظاهرة الرمز في شعر الغزل ...
وأحسب أن جميع تلك المراحل والموجات قد انتهت قبيل نهاية القرن الماضي ببضع سنوات ... ولتفسح المجال اليوم لمرحلة الشفافية الغير مقيدة في العلاقة بين الرجل والمرأة ؛ تقدمهما رفيقين متضامنين ووجهين لعملة واحدة ...... ولم يعد الحرمان والإشتهاء وحدهما محور العلاقة.
كذلك شهدت الفترة الأخيرة تنامي ظاهرة المرأة التي تكتب شعر الغزل في الذكر بشفافية لا تحسد عليها . بعد أن كان هذا الإنتاج العاطفي ذكورياً محضاً . وتقتصر مشاركة المرأة على الرثاء أو المدح والحماسة التي تخاطب الرجل وتتوجه إليه بصيغة الأب والأخ وعموم المحارم .

لقد تميز الغناء القديم بتوثيقه لدور المرأة وحصره في الآتي:
1)   السلبية في كافة جوانب العلاقة العاطفية مع الرجل.
2)   إختفاء المرأة السودانية بت البلد من الشارع والأماكن العامة.
3)    ندرة التعليم الأكاديمي .. وإعتماد المرأة على الرجل لتأمين مستقبل حياتها.


وعندما إنفعل الشاعر مع خروج المرأة من المنزل . لم يتمكن سوى من وضعها في مقام قطعة الأثاث أو كرتونة داخل عربة قطار ..
خـذ على سبيل المثال قول الشاعر ابو صلاح .. وغناء زنقار.
من بف نفسك يالقطار ...
ورزيم صدرك يا القطار
إنت شلته جيبه يالقطار

لاحظ تعبير "إنت شلته " و "جيبو"  يالقطار..... ومن حقنا أن نتساءل أين المرأة "الإنسان" بجلالة قدره هنا والتي تمشي على قدمين؟
فالشاعر يصورها هنا على أنها "شيء" يحمله القطار  .. وأنها "شيء" يعيده القطار,
إنها نفس الصورة التي أرسلها لنا الشعر الجاهلي ؛ الذي كان يسائل الربع ويبكي على الأطلال والدمن .... ويخاطب المرأة (الحمولة) التي في داخل الهودج على ظهر الناقة والبعير ... والراحلة.

وعلى ذات النسق ؛ نلاحظ في هذا البيت أن "قطار الفحم" لديه كينونة وشخصية وحق في التعبير والتصرف دونا عن المرأة .... فقاطرته تنفث عن صدرها بدخان الفحم الحجري تارة .. وبخار الماء الساخن تارة أخرى ..... وتطلق لصفافيرها العنان .
أما المرأة (المحبوبة) الإنسان فهي بلا حول ولا قوة . ومجرد قطعة وكوم لحم لا إرادة لها ؛ لا ندري كيف كانت تجلس داخل عربات القطار صحبة أولياء أمرها.

المطرب الراحل إبراهيم عوض
وفي إطار التأكيد على مزايا الغناء السوداني لجهة التوثيق ... فقد تطورت " إمرأة القطار " في زمان أبو صلاح  و زنقار أعلاه . فأصبحت في جيل الأفندية تكشف عن يدها من خلف نافذة القطار .. وفي نفس الظرف المكاني نرى الشاعر الطاهر إبراهيم  يوثق لنا عن تقدم لافت  ؛ حين تغيرت الصورة فيما بعد وغنى له إبراهيم عوض "أبيت الناس":
قطاره اتحرك شوية شوية
من بعيد بي إيـــدو شفته أشـّــر لـيّ
بكت عينيه .... وبكت عينيّ

نلاحظ هنا بروز دور يجابي نوعا ما للمرأة في جانب "الكينونة" ؛ فقـد أصبح القطار (على الأقل) قطارها هـــي .
ثم وتطور آخر في جانب شفافية العلاقة العاطفية مع الحبيب . حين لم تخشى المحبوبة في أن تشير إليه بيدها تودعه بعد أن إبتعد القطار مسافة أمنت فيها المحبوبة من هتك سرها .. ثم تبادل الحبيبان ذرف الدموع .....
نعم نرى هنا تفاعل محدود ، وحوار بين الرجل والمرأة (صامت)  تارة ، و بلغة (الإشارة) تارة أخرى عند أعتاب الشعور العاطفي .. ولكنه يقف عند خطوط حمراء من الحذر ؛ يستغل فيها مقتضيات مشهد وسيناريو بعينه ، يتمثل في أن إمتلاء محطة القطار بالمودعين من الأهل والأقارب قد أتاح لمحبوبة الشاعر أن ترفع يدها ، وتشير بها وداعا دون أن يلومها أحد أو يحجر عليها أفراد أسرتها .... حيث أن بإمكانها هنا المجادلة بأنها تودع أهلها عامة.....
كذلك لايفوتنا هنا ذكاء تلك الفتاة الفطري ؛ حين لم تتجرأ على رفع اليد والإشارة للمحبوب (على طريقة المفارق عينه قوية) إلا بعد أن إبتعد القطار مسافة عن المحبوب . فضمنت بذلك عدم تهور المحبوب وإندفاعه في التجاوب مع هذا التصريح المكشوف (في ذلك الزمان) بمحبتها له ...

إستمع لأغنية الجريدة 
فلك إذن والحال كان كذلك أن تتخيل كيف أتت الجريدة بإمرأة جديدة . تجلس لوحدها .. واثقة من نفسها .. تضع رجل فوق رجل .... تقرأ الجريدة بتأني وحرص وشغف وصبر مثقف ذلك الزمان في عقد الستينات من القرن الماضي.

وليت السيناريو قد توقف عند ذلك الحد .. ولكن نلاحظ المدى الذي تقاربت فيه المسافة مع المحبوب ، وإنحصرت  المساحة  التي جمعت بينهما لأقل من متر مربع في أغنية الجريدة ؛ عند مقارنتها بسيناريو الإمرأتين في قطار زنقار و قطار إبراهيم عوض.

ومن ثم فبالإمكان القول هنا -  أنه بمجيء الجريدة - فقد أصبحنا في واقع ومقام وزمان جديد......
هذا الواقع الجديد نراه يمس عادات وتقاليد راسخة لجهة التعامل مع "العورة" المرأة ... وقناعات من قبيل "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى .. حتى يراق على جوانبه الدمُ" ......... هذا الواقع الجديد الذي أظن أنه ما كان سيأتي على هذا النحو المتسارع السافر لولا ثورة 21 أكتوبر 1964م المجيدة ؛ وأثرها الجارف في إعادة صياغة المفاهيم التي كان من بينها منح المرأة حقوقاً في الحرية والمشاركة والتعبير ؛ ما كانت لتحلم بها .

كذلك فقد جاءت صياغة معاني الأغنية بكلمات دارجة شعبية بسيطة ؛ بمثابة المعين الذي أتاح لها الإنتشار السريع بين الناس ومختلف الأمكنة...  يقول مطلع الجريدة:
سارحة مالك يا حبيبة
ساهية وأفكارك بعيدة
بقرأ في عيونك حياتي
وإنتي مشغولة بجريدة

لاحظ كيف تغيرت الصورة من "إنت شلته جيبه يا القطار" ... و "من بعيد بإيده شفته أشر لي" .. و "بكت عينيه وبكت عينيّ"

إنها نقلة نوعية ملفتة هنا ، حين يستدعي العقل في قصيدة الجريدة حال إمرأة على بعد خطوات من الرجل ...

بتقري في إيه؟
كلميني يا سلام !!
مهتمة عاملة
يعني لازم تقري
هسا مقال
بحاله وقصة كاملة؟

هي إمرأة لها الحق في أن تسرح بخيالها وتحلّق في سعة فضاءها الخاص بها...
إمرأة لها الحق أن تكون لها كينونتها .... شخصيتها .. توقيتها  ... مساحتها  .... أفكارها الخاصة بها .
إمرأة على هذا النحو من التعليم والثقافة والإستقلال . تسهب في قراءة ما يحلو لها من مقالات وقصص .
ثم وبعد كل هذا إمرأة منعتقة لا تكبلها وساوس وقيود أنوثتها ؛ وهواجس عوراتها المغطاة والمكشوفة . فتظل متماسكة ذات شكيمة قوية ... لا تفقد تركيزها .. ولا تلملم ثوبها ؛ وتضمضم ركبتيها هلعاً من حضور الرجـل الشيطان إلى المكان ... وليته كان رجلاً عابراً ... ولكنه يفكر فيها متعلق شغوف بها ؛ يقرأ في عيونها حياته.

والظرف المكاني هنا فيه متسع بلا منتهى من الخيال .... فالمرأة هنا تجلس وحدها دون حسيب ولا رقيب يعد عليها أنفاسها ؛ ويحصي نظراتها ولفتاتها ..
قد تكون جالسة في مكتبها ... في مقهى ... في ردهة فندق .... وقد .... وقد .. لكنها في نهاية الأمر حرة طليقة واثقة من نفسها .. ولها بالمجمل شخصيتها وكينونتها وليست مجرد "كرتونة" أو "شنطة حديد" داخل عربة من عربات قطار الفحم ... أو لا تملك من أدوات التعبير عن ذاتها سوى لغة الإشارة في "أبيت الناس" ... لا بل وتبقى كلها على بعضها ليست أكثر من "زينة وعاجباني".

المطرب الراحل سيد خليفة
ولجهة النقلة التعليمية والثقافية للمرأة التي قدمتها أغنية الجريدة ... فلك أن تقارنها بإمرأة أغنية  "المنديل" من غناء سيد خليفة . التي تقدم لنا إمرأة توثق الكلمات عدم إلمامها بالقراءة والكتابة . فما كان منها سوى التعبير برموز "العصر الحجري" عن مشاعرها على هيئة صورة قلب وسهم نحيل.
رسل لي هدية لطيفة
خلت قلبي يحن ويميل
حرير أبيض مشغول بقطيفة
صورة قلب وسهم نحيل
وكذلك كان الحال مع إمرأة الطير المهاجر التي غناها محمد وردي ... المرأة التي لا خيار لها سوى إنتظار حبيب بعيد ؛ دون أن تفكر في إستخراج بدل فاقد كما يحلو لبعض بنات اليوم.

ميزة "الجريدة" أنها تكاد تكون صالحة للتعبير عن كل زمان ومكان ...
حالة إنشغال إمرأة الجريدة إذن نجدها شبيهة إلى حد بعيد بأمرأة هذا الزمان التي تحمل الموبايل الذكي ، وتنشغل بالواتساب والفيس بوك والإستغرام .. تدخل إلى وسائط البحث و اليو تيوب وتتصفح المواقع كما تشاء ....

الإختلاف بسيط جدا محوره "إختلاف الأداة" فتلك جريدة وهذا موبايل ذكي.

وهو ما يؤكد بالفعل أن أغنية الجريدة؛ وإن كانت قد وثقت لجانب من جوانب تعليم وعمل وثقافة المرأة ، ونضجها العاطفي . وتفاعلها مع قضايا المجتمع وأطروحاته المتعددة في حقبة الستينات من القرن الماضي .... إلا أنها تظل من بين تلك الأغنيات النادرة التي إحتفل بها شباب زمانها .... ثم عكفت الجريدة تنهل من إكسير الحياة؛ لتبقى شابة فتية جميلة متدفقة العطاء تزهو بمرامي كلماتها إلى يومنا هذا.

ولجهة العلاقة الشخصية ما بين كلمات أغنية الجريدة من جهة والموسيقار محمد الأمين من جهة أخرى ؛ نستعيد أيضا كلمات هذا الكوبليه :
بتقري في إيه؟
كلميني يا سلام !!
مهتمة عاملة
يعني لازم تقري
هسا مقال
بحاله وقصة كاملة؟

أداء محمد الأمين لهذا الكوبليه ؛ أعتقد أنه هو الذي يحدد بوضوح ويجيب على تساؤل حسين خوجلي له "ماذا فعلت فيك الجريدة؟"

المتابع لإداء محمد الأمين لهذا الكوبليه ؛ يكتشف أنه قد تفاوت ما بين عقد الستينات (المسجل في هنا أمدرمان ) ... مقارنة مع التسجيلات لأداء نفس الأغنية في عقد السبعينات .. مروراً بحفلة لندن الأولى .. وإنتهاءاً بتسجيلات متلفزة مطلع القرن الواحد وعشرين.

والذي يلاحظ في كل هذه المراحل هي الكيفية التي ردد بها جملة  "كلميني يا سلام".
يلاحظ إختلافاً كبيراً  في الأسلوب ...
فهو يرددها في عقد الستينات (كلميني يا سلام) بأسلوب في غاية الحذر والموادعة ؛ ربما خشية أن يرفضها المجتمع ... ورغبة منه في تأصيل مفهوم إيجابي لدى المتلقي يجعله يتقبل هذه المرأة الجديدة.

وينكفيء محمد الأمين على نفسه في عقد السبعينات . فيستنكر إنشغال صاحبة الجريدة - أؤكد إنشغالها  فقط -  وإهمالها لوجوده إلى جوارها .. فنلاحظ أنه يردد نفس الجملة مع زيادة المـد في "كلميني " و " يا ســلام" .... لاحظ كذلك أنه يتوقف برهة بعد كلميني (كأنه يضع نقطة)  قبل أن يردد "ياسلااااام" بإستنكار وتهكم.

كذلك يعمد محمد الأمين (في نهاية السبعينات) إلى رفع وتيرة وأسلوب التعبير عن الإحتجاج في ترديده عبارة "ليـه ؟ ... ليه؟" . عندما لا يجد من صاحبة الجريدة تجاوباً أو ردوداً مقنعة على أسباب إنشغالها عنه بإهتمامات ثقافية أو حتى متابعة مناشط إجتماعية.

و بمعنى أوضح . فإن محمد الأمين يتفاعل على هذا النحو (المُتجدّد) مع إمرأة الجريدة على قناعة بأنها تتخذ في كل حقبة شكلاً يختلف عن السابقة لها.
في عقد الستينات كانت يبشر بها.
في عقد السبعينات كان يعمل على تثبيتها ومعالجة مكامن النقص التي تتطرأ عليها.
في التسعينات من القرن الماضي أصبح يتعامل معها كأمر واقع ...
وهكذا تراوح أسلوبه في تأديتها على نحو ظل يسعى به جاهداً لترجمة مقاصد الشاعر.
وأرى محمد الأمين منذ بداية الألفية رالجديدة وإلى يومنا الماثل وكأنه أصبح على قناعة راسخة بأنه قد أدى رسالته تجاه  إمرأة الجريدة ؛ فصار راهداً في مناكفتها .. ولايحمل تجاهها من مشاعر سوى قناعاته الحضارية بنموذجها ، وتقديره لفضلها .... . وفرحته بثمرات أبناءها وأحفادها.

هكذا إذن يجري الإنتقال بهذه الأغنية عبر الأجيال . وتوليد المعاني والأفكار منها طوال (50 سنة) . دون حاجة إلى أن يضطر شاعرها إلى إدخال تعديلات عليها ولو بكلمة واحدة ..... وهما تكمن عبقرية محمد الأميـن وندرة أمثاله.

وهكذا فعلت الجريدة في الشعب السوداني . فكانت إضافة لايستهان بها .. فهي لم توثق فقط لتطور المجتمع .. ولكن محمد الأمين صب فيها كل عصارة عمره وفنونه الإبداعية لأنه صـدّق بها ثورة أكتوبر وآمن بحتميتها إيمان العجائز .
وهكذا أصبح على إصرار غير مسبوق بضرورة التبشير بها .. وتكريسها .... وظل مهموماً وحده بمعالجة جوانب الخلل اللاحقة التي طرأت في شخصيتها المتمثل في إهمالها لبعض جوانب علاقتها العاطفية مع الرجل .
وربما كان لها العذر في ذلك لكونها قد أضافت على عاتقها المزيد من الأعباء ما بين البيت والأسرة والعمل .... ولكن ربما أصبح هذا الحال متوافقاً مع شباب اليوم من الأزواج الذين يتفهمون هذا الواقع ، وضرورة مشاركة الرجل المرأة في القيام بأعباء المنزل والتربية... وأن تصبح المسئولية على المناصفة.

على أية حال فالموضوع يظل متشعباً ولا يزال شائكاً يحتاج إلى أسفار .. فليس كل الرجال على إستعداد لهضم وإستساغة طعم صاحبة الجريدة..... ولا نستطيع الزعم بأن "إمرأة الجريدة" قد كانت الخيار الوحيد للمجتمع فيما بعد ..

كان هناك أكثر من رافض .. وأكثر من مستصعب لفكرة القبول بإمرأة الجريدة .. فإنطلق يبشر بفتاة الثانويات بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي . واستمر الحال ردحاً من الزمان .. ولا تزال العلاقة محل أخذ و رد حتى يومنا هذا.

الشاعر الراحل أبوصلاح
والشاهد أن أغنية الجريدة كانت قد تغلغلت في مفاصل المجتمع .. ولم يعد بالإمكان العودة إلى الوراء للتوقف عند إمرأة "قطار الفحم" عند أبوصلاح وزنقار .. أو فتاة "الإشارة" عند  الطاهر إبراهيم ، و إبراهيم عوض ..  وتلك التي توقف بها الزمن "تشتغل منديل حرير لحبيب بعيد" في أغنية الطير المهاجر.

ولكن من جانب آخر ؛ فلا  أحد ينكر أن الفتاة الجامعية "صاحبة الجريدة" . المغرقة في الثقافة والتخصص الأكاديمي ؛ كانت قد بدأت (نهاية عقد السبعينات) تفقد موقعها العاطفي والرومانسي لمصلحة بنات الثانويات " المنقـة " ..  
الشاعر إسحاق الحلنقي

وهو ما حدا بشاعر معاصر لفضل الله محمد هو "إسحاق الحلنقي" ليدفع إلى الساحة بنموذج الفتاة طالبة الثانوي ؛ بوصفها دافئة تلقائية خفيفة مرحة ، مشبوبة العاطفة ، بسيطة .. منطلقة .... جريئة .. لا تشغل نفسها بمناشاط الإتحادات النسوية ... لاتخشى ضربات الشمس ، ولا تخاف من ساعات الغروب بعد دروس العصر .. تعشق الساحات العامة وتتنفس الهواء الطلق .... وليوثق لهـا بقوله:
" حليلك وإنت جنبي بالـــزي السماوي" .......
والتي تغنى بها المطرب إبراهيم حسين. ويقول مطلعها "مع ساعة الغروب مشيت أسأل عليكم".
وربما لا يفطن البعض أن الزي السماوي هنا ؛ إنما كان المقصود به الزي المدرسي الرسمي الذي ترتديه الفتاة في المرحلة "الثانوية العليا ".


الجمعة، 28 أغسطس 2015

عـضّ الصهيوني



عــض الصهيوني

مصعب المشرّف
28 يناير 2015م

خلال إحتجاجات فلسطينية في قرية النبيه صالح في الضفة الغربية ؛ بسبب هدم السلطات الصهيونية لبعض المنازل الفلسطينية . ألقى جندي صهيوني القبض على طفل فلسطيني كان يقذفهم بالحجارة . ولكن سرعان ما اجتمعت حوله شقيقته وبعض النساء من أهله . وأوسعوه ضربا ، وأشبعوه عضا ؛ حتى أضطر في نهاية المطاف إلى ترك الطفل والنجاة بجلده لعنه الله.








الاثنين، 24 أغسطس 2015

أبوعبيدة حســـن ... دهشة الغناء الشعبي


أبوعبيدة حســـن ... دهشة الغناء الشعبي

مصعب المشرّف
24 أغسطس 2015م

أبوعبيدة حسن في ضيافة رشا الرشيد 2015م
دهشة الغناء الشعبي ؛ المطرب المبدع " أبو عبيدة حسن" . أطل علينا مؤخراً من  خلال لقاء توثيقي هادف عبر قناة النيل الأزرق ؛ قدمته الإعلامية الشابة المتميزة "رشـا الرشيد" بعنوان "عقد الجواهر".
تميز أبوعبيدة حسن بأنه قدم الجديد المبتكر في عالم الغناء  الشعبي .. وهو من المبدعين القلائل الذين من الله عليهم بملكات ومواهب متعددة.
ويعتبر أبو عبيدة حسن نجم نجوم نهاية الستينات وسنوات عقد السبعينات من القرن الماضي في مجال الغناء الشعبي ... واستطاع أن يشق طريقه (وحده) بعنفوان التسونامي ؛  رغم الهجوم الشرس والعنيف الذي كان يتعرض له آنذاك في الصفحات الفنية من جانب أنصار القديم ؛ الذين يتهمونه بتخريب آلة الطنبور... وتحطيم القوالب الكلاسيكية الموروثة.

ولد أبوعبيدة عام 1952م في عاصمة ربوع السودان "تنقاسي" ... وطبقت شهرته الآفاق من خلال برنامج "ساعة سمر" الإذاعي الذي قدمه بأغنية "القلبي بيريدو". وكان عمر ه آنذاك 16 سنة فقط ... ثم جاءت أغنيته "يا ناس شوفوا لي حلل" بمثابة الكلمة الفصل في إرتفاع نجمه.
ثم غاب شهرين وعاد مرة أخرى بأغنية "الجنني" الراقصة ؛ فكانت في زمانها واسطة العقد ؛ والكافية الوافية التي لَـوَت إليه أعناق شباب ذلك العصر ؛ وإستدعتهم ليقبلوا عليه.
..............
وفي اللقاء التلفزيوني المشار إليه ؛ لوحظ أن أبوعبيدة يـرد الفضل في شهرته إلى أغنية "حلل" التي قدمها له  عمر الجزلي في برنامج (7 ×7) . وربط بينها وبين التفاعل الجماهيري الذي حظي به على إثرها.  
على أية حال فإن أكثر الذي يذهب إليه موثقي سيرته الفنية ؛ أن برنامج عمر عثمان "ساعة سمر" هو الذي أسهم بالقدر الأوفر في تقديمه للجماهير ...
وربما كان أبوعبيدة حسن محقاً في "تقديراته" لبدايات إنطلاقه . بسبب أنه وكما قال بلسانه . أن منزله قد إزدحم بالمعجبين (مباشرة) عقب تقديم عمر الجزلي له بأغنية "حلل" ... وأنه أصبح بها نجما من نجوم الغناء على مقياس إحتفاء الناس به في الشارع . والحجوزات لإحياء الحفلات الغنائية في المناسبات الإجتماعية والليالي الغنائية . ثم وإستضافته في البرامج الغنائية في الإذاعة والتلفزيون. 

جديد أبوعبيدة حسـن:
1) أبو عبيدة حسن هو الذي إبتكر الطنبور الكهربائي . وغطاه بالأبلكاش بعد أن كان جوفه صحـن طـلِسْ بحجم القـدح ومغطى بالجلد ..

2) أضاف إلى أوتاره الخمسة التقليدية وترين  .... فأصبح الطنبور على يديه خليط من الطنبور والجيتار..ومن ثـم أستطاع به أبوعبيده حسن تنويع إيقاعاته وإثرائها ؛ فشملت التم تم والدليب والمردوم والكراتش والبايو والريغي ومزيج من إيقاعات الجوقات الصوفية ....

وعلى إيقاع طنبور أبوعبيدة الكهربائي وألحانه الراقصة الدافئة ؛ رقصت العرائس على السباتة . وإندفعت أمواج الشباب إلى ساحة الرقص في حفلات الزواج والليالي الملاح إلى يومنا هـذا.

وبإيجاز نستطيع القول أن أبو عبيدة حسن قد كان له الفضل الأكبر في تطوير ومنح آلة الطنبور المزيد من المساحة في التعبير ومخاطبة الوجدان . وإدخاله قلوب أهل السودان قاطبة ؛ كون أن إضافته إليه أو تاراً جديدة جعلته يتوافق مع معظم الإيقاعات السودانية الأخرى كما أسلفنا . وكذلك هيأ طنبور أبوعبيدة الطريق لـظهور آلة المندلين. وسار على هديه العشرات من المطربين .

3) ابتدع أبوعبيدة حسن أسلوب التبادل الديناميكي المنسجم في الترديد مع الكورس على الطريقة الملحوظة في أغانيه .. وقلده في هذا الأسلوب كمال ترباس ، وكذلك النور الجيلاني . ثم عبد الله البعيو .

وعلى نهج أبوعبدة حسن ؛ تحول الكورس من أداء وظيفة المُـردِّد التابع إلى كورس متفاعل "مُصـاحِب".
المطرب الشعبي كمال ترباس

والطريف أن كمال ترباس حين سئل لاحقاً عن السر في لجوئه لهذا الأسلوب في الغناء بصحبة الكورس . برّر ذلك بقوله أنه يمنح حنجرته  لحظات من الراحة ... وأنه عندما تقدم في السن أصبح يؤدي بمصاحبة الفرقة الموسيقية لذات السبب . ولما تتيحه الآلات الموسيقية للمطرب من لحظات توقف يرتاح فيها !
كان ذلك التبرير تخارُج ذكي من كمال ترباس .. ولكنه إن كان يحاول إقناع نفسه وبعض البسطاء حوله . فإنه لا يستطيع أن يقنع كل الناس بأنه لم يكن يهتدي في ذلك على آثار أبوعبيدة حسن.

كذلك كان حال حسين شندي في إعادته تقديم أغنيات وترية شهيرة في بداية تكوينه ، بصحبة المندلين والكورس طوال عقد الثمانينات . ومنها على سبيل المثال أغنيات "يا سائق" لعبيد الطيب ... و "الطيارة" للكاشف... وكان واضحاً أنه يهتدي في الأداء على آثار أبوعبيدة حسـن.

وعلى ذلك يكون القياس لكافة من سبق أبوعبيدة بفترة قليلة ، أو عاصره .. أو جاء بعد "إنقلابه الغنائي" .

للأسف لم تستفسر المحاورة الشابة "رشا الرشيد" من أبوعبيدة حسن عن سر إبتكاره لهذا الأسلوب في الغناء .. وحتماً كنا سنجد عنده الإجابة الدقيقة المرجوة . خاصة وأن أبوعبيدة حسن حين إبتدع هذا الأسلوب كان لا يتجاوز عمره 16 سنة .. وبالتالي فإنه حتماً لم يكن ينشد منح حنجرته وأوتاره الصوتية لحظات إستراحة تحوُل بينها وبين الإلتهاب والحشرجة.

أغلب الظن أن الأمر مرتبط بإبداع فطري لدى أبوعبيدة حسن ؛ صادف إشرافه بنفسه على إختيار وتدجين خامات كورس غنائي لم يسبق لها العمل الممنهج في هذا المجال أو على سبيل الهواية .... فجاء بهذا الكورس إذن صفحات بيضاء .

والملاحظ أن أبوعبيدة حسن لم يكن ينتمي لأية مدرسة غنائية في تكوينه .. ولم يعبر إلى جهاز الإعلام الرسمي من خلال مدرسة محمود فلاح مثلاً أو على هدي محمد أحمد عوض ، أو من خلال نادي الخرطوم جنوب ، أو فرقة فنون بجري . وغيرها من "مؤسسات" أهلية شعبية ؛ تساهم في إحتضان المبدعين وتدريبهم وإعدادهم وتقديمهم لاحقاً إلى الساحة الفنية بالبلاد على نسق قوالب مؤطرة.

أبوعبيدة حسن كان إذن متمرد على كافة القوالب المطروحة في عصره .... وربما لأجل ذلك جاء متفرداً عن غيره على هذا النحو المحسوس في الإبداع.

المبدع أبوعبيدة حسن نهاية عقد الستينات

وفي ذلك يقول أبوعبيدة:-
أنه بدأ مشوار الغناء "بمصاحبة" طنبوره فقط. ولم تكن لديه فرقة موسيقية .. وأنه لم يفكر في إنشاء هذه الفرقة إلا بعد أن أذاع له عمر الجزلي في برنامجه (7×7) أغنية "حـلل" . فتزاحم الناس على منزله يتعرفون إليه ويحجزونه للحفلات ...
 عندها فقط فكر أبوعبيدة حسن في إنشاء فرقة موسيقية لمصاحبته الغناء في الحفلات . لكنه خاف أن  يستعين بفرقة موسيقية محترفة (يصعب تدجينها) تتبع الأسلوب السائد النمطي في أغاني الحقيبة التي ورثـوها واعتادوا عليها منذ حقبة  الصعاليك.

 إذن نستنتج أن  أبوعبيدة حسن هنا قد هداه حرصه على فرض وتمكين أسلوبه ونمط تفكيره العبقري الخاص به إلى الإستعاضة عن الفرق الموسيقية الجاهزة  بتجميع بعض ذوي الإستعداد من فتيان الحـي أصدقائه ومعارفه يبدأ بهم من الصفر ... وعكف على تدريبهم وصقلهم بنفسه .. ولينشأوا حواريون على تلموده ومحجته البيضاء.
وهو ما أدى إلى نجاح أبوعبيدة حسن في فرض رؤيته الخاصة به على كافة أعضاء فرقته . ثم وعلى أجهزة الإعلام . فخرج إلى ساحة الغناء بمثل هذا الأسلوب المتفرد الجديد.
..............
من المسلمات إن المبدع يظل وليد ظروفه والبيئة المحيطة به . والأحداث الجسام المفصلية التي يموج بها العالم الخارجي ؛ ويتعرض لها موطنه وشعبه.
جانب من مسيرات ثورة 21 أكتوبر 1974م الشعبية

ومن ثم ؛ فلربما لا أكون مبالغاً لو ذهبت إلى الإعتقاد والتفسير أن أبوعبيدة حسن قد تأثر بنحو أو بآخر بشعارات ومنتجات ثورة 21 أكتوبر 1964م .. ثم وبحالة وأجواء التفاؤل والحماس التي صاحبت إنقلاب 25 مايو 1969م العسكري بقيادة العقيد جعفر نميري ؛ ومحموعة من الرتب العسكرية الصغيرة أغلبها بدرجة رائـد.

وعلى وقع ثورة 21 أكتوبر 1964م . مارس الشعب وقطاعات الفنون حرية الرأي والفكر والإبداع ؛ فكان ابوعبيدة جزءاً من هذا المد الديمقراطي بإبتداعه طنبوره الكهربائي وإضافة أوتار . وتعديل وظيفة الكورس من مردد تابع إلى " نسـيـج " مصاحب.....

ثم جاء إنقلاب 25 مايو بالحماس المتدفق في بداياته ورأي الشعب في جعفر نميري ورفاقه الرواد أحلام وحماس الشباب ؛ فكان ابوعبيدة جزءاً من هذا الحماس في ألحانه وإيقاعاته القوية السريعة.
جعفر نميري ... في مرحلة التفاؤل القصيرة العمر 
من جهة أخرى كان العالم في عصر ابوعبيدة يموج بالأحلام ؛ وينادي بالمشاركة كفكرة عامة ..
وفي السودان ، ملأت صور عبد الناصر وجيفارا ، وفيديل كاسترو ولينين الجدران .

وفي السودان؛ كان يكفي أن يكون في الحي عامود نور ؛ ليصبح بؤرة لتجمع فتيان الحي على مختلف ثقافاتهم ؛ وساحة للنقاش وتبادل الأفكار ؛ وسوقاً رائجة للإستقطاب الفكري والسياسي والرياضي .. إلخ.
كان النشاط الثقافي والسياسي .. ووتيرة ديناميكية المجتمع .. وإستعداده وتعطشه لتلقي وهضم المزيد على أشده ؛ كنتاج طبيعي للإنفتاح الفكري والسياسي الذي أتاحته ثورة 21 أكتوبر 1964 المجيدة.
وكان لابد أن تنداح مثل هذه الأفكار ، وأساطير الكاريزما والنقاء الإنساني المحض ساحات الغناء وضروب الفن في السودان ؛ الذي شهد هو الآخر موضة فرق الجاز  بأداءها الجماعي.... ونشطت الثنائيات والثلاثيات الغنائية رجالاً ونساء.

من ظن أن النجاح يأتي به الفرد وحده من الفراغ فهو واهم ..... فلابد من ظروف محيطة مواتية ؛ تلهم الفرد ، وتستجيب لها المجموعة المهيأة نفسيا وثقافياً لإستيعاب الجديد المبتكر في مرحلة مفصلية من مراحل مسيرة المجتمع.

ومن ثم فلا نستغرب أن أصبح  أبوعبيدة حسن  جزءاً من هذا الحراك الذي لم يترك بيتاً إلا وطرق أبوابه بعنف أو دخل من نوافذه إلى قلوب وعقول الشباب آنذاك .... وأن أبوعبيدة قد  جاء وبإحتصار ثمرة فريدة من ثمار ثورة أكتوبر 1964م ... وسواء أكان يعي ذلك أو لايعيه.

عبقرية أبوعبيدة حسن تلخصت في خروجه إلى الناس بإبتداعه الأداء " الجماعي " المتبادل بينه وبين الكورس.

إستمع إلى أغنيات أبوعبيدة حسن بصوته ، أو التي يعكف بعض عموم المطربين على ترديدها اليوم مع إضافة آلات موسيقية جديدة لم تكن متوفرة في عقد الستينات والسبعينات من القرن الماضي . فتلاحظ أن الكورس لا يكتفى بالترديد خلف المطرب ؛ بقدر ما أصبح عند أبوعبيدة حسن جزءاً من الأداء الكامل للأغنية .....

لاحظ مثلاً أسلوب أبوعبيدة حسن في أداء أغنيته الشهيرة "إنتي تبري من الألم" كلمات عزمي أحمد خليل .. وكيف أنه تقاسم الأداء مع فرقته . فقضى بذلك على سيطرة أسلوب "التخت الشرقي"  الذي كان سائداً (الشيّالين) في أغاني الحقيبة والطنبور الكلاسيكي.
أصبح الغناء على يد أبوعبيدة حسن تبادل ديناميكي بين المطرب (القائد) والكورس التابع .. ولم يعد هناك "شيالين".

وهو نفس النهج الذي إعتمده لاحقا كمال ترباس والنور الجيلاني .. ويسير عليه عبد الله البعيو وحسين شندي ... وكافة مطربي الجيل الحالي ممن قد يتم تصنيفهم في المستقبل تحت مظلة "الغناء الشعبي" . فلا هو ربوع ؛ ولا هو حقيبة ..... ولا هو حديث.

وحتى يكون الأسلوب الجديد الذي أبتكره أبوعبيدة حسن أوضح . فإنه في أغنية " إنتي تبري من الألم " ، يفتتح  أبو عبيدة بغناء البيتين الأول والثاني كاملين منفرداً:
والله ما رضيناها ليك .......تغمر الدمعات عينيك
رغم كل خصام وجفوة برضو شفقانين عليك

وبعد هذه الإفتتاحية ؛ يردد الكورس نفس الأبيات على ذات النسق التقليدي السائد في لونية النعام آدم والحقيبة.

ولكن بعد هذا الكوبليه تتغير الصورة تماما . فيتبادل أبوعبيدة والكورس الأداء الجماعي المتبادل على النحو التالي:
يردد أبوعبيدة:-
انتي تبري من الالم
فيرد عليه الكورس :-
والالم ما لينا نحنا
ويردد أبوعبيدة:-
ماهو باين في عيونا
فيردد الكورس:-
مهما جينا ولا رحنا
ويردد أبوعبيدة:-
الا يوم فاتنا وطـراكـي
فيجيبه الكورس:-
دابـو اصبح لينا محنه
وبعد جملة موسيقية فاصلة ؛ يختتم الكورس الكوبليه (منفرداً) بنفس الطريقة التي إفتتح بها أبوعبيدة الكوبليه (منفرداً):
والله ما رضيناها ليك ....... تغمر الدمعات عينيك
رغم كل خصام وجفوة ...... برضو شفقانين عليك

وهكذا يمضي الأداء على هذا النحو ؛ حتى ينتهي بعودة أبوعبيدة حسن إلى أبيات المطلع نفسه ؛ ليختتم بها الأغنية (منفرداً) بمثل ما إفتتحه به:
والله ما رضيناها ليك ....... تغمر الدمعات عينيك
رغم كل خصام وجفوة ...... برضو شفقانين عليك
..........
ربما وجد كمال ترباس والنور الجيلاني ، وعبد الله البعيو الطريق ممهداً والأسلوب واضحاً على هدي رائدهم ابوعبيدة حسن .... فسلكوا دروبه بعد التدريب المضني والسهر المستمر.
ولكن حين نتخيل أن أبوعبيدة قد إبتدع هذا الأسلوب الفريد من تلقاء نفسه . ودرب عليه أفراد فرقته من أولاد الجيران في الحي .. فلنا أن نتخيل كم هي ينابيع الإبداع والصبر عليه عنده ......

ربما كان ويظل الآخرون من تلك المجموعة في جيله مطربين وأساطين في ساحة الغناء والتطريب ..... ولكن أبوعبيدة حسن يتميز عنهم بأنه كان مبدعاً إلى جانب أنه مطرب.

اللافت أن أبوعبيدة حسن . وخلال اللقاء الذي حاورته فيه "رشا الرشيد"؛ جرى على لسانه قوله أنه "غنى أيضا أغاني الحقيبة" ...
وكان من الأفضل لو أتاحت له رشا الفرصة  كي يعدد إغنيات الحقيبة التي رددها .. فلربما يجد (في المستقبلً) باحث أكاديمي متخصص مشتهاه للوصول بسرعة وسهولة إلى المنابع التي إستقى منها أبوعبيدة بعض عبقريته الغنائية.
وحين أقول عبقرية فإنني لا أبالغ ولا أسوق جزافاً . فالعبقرية ليست شهادة تمنحها وزارة التربية والتعليم .. وينبغي علينا دائما التفريق بين "عالم الأشياء المادية " و "عالم الأفكار الإنسانية".
  
واقع الأمر فقد كان هناك ولا يزال إلى يومنا هذا من يعترض ، ويرفض بشدة تصنيف لونية أبوعبيدة حسن على أنها تندرج تحت مظلة فن غناء الطنبور ..... فن غناء الطنبور التقليدي الذي جرى التعارف عليه عند النعام آدم ،  و  إدريس إبراهيم ، واليمني.

السهولة التي تمكن بها المطرب المؤدي حسن شرف الدين من ترديد أغنيات أبوعبيدة حسن ؛ خلال تلك الحلقة المتلفزة المشار إليها بمصاحبة فرقة موسيقية حديثة تتضمن آلة "المندلين" و "الأورغ" و "الجيتار"  و "الساكسفون" ..... السهولة هذه تعـزز القناعة بأن موسيقى وألحان وأداء أبوعبيدة حسن تمثل خطاً متفردا خاصاً به ؛ حتى وإن جاء فرعـاً من أصل الأغنية الشعبية ....

وأفضل ما ينبغي المسارعة به هو إعادة اللقاء مع أبوعبيدة حسن من خلال حلقات توثيقية لاتتوقف عند مولده وأين تعلم ومن أحب .. ولكن أن يركز الحوار على إستدراج وجهات نظر أبوعبيدة حسن في تصنيفه للونيته وأين يضعها . وكيف كان تفاعله مع البيئة من حوله . ما هي النظم السياسية ، والأحداث المفصلية التي عبرت أمامه ؟ ... ثم ورؤيته الخاصة لكل ما كانت تموج به الساحة الفنية في زمانه ... وعلى نحو يتمكن فيه المحاور من الحصول على إفادات وإجابات صريحة أو مبطنة تصلح أن تكون أساساً لدراسات وبحوث علمية تفيد في رفد فن الغناء السوداني بأفكار جديدة ؛ وأجوبة عن إستفسارات ومعاني ربما تكون غائبة عن الذهن في هذا الزمان الذي يشكو فيه الجميع من ندرة التواصل بين الأجيال ... وتنعدم فيه الأقلام النقدية المتخصصة والموهوبة.
.........................
كان أبوعبيدة بوجه عام متصالحاً مع نفسه ومع مجتمعه . ولم يبخل عليه هذا المجتمع بالدعم والحب والتشجيع ..... ولكن شفافيته وحساسيته الكامنة فيه لم تحتمل رؤيته لوالدته وهي تعاني المرض طريحة المستشفى .. ثم فراقها له بإنتقالها إلى جوار ربها الرحيم ... فكان أن أصيب أبوعبيدة بإكتئاب نفسي حاد وخلل في مستويات الأحماض الكيميائية التي تحافظ على تناغم عمل المخ . فبقي أبوعبيدة طريح مستشفى التجاني الماحي لسنوات طويلة ؛ قبل أن يخرج معافى عام 2009م .. ولكن المرض كان قد أخذ من جسده وأعصابه  كل مأخذ . ولم يعد أبوعبيدة ذلك الفتى الضخم المفتول العضلات ؛ الذي يحمل لقب "البطل" ؛ ويستطيع بقبضة يديه رفع عربية صالون إنجليزية ماركة "هنتر" من على الأرض ؛ ومنعها من التحرك إلى الأمام ....

وكان "طنبور أبوعبيدة" ضخماً هو الآخر ثقيل الوزن لا يحتمل حمله وإحتضانه والإتكاء به للعزف عليه .. فلم يعد أبوعبيدة اليوم يمتلك من بنيان الجسد ما يجعله قادراً على ذلك.
 
واليوم يمارس أبوعبيدة حسن نشاطه في كسب قوته بشرف من خلال أعمال النحت والديكور والنسيج . ولا يزال يبدع في كل شيء . ويستخرج من البيئة المحلية (وخاصة أشجار النخيل) أروع منتجاته الفنية في مجال الديكور..... فطوبى لك أبوعبيدة في ظل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده] .... رواه البخاري في صحيحه.

التحية لأبوعبيدة حسن ... والإشادة بنفسه العصامية العالية . وتمسكه بكرامته وعفته ونظافة يده كما عهدناه عليه دائماً .....

 شخصية وإبداع أبوعبيدة جسن ينبغي الحرص على توثيقها كأنموذج لأجيال قادمة ترغب في إحتراف الغناء على أقل تقدير ؛ ناهيك عن العزف والتلحين.

إن العقل حين يستدعي اليوم سيرة أبوعبيدة حسن . يكاد لا يصدق كيف إجتمعت فيه كل جوانب صوت شجي ، وتلقائية شفافة ، وشجاعة  واثقة من نفسها ، لا تخشى إقتحام الحواجز وتحدي المستحيل . ويمتلك من الجرأة والبسالة ما أهّله لإضافة أوتار جديدة إلى آلة الطنبور القادمة من أعماق التاريخ الوجداني على مدى الآلاف من السنوات قبل الميلاد ؛ ثم ويحوله إلى آلة موسيقية كهربائية .. ويتقدم يحمله بين يديه في خطى ثابتة واثقة نحو برنامج إذاعي "كان" الأشهر من نوعه نهاية عقد الستينات من القرن الماضي ..... و " كان " عمر أبوعبيدة وقتها لا يتجاوز 16 سنة.
الإذاعي الراحل عمر عثمان في عصره الذهبي

لا بل كيف إمتلك الشجاعة الأدبية ليتصور أن بإمكانه أن يجتاز بهذا الطنبور الكهربائي باب وممرات الإذاعة في زمان النعام آدم ، وإدريس إبراهيم ,,,,,,, ثم يعبر به حاجز لجنة الألحان والنصوص الفولاذي ... هذه اللجنة التي يقال أنها كانت في صرامتها ودقتها كابوساً يؤرق مضاجع المطربين القدامى والجدد والشعراء والملحنين على حدٍ سواء.......

 مثل هذا المبدع النادر لايمكن إلا أن يكون عبقرياً صاحب نفس وثابة ؛ وموهبة بحساسية ميزان الذهب ..... مثقفاً من تلقاء نفسـه .... مدركاً لما يدور حوله من أحداث ومتغيرات .... ومتأثراً  بها متشرباً له .... فينحى هذا المنحى الجديد في الكلمات واللحن ةالأداء ؛ بمصاحبة آلة جديدة وفرقة موسيقية وكورس من صنع يديه ...

وبالفعل . فلم يخيب أبوعبيدة حَـسَـن حُـسْـنَ ظـن الأقـدار به ....

وكان أن جلس أبو عبيدة منذ لحظة دخوله الأولى للإذاعة على الكرسي الذهبي في حضرة برعي محمد دفع الله (رحمه الله) .... والذي مازحه بقوله:
-    "ياخي إنت حكايتك شنو؟ شاعر وملحن ومغني ونحّات ورسام . ما داير تــدي معاك الناس فرصة ليه؟".
-          
وكانت هذه الممازحة هي فحوى الشهادة التي علقها أبوعبيدة حسن على صدره . وخرج بها مطرباً مُجـازاً إلى ساحات الغناء الأرحب ....... ولا يزال بفاخر بها إلـى يومنا هــذا.