الاثنين، 14 يوليو 2014

في فضل سور وآيات من القرآن الكريم (حلقة 4) آيــة الكُـرْسِي

في فضل سور وآيات من القرآن الكريم
(حلقة 4)
آيــة الكُـرْسِي

مصعب المشـرّف
16 رمضان 1435هـ

[اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ](255) – سورة البقرة.

وبدايةً ينبغي إيراد قول إبن كثير رحمه الله في تفسيره بقوله أن آية الكرسي مشتملة على عشر جمل مستقلة . وذلك على النحو التالي:
1)    [اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ] ... وهو إخبار بأنه المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق.
2)    [الْحَيُّ الْقَيُّومُ] .. أي الحَيّ في نفسه الذي لا يموت أبداً القيِّم لغيره.
3)  [لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ] ... أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه . وقوله [لا تَأخُذَهُ] أي لا يغلبه النُعَاس ولا يغلبه النوم . والنوم أعمق من السِنَةِ.
4)    [لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ] ... إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه.
5)  [مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ] ... أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة.
6)  [يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ] ... أي إحاطة علمه عز وجل بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها .
7)  [وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ] ... أي لا يطِّلِع أحد من عِلْم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه . ويُحتمل أن يكون المراد لا يطَّلِعُون على شيء من عِلْم ذاته وصفاته إلا بما أطْلعَهُم الله عليه. ..... والشاهد على ذلك أن الإنسان كان ولا يزال يتطور ويكتسب العلم شيئا فشيئا على مر الزمان ولم يأتي ذلك دفعة واحدة. .. وهو ما يؤكد أن علم الإنسان مُكتسب من الله عز وجل وليس ذاتي  .... أنظر مثلا مراحل اكتساب الإنسان لعلوم ووسائل النقل والإنتقال منذ الأزل وحتى اليوم ؛ من المشي والحمل على الظهر والعاتق إلى ركوب الدابة إلى العجلة إلى طاقة البخار إلى العربة الميكانيكية إلى الكهرباء إلى الطائرة إلى السفينة الفضائية .. وهكذا يمضي القياس في المعمار والطب والدواء والسلاح والغذاء .. إلخ بمشيئة الله عز وجل.
8)    [وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ] ... أي وَسِعَ عِلْمُه السماوات والأرض.
9)  [وَلا يَؤُودُهُ حِفْظَهُمَا] ... أي لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما . بل ذلك سهل عليه يسير لديه . وهو القائم على كل نفس بما كسبت ، الرقيب على جميع الأشياء.
10)       [وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ] ...  العَلِيُّ يُراد به عُلُوّ القَـدْر والمنزلة القاهر الغالب للآشياء . و " الْعَظِيم " صِفَة بِمَعْنَى عَظِيم الْقَدْر وَالْخَطَر وَالشَّرَف.

وجاء في تفسير القُرْطُبي أن آية الكرسي سَيِّدة آي القرآن وأعظم آية . وقال أنها نزلت ليلاً ودعا النبي صلى الله عليه وسلم زيداً (يقصد زيد بن حارثة رضي الله عنه) فكتبها .
وزاد على ذلك فقال: روى الأئمة عن أبي بن كعب (أبو المنذر) رضي الله عنه ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [يا أبا المنذر أتدري أيّ آيَة من كتاب الله معك أعظم ؟] قال قلت : الله ورسوله أعلم ، قال قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. فضرب في صدري وقال [ليَهِنك العِلْم يا أبَا المُنذِر].

وفي وجه آخر جاء في تفسير إبن كثير : أنه قد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل آية في كتاب الله . فقد روى الإمام أحمد أن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله [أي آية في كتاب الله أعظم؟] قال: الله ورسوله أعلم . فردّدَها رسول الله صلى الله عليه وسلم مِراراً يقول [أي آية في كتاب الله أعظم؟] ثم قال أبي بن كعب : آية الكرسي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ليهنك العلم أبا المنذر . والذي نفسي بيده أن لها لساناً وشفتين تقدّس الملك عند ساق العرش].

وَرُوِيَ عن عبد الله بن أُبَيْ بن كعب رضي الله عنهما أن أباه أخبره أنه كان له جُـرْن (موضع تجفيف التمر) فيه تمر . قال : فكان أبي يتعاهده فوجده ينقص . قال فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابـّة شبيه الغلام المُحتلِم . قال: فسلمت عليه فردّ السلام . قال فقلت :
-               ما أنت ؟ جنِّيِ أم إنسِـي ؟
قال:
-               جِـنـِّيْ.
قال قلت:
-               ناولني يدك.
قال: فناولني يده فإذا (هِيَ) يد كلب وشعر كلب.
قال قلت:
-               هكذا خلق الجـن؟
قال الجني:
-               لقد علمت الجن ما فيهم أشدّ مني.
قال قلت:
-               فما حملك على ما صنعت ؟ (يقصد سرقته للتمر)
قال الجني:
-               لقد بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك.
قال أبي بن كعب:
-               فما الذي يجيرنا منكم؟
قال الجني:
-               هذه الآية "آية الكرسي"
فعدا أبي بن كعب إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . فقال عليه الصلاة والسلام:
-               [صَدَقَ الخبيث].
....
وقد رُوِيَ هذا الحديث بأكثر من وجه . ومنهم من رواه بصيغة آخرى على لسان أبي هريرة رضي الله عنه ؛ حين وكّله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان.

وقد توسع القرطبي رحمه الله في تفسيره (للحي القيوم) واستشهد بكثير من أقوال المفسرين والسلف الصالح . ولم يتردد في القول أن (الحي القيوم) هو إسم الله الأعظم.
يقول القرطبي:
" الْحَيّ الْقَيُّوم " نَعْت لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . و " الْحَيّ " اِسْم مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى يُسَمَّى بِهِ.
 وَيُقَال : إِنَّهُ اِسْم اللَّه تَعَالَى الْأَعْظَم .
وَيُقَال : إِنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء : يَا حَيّ يَا قَيُّوم .
وَيُقَال : إِنَّ آصَف بْن بَرْخِيَا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَأْتِي بِعَرْشِ بِلْقِيس إِلَى سُلَيْمَان دَعَا بِقَوْلِهِ يَا حَيّ يَا قَيُّوم .
وقَالَ الطَّبَرِيّ رحمه الله عَنْ قَوْم : إِنَّهُ يُقَال " حَيّ قَيُّوم " كَمَا وَصَفَ نَفْسه عزّ وجل, وَيُسَلَّم ذَلِكَ دُون أَنْ يُنْظَر فِيهِ ... ومعنى ذلك أن الإنسان يردّد "حي قيوم" مع التسليم بها لله عز وجل بكل جوارجه دون تردُّد أو طلب مهلة للتفكير.
وَقِيلَ : سَمَّى نَفْسه حَيًّا لِصَرْفِهِ الْأُمُور مَصَارِيفهَا وَتَقْدِيره الْأَشْيَاء مَقَادِيرهَا .
وَقَالَ قَتَادَة : الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت .
وَقَالَ السُّدِّيّ : الْمُرَاد بِالْحَيِّ الْبَاقِي .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا الِاسْم هُوَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . " الْقَيُّوم " مِنْ قَامَ , أَيْ الْقَائِم بِتَدْبِيرِ مَا خَلَقَ .
وَقَالَ الْحَسَن : مَعْنَاهُ الْقَائِم عَلَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ حَتَّى يُجَازِيهَا بِعَمَلِهَا , مِنْ حَيْثُ هُوَ عَالِم بِهَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُحَوَّل وَلَا يَزُول ,
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : الْقَيُّوم الَّذِي لَا بَدْء لَهُ .

وهناك إذن اتفاق على إشتمال آية الكرسي على إسم الله الأعظم . فقد قال الإمام أحمد أنه روي عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين {الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، وألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} أن فيهما إسم الله الأعظم ..... رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
والمقصود في قول بنت يزيد هنا : آية الكرسي (رقم 255 في سورة البقرة). والآية رقم (2) من سورة آل عمران.

وجاء عن أبي إمامة رضي الله عنه (مرفوعاً) قال: إسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب في ثلاث : سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة  طه.
وقال هشام بن عمار خطيب دمشق: أما البقرة فالله لا إله إلا هو الحي القيوم ، وفي آل عمران {ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وفي طه {وعنت الوجوه للحي القيوم}.

وإستناداً إلأى ما ذكر أعلاه ؛ فإن أغلب الظن (والله أعلم)  أن إسم الله الأعظم هو في قوله عز وجل [ الحَيُّ القَيُّوم] وذلك لإشتراكهما في السور الثلاث المشار إليها جميعا. ....

وأما قوله عز وجل [لا إله إلا هو] فلم ترد في الآية التي أشار إليها هشام بن عمار من سورة طه . ثم ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من بين أحب الكلام إلى الله. 
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث سُمْرة بن جُندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أحب الكلام إلى الله تعالى أربع , لا يضرك بأيهن بدأت : سبحان الله , والحمد لله , ولا اله إلا الله , والله اكبر].
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رضي الله عنهما : (أَشْرَف آيَة فِي الْقُرْآن آيَة الْكُرْسِيّ ). وفسَّر بعض العُلماء قول إبن عباس هذا بالقول : لِأَنَّهُ يُكَرَّر فِيهَا اِسْم اللَّه تَعَالَى بَيْن مُضْمَر وَظَاهِر ثَمَانِي عَشْرَة مَرَّة .
وأفضل ما يوصى به أن يقرأ المسلم آية الكرسي مرة واحدة على الأقل بعد فراغه من كل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة . والأجدر أن يقرأها سبع مرات لما فيها من خير وتيسير وبركة ، وطرد للشيطان وإزهاق للعارض . وحبذا لو واظب وحرص المسلم الذي يشكو من "العارض" على أداء الصلوات الخمس المفروضة داخل المساجد . ففي دخوله المسجد إرهاق لهذا الشيطان الذي يُسَمَّىَ بالعَارِضْ وتضجير وتوتير له ؛ لاسيما عند صلوات الفجر والعصر والعشاء ، وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى تركه وإبتعاده عن طريقه....... كفانا الله الحي القيوم جميعاً شــرّ العوارض .. آآميــن
أهم المراجع:
1)   تفسير إبن كثير
2)   تفسير القرطبي.
3)   تفسير الطبري.
16 من رمضان 1435هـ