السبت، 30 أغسطس 2014

ظـاهرة أطفال الســلاح الأمريكان

ظـاهرة أطفال الســلاح الأمريكان

مصعب المشرّف
29 أغسطس 2014م

المدرب القتيل خلال إشرافه على تدريب الطفلة التي قتلته بالخطأ

بعد مقتل مدرب السلاح الناري شارلز فاكسا (39 سنة) في الولايات المتحدة بالخطأ ودون قصد على يد طفلة عمرها (9) سنوات أثناء تدريبه لها على إستخدام بندقية رشاش نصف آلية صنع إسرائيل موديل (عوزي) Uzi sub machine gun   فقد انتبه الرأي العام الأمريكي والعالمي إلى ظاهرة إقبال الأسر الأمريكية على إرسال فتياتهم الصغيرات إلى مراكز تدريب خاصة لتدريبهن على استخدام البندقية والسلاح الآلي.

قالت أنها تتدرب لحماية نفسها من الشياطين
وبالطبع يظل قلق الأسرة على الفتيات بسبب احتمال تعرضهن للإعتداء والتحرش الجنسي والإختطاف .. والعديد من المخاطر الأخرى تدور جميعها في فلك ممارسة الشذوذ والإستعباد الجنسي وتجارة الأعضاء.وإستغلالا لضعفها وقلة حيلتها وبراءتها بسبب صغر سنها.

وتقول هذه أنها تتدرب لحماية نفسها من الديناصورات
ولكن الأكثر ألماً من كل هذا أن الفتيات الصغيرات لا يستوعبن في هذه السن المبكرة الأسباب الحقيقية لقلق الأهل عليهن .. وقد جاءت أجوبة معظمهن على سؤال عن الهدف من التدريب على استخدام السلاح الناري وإقتناء بندقية ذاتية التلغيم ونصف آليه أبلغ دلالة على براءتهن.

وهذه الحافية تخشى من سمكة القرش التي ظهرت في فيلم الفك المفترس) 

وكانت كل الأجوبة تدور في فلك خوفهن من سمك القرش و الديناصورات والشياطين .. وقليلات شملت إجابتهن الخوف من اللصوص .


والطريف هو حرص هؤلاء الفتيات على إقتناء هذه الأسلحة النارية بألوان البمبي والفوشي والموف.


وتبيع متاجر السلاح المرخص لها في الولايات المتحدة سنوياً قرابة 60,000 بندقية أطفال ذاتية التلغيم (وهي النوع الأخطر) وبتشكيلات وصل عددها إلى 28 موديل ... وهي أسلحة نارية حقيقية وليست لعبة..... تطلق الواحدة منها طلقة واحدة ثم تقوم بتلغيم نفسها ذاتيا بالرصاص  من خزانة مدمجة بماسورتها.  ومنها ما يطلق رصاص الخرطوش كما ينطلق الماء من الحنفية ... إلخ.


واقع الحال أن المستوطن الأمريكي القديم سواء اليانكي الأبيض أو الزنجي الأفريقي . يظل كلاهما يعتمد على السلاح الناري وحده في دفاعه عن نفسه . ثم ويجد في الملاكمة والمصارعة البديل الآخر في الحالات الإضطرارية .


وبالطبع فإن هذه القناعة لم تنشأ من فراغ . ؛ ذلك أن البندقية والسلاح الناري بوجه عام هو الذي مكّن أجداد الأمريكان الحاليين من إبادة الهنود الحمر والسيطرة على أراضيهم.  ...... وحيث لا يزال السلاح هو الأسلوب الأوحد الذي تتعامل به الحكومات الأمريكية المتعاقبة في مواجهة خصومهم ومواصلة إخضاع أصدقائهم في العالم.
والإنسان في نهاية المطاف يظل عبداً وأسيراً لنتائج تجربته الذاتية ؛ إيجابية مثمرة كانت أو سلبية.

الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

وقائع تهريب اليهود الفلاشا - (من أضابير المحكمة)

وقائع تهريب اليهود الفلاشا - (من أضابير المحكمة)

(حلقة 1)

(الجريمــة)
 مصعب المشرّف

26 أغسطس 2014م

الكاتب "أبوعاقلة حمدنا الله"

أثار المقال الذي نشره الأستاذ "أبو عاقلة حمدنا الله" مؤخراً بتاريخ 24 أغسطس 2014م تحت عنوان (القصاص) .. والذي جاءت إحدى فقراته على النحو الآتي: 
[ فليس هناك سابقة في تاريخ السودان المعاصر تُشير إلى أن شخصاً قد إرتكب جريمة في حق الشعب أو الوطن قد طاله القصاص الذي يستحقه، بل العكس، فكثير من الذين أجرموا في حق الشعب والوطن قد أصبحوا أبطالاً ونجوماً في المجتمع، فأكبر جريمة أرتكبت في حق الوطن في فترة نظام مايو (ترحيل اليهود الفلاشا سراً لإسرائيل عبر السودان) عاد الشخص الذي قام بتدبيرها والإشراف عليها - بإعترافه - عاد وعمل مع نظام الإنقاذ كسفير بالولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يُعاد للخدمة العسكرية وترقيته لرتبة فريق، وهو يعمل اليوم عضواً منتدباً ورئيساً لشركة الإتصالات "زين"، وكثيرون مثله الذين أفلتوا من العقاب في نظام مايو وعادوا ليكملوا حلاقة رؤوسنا مع نظام الإنقاذ.]

وأبوعاقلة يقصد هنا بداهةً ودون مواربة ؛ العقيد أمن سابقاً "الفاتـح عروة".

أثار هذا المقال الكثير من الشجون ؛ وربما يثير بعض الجدل لاحقاً حول الكيفية المثلى لمجاسبة الخونة والفاسدين ولصوص المال العام ؛ عوضا عن مبدأ عفا الله عما سلف .. وتلك التسويات والتنازلات المالية المشبوهة التي تدور في الخفاء بين رموز العـهد البائد ورموز العـهد الجديد عقب كل ثورة شعبية ..
نحن في حاجة ماسة إلى تغيير جذري في أدبيات التناول ، والفكر والمنهج ؛ وبحيث لايفلت فيه مجرم سياسي ولصوص المال العام أو فاسد من العقاب.
ثم أن على الطبقة المثقفة المستنيرة أن تسعى لتشكيل جماعات ضغط ولجان شعبية لمتابعة ورقابة الأجهزة الرسمية ؛ بحيث تضمن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في حق المدانون من بين هؤلاء .. عوضاً عن التحايل بالمرض وتركهم يسافرون بمبررات العلاج في الخارج ، بعد أن يدفعوا الرشاوي لمسئولي العهد الجديد والفيزتة الباهظة للقومسيون الطبي... وغير ذلك من أساليب تحايل مكشوفة. 

واقع الأمر أن هناك أربعة ضباط أمن أشرفوا مباشرة على عملية ترحيل الفلاشا إلى فلسطين المحتلة . وقد تم إصدار عفو عنهم بقرار من النائب العام . وتحولوا بموجب هذا العفو (المشروط) إلى شهود إتهام (شاهد ملك) في مواجهة نائب رئيس الجمهورية ، ورئيس جهاز أمن نظام مايو البائد"اللواء عمر محمد الطيب" .

صورة حديثة للعقيد الفاتح عـروة

وقد برز من بين هؤلاء الأربعة أسماء كل من العقيد موسى إسماعيل (شاهد الإتهام الثاني) . والعقيد الفاتح عروة (شاهد الإتهام الثالث).

ولم يكن السبب هو براءة هؤلاء المتهمون الأربعة . وإنما لجأ النائب العام إلى هذا الحل الصعب بغرض كشف ملابسات عملية نقل اليهود الفلاشا التي تمت بسرية تامة. إستغل خلالها اللواء عمر الطيب كافة سلطاته الأمنية وأكثر للتعمية والتغطية عليها؛ دون أن يترك خلفه مستندات وأدلة تدينه سوى شهادة من عمل معه وقام بتنفيذ العملية.

 وجاء في تعريف عن (شاهد الملك) أنه وفي علم الجريمة وفي ملفات القضاء، أن هناك ما يطلق عليه الشاهد الملك، وهو الشاهد الذي يكون داخلاً بالجريمة أصلاً، ولكنه يشهد على زملائه المشاركين معه بالجريمة، مقابل امتيازات خاصة، هذه الامتيازات يتفق معه عليها، خاصة عندما تكون الجريمة كبيرة جداً، كجرائم القتل والسطو واستباحة أرواح وأعراض الناس، أو الجرائم السياسية كجرائم تغيير الأنظمة بالقوة، وحياكة المؤامرات وما إليها.

إنِ الحُكم  إلاّ لله .. وهو خير الحاكمين

ووفقاً للعقيدة الإسلامية ؛ فإن العفو الذي يصدر من جانب النائب العام أو الحاكم لمصلحة مُدان مّا  في جريمة مّا ؛ لايعني أن هذا المجرم قد حصل على "صك الغفران" .... وان تبرير الفرد بأنه إنما كان ينفذ الأوامر مردود بداهة بأن طاعة الخالق فوق طاعة المخلوق .. وأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ... أو كما قال عز وجل في محكم تنزيله {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} 95 مريم ... وقوله : {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ 67 الزخرف ... وقوله :{ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} 48 البقرة. 
صورة أرشيفية للواء عمر محمد الطيب 

ومن واقع "تحلّل" عمر الطيب لاحقاً عن الجريمة بعد مساومات ، أنفق ونثر خلالها الكثير من أمواله التي جمعها في منصبه ؛ وإلى واقعة سفره للإقامة في المملكة العربية السعودية وإستثمار ثروته الطائلة هناك .. ثم طيران المذيع عمر الجزلي إليه وتقديمه للناس (بالقفطان والسبحة والسجادة وزبيبة الصلاة) في أكثر من حلقة من برنامجه التلفزيوني (أسماء في حياتنا) ..... فلربما يثور تساؤل يتفق مع ما أثاره الكاتب أبوعاقلة حمدنا الله لجهة إفلات مرتكبو الجرائم والخيانة في حق الشعب والوطن بكافة أنواعها ... وهل كان هؤلاء "أسماء" في حياتنا ؛ أم "خيانات" و "عاهات" في حياتنا؟
على أية حال فإن الذي تعودناه من المذيع عمر الجزلي دائما في حلقات برنامجه هذا ، هو كيل الثناء والعطر والمديح لضيوفه بلاحساب ؛ حتى لو كانت روائحهم الفاسدة فائحة ، ومصنفون لدى الرأي العام في خانة اللصوص والأبالسة.
من اليمين عدنان خاشقجي ثم أرئيل شارون ثم الرئيس السابق جعفر نميري خلال وضع اللمسات الأولى لخطة تهريب اليهود الفلاشا

جاء في كتاب (أشهر المحاكمات السياسية في السودان) من إعداد وترتيب المحامي والقاضي السوداني المخضرم "هنري رياض سكلا" – الصادر في طبعته الأولى عام 1987م عن دار الجيل –  .... جاء في الصفحة رقم (58) وما تلاها ضمن الحيثيات التي تم تلاوتها داخل المحكمة برئاسة القاضي "عبد الرحمن عبده عبد الرحمن" الآتي:

 اليهود الفلاشا بعد إستيعابهم في الجيش الإسرائيلي - أصبح بهم العدو قادراً على شن الحروب البرية

[تتلخص وقائع هذه القضية في أن اليهود الأثيوبيون المعروفين بالفلاشا وموطنهم منطقة قوندار في أثيوبيا بدأوا هجرة منظمة إلى إسرائيل . وتشير الدلائل إلى أن جماعات منهم تسللت إلى السودان ثم غادرته خفية عن طريق "الخرطوم – جوبا – نيروبي" . وعن طريق مجموعة غامضة من الأوروبيين كانت تستأجر قرية عروس السياحية على البحر الأحمر شمال بورتسودان . كما سافرت جماعات أخرى بطائرات كانت تهبط ليلا من مطار كارثاتو المهجور بالقرب من أركويت ، وفي منطقة المحرقات بالقرب من الشوك ، هذا فضلاً عن أعداد غادرت السودان علنا تحت ستار برامج إعادة توطين اللاجئين الذي يشرف عليه معتمد شؤون اللاجئين بالسودان.

تنبهت أجهزة الأمن إلى التحركات المريبة منذ 1981م . وقد تلقى جهاز أمن الدولة تنبيهاً من جهاز الأمن الأثيوبي منذ مايو 1980م ؛ بأن لديهم معلومات عن شبكة تعمل في ترحيل اليهود الفلاشا من أثيوبيا إلى إسرائيل عبر السودان وأثينا . وأن تلك الشبكة ذات ارتباط بجهاز الإستخبارات الإسرائيلي (الموساد) . فشاركت الشرطة والإستخبارات العسكرية وأمن الدولة في التقصي والمتابعة . وبالفعل إعتقل جهاز أمن الدولة مواطنين أمريكيين في جوبا في 1983م بتهمة تهريب فلاشا إلى نيروبي عبر جوبا . فكان أن أستدعى المتهم (اللواء عمر الطيب) بصفته رئيساً لجهاز أمن الدولة السفير الأمريكي بالخرطوم ، وأخطره رفض السودان المبدئي لترحيل اليهود الفلاشا عبر أراضيه ، وخطورة تورط الأمريكان في ذلك . فاعتذر السفير عما حدث واعداً بعدم تكراره.  

في أوائل أكتوبر 1984م تغير موقف جهاز أمن الدولة حيال ترحيل اليهود الفلاشا عبر السودان . فقد أمر المتهم (اللواء عمر محمد الطيب) شاهدي الإتهام الثاني والثالث – العقيدين في الجهاز حينذاك – موسى إسماعيل ، والفاتح عروة بالإشراف على تنفيذ خطة رتيت في السفارة الأمريكية بواسطة المدعو "جيري ويفر" ، الذي كان يوصف بأنه مسئول اللاجئين في السفارة ، وتهدف الخطة إلى ترحيل ما بين تسعة وعشرة آلاف من اليهود الفلاشا من معسكر تواوا للاجئين بالإقليم الشرقي إلى الخرطوم بواسطة أربعة بصات ، دفع المدعو "جيري ويفر" مبلغ إثنين وثلاثين ألف جنيه نقداً أجرة استعمالها ريثما يتم تجهيز أربعة بصات جديدة إستوردها الأمريكان خصيصاً لهذا الغرض.

ومن الخرطوم يغادر اليهود السودان عن طريق الجو . وقد تكفل "جيري ويفر"  هذا بتوفير أدوات الإتصال اللاسلكي ، والقيام بجميع النفقات الأخرى اللازمة لتنفيذ خطة الترحيل ، وفي هذا الإطار دفع ستة آلاف جنيه إيجار لمنزل في القضارف . كما استأجر مخزنا وضعت فيه ثلاثمائة برميل جازولين.

وجه المتهم (اللواء عمر الطيب) العقيدين موسى إسماعيل والفاتح عروة بوجوب تنفيذ الخطة الأمريكية بحذافيرها . مؤكداً طبيعة المهمة السرية ، ومشدداً على ضرورة الإقتصار على أعضاء الجهاز فقط في التنفيذ ؛ بمن في ذلك سائقو الباصات التجارية المستأجرة ، شريطة أن لا تدخل الباصات الخرطوم قبل منتصف الليل . وأن لا تهبط الطائرت إلا بعد منتصف الليل . وأن يتم تحميلها فور وصولها باليهود . وأن يتم ذلك في مكان يقع في أقصى جنوب مطار الخرطوم دون أية إجراءات جوازات أو صحة أو جمارك أو خلافه.

ومبالغة في الإحتياط ؛ أمر المتهم (اللواء عمر الطيب) العقيدين موسى إسماعيل والفاتح عروة بالإتصال به مشافهة فقط فيما يتعلق بالعملية . وعدم الكتابة إليه إلاّ في حالة الضرورة القصوى ، وحتى عندئذٍ عليهما الإشارة إلى العملية بإسم (الشرق) كشيفرة.

سارت عمليات الترحيل حسب الخطة الموضوعة . وكان المدعو "جيري ويفر" يشرف عليها ويتابعها شخصياً من مطار الخرطوم بعد أن كان قد أشرف على الترتيبات في القضارف . ثم صحب أول قافلة تحركت من هناك في 21 نوفمبر 1984م . وتولت النقل الجوي شركة طيران بلجيكية يسمونها “Trans European Airways ”  ؛ قامت بثمان وعشرين سفرية على مدى خمس وأربعين ليلة ، نقلت فيها 6150 يهوديا . وكانت الطائرات تهبط ليلة وتغيب ليلة ، ولكنها صارت تهبط وتقلع بعد منتصف كل ليلة بناء على إلحاح "جيري ويفر".

“Trans European Airways ”

وبناء على أوامر أمن الدولة إلى سلطات مطار الخرطوم ؛ لم تدون في سجل حركة الطائرات أية معلومات عن نوعية الطائرات ولا مالكها ولا وكيلها بالخرطوم ، ولا البلد الذي أتت منه ولا المكان الذي سافرت إليه.
كذلك لم تدون الشركة الناقلة في سجل تحركات الطائرات أية معلومات عن نوعية طائراتها أو الركاب سواء كانوا عابرين أو نازلين أو راكبين ، ولا أية تفاصيل عما تحمله من أمتعة أو بريد . ولا شيء عن مواعيد هبوطها أو إقلاعها . بل أن وكيل الشركة لم يوقع على هذا الدفتر بتاتاً كما كان المفروض .
كما كان جنود أمن الدولة يضربون سياجاً مسلحاً حول الطائرات منذ لحظة هبوطها وحتى لحظة إقلاعها لمنع كائن من كان من الإقتراب منها أو ملاحظة ما يجري فيها . ولولا أن قسم المراقبة الجوية بالمطار يحتفظ بسجلاته الخاصة المتعلقة بحركة الطائرات في المطار لما ظهر أي أثر في سجلات المطار لمجرد هبوط تلك الطائرات الثمان والعشرين في أرض المطار.

ليلة 4 – 5 يناير 1985م ، غادرت مطار الخرطوم الرحلة الثامنة والعشرون . وفي تلك الليلة حدث ما لم يكن بالحسبان . فقد أذاعت محطة لندن في نشرتها الإخبارية المسائية تفاصيل دقيقة عن عملية الشرق . وأكدت أن اليهود قد وصلوا إلى إسرائيل من السودان عبر جسر جوي مباشر ؛ فكان أن توقفت بقية السفريات المزمعة نتيجة افتضاح العملية.

جورج بوش - تمت مكافأته لاحقاً بمنصب الرئاسة الأمريكية

في 4 مارس 1985م ؛ حضر المستر "جورج بوش" نائب الرئيس الأمريكي إلى السودان ، وكان المتهم الأول (اللواء عمر الطيب) هو مضيفه الرسمي . وأثناء تلك الزيارة حصل المستر بوش على موافقة السلطات السودانية على إستئناف ترحيل اليهود الأثيوبيين بطائرات أمريكية هذه المرة.

في 18 مارس 1985م سافر المتهم (اللواء عمر الطيب) إلى الولايات المتحدة بطائرة عسكرية أمريكية خاصة . وصحبه في نفس الطائرة "ميلتون بيردن" رئيس وكالة الإستخبارات الأمريكية (C.I.A) في السودان .
وفي واشنطون اجتمع المتهم بضباط من سلاح الطيران الأمريكي . وخلال عشر دقائق وافق المتهم (اللواء عمر الطيب) على مخططهم القاضي بإرسال طائرات نقل عسكرية إلى العزازة بالقضارف مباشرة لنقل اليهود من السودان.

عاد المتهم (اللواء عمر الطيب) إلى السودان في 20 مارس 1985م . وخابر القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع بأن هناك طائرات أمريكية ستهبط في العزازة بالقضارف تحمل مؤنا لللاجئين . طالباً منه عدم تعرض أسلحة الدفاع الجوي لتلك الطائرات . وأمر شاهد الإتهام الثاني (العقيد موسى إسماعيل) بالإشراف على العملية. وحضر فنيون أمريكان هيأوا وسائل الإتصال .

وفي 23 مارس 1985م هبطت في العزازة ست طائرات نقل عسكرية أمريكية ؛ نزلت منها فصيلة من جنود البحرية المسلحين ـ تولوا تأمين المطار ريثما ركب في الطائرات حوالي 450 من الفلاشا وأقلعت بهم إلى غاية مجهولة.
المتهم (اللواء عمر الطيب) يقف أمامنا وحيداً بعد أن منح النائب العام العفو لضباط الأمن الأربعة الذين تولوا الإشراف على عمليتي نقل اليهود . وهو يواجه تسع تهم على الترتيب التالي:]


(يتبع وقائع محاكمة اللواء عمر الطيب إنشاء الله)