السبت، 5 يوليو 2014

في فضل سور وآيات من القرآن الكريم (ح2) - الفاتحة

في فضل سور وآيات من القرآن الكريم
(حلقة 2)
فضــل سورة الفاتحــة

مصعب المشرف:
7 رمضان 1435هـ


 من أبرز فضائل سورة الفاتحة إنها السورة التي يبدأ بها المسلم القراءة في صلواته. وبدونها لا تصح الصلاة .. وما أدراك ما الصلاة وفضل الصلاة  ..
ولعل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أوجز وأجمل في فائدة الصلاة وعلو شأنها ؛ حين سأل إبن عباس رضي الله عنهما عن الشخص الذي طعنه . فأعلمه أنه لؤلؤة المجوسي.
 فقال عمر:
-         "الحمد لله الذي جعل ميتتي على يد رجل لم يسجد لله سجدة"

تقرأ سورة الفاتحة 17 مرة في مجموع الصلوات الخمس المفروضة .. وهي التي ذكرت في القرآن الكريم بأنها (السبع المثاني) عند قوله عز وجل [ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم] (87) سورة الحجر.

وفي اللغة العربية فقد فسر "لسان العرب" قوله عز وجل : " ولقد آتيناك سبع من المثاني والقرآن العظيم" ما يفيد بأنه عز وعلا قد أتى بالعموم بعد الخصوص . وهو ما يزيد من فضل سورة الفاتحة ويجعل لها خصوصية عالية الشأن.
وجاء في لسان العرب أيضاً أن المثاني من القرآن هي ما ثـُـنـِّــيَ (بضم الثاء وتشديد النون على الكسر وفتح الياء) مرة بعد مـرة .
وقيل عن فاتحة الكتاب أنها "مثاني" لأنها يـثـنى بها في كل ركعة من ركعات الصلاة . وتعاد في كل ركعة .
وقيل لأن فيها مما أثنى به على الله تبارك وتقدس ؛ لأنّ فيها حمد الله وتوحيده وذكر ملكه يوم الدين . أي ولقد آتيناك سبع من الآيات من جملة الآيات التي يثنى بها على الله عز وجل وآتيناك القرآن العظيم.

وعدد كلمات سورة الفاتحة 25 كلمة ... وحروفها 113 حرفاً.

ومن أسماء سورة الفاتحة : (السبع المثاني) ، و (أم الكتاب) ، و (أم القرآن) ، و (الحمدُ) ، و (الصلاة) ، و (الشفاء). و (الرقية) ، و(الواقية) و (الكافية) و (الكنز).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، وهي السبع المثان والقرآن العظيم ، وهي أم الكتاب ؛ وفاتحة الكتاب].
ومعنى (أم) هنا ليس المقصود بها (الأم الوالدة) كما قد بتبادر إلى ذهن البعض العوام ؛ ولكن لأنه يُبدأ بكتابتها في المصاحف ويُبدأ بقراءتها في الصلاة ..... وقيل أنها سميت بـ "أم الكتاب" لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته.

والعرب تسمي كل جامع أمر "أم" .... وتسمي كل أمر إذا كان له توابع وذيول وإرتدادات لاحقة "أم" . ولأجل ذلك أطلقت العرب على الغزو الأمريكي للعراق مسمى (أم المعارك).

وتطلق العرب على الجلدة التي التي تجمع الدماغ مسمى (أم الرأس).
وفي ذلك المعنى تفسير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني]. 

وكذلك تسمي العرب (لواء الجيش) و (رايتهم) التي يجتمعون تحتها "أمّـاً " ... قال الشاعر ذي الرمة:
على رأسه أمٌ لنا نقتدي بها ...... جماع أمور ليس نعصي لها أمراً

ومن أعظم فضلها أن الله عز وجل قد قسمها بينه وبين عبده نصفين .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع  رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال (الحمد لله رب العالمين) قال الله حمدني عبدي ، وإذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله أثنى علي عبدي ،  فإذا قال (مالك يوم الدين) قال الله مجدني عبدي ، وقال مرة فوض إلي عبدي ، فإذا قال (إياك نعبد وإياك نستعين) قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال (إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل]....... رواه النسائي عن إسحاق ورواه مسلم وهو (حديث حسن صحيح).

ومن فضل سورة الفاتحة أنها "راقية" .. أي أنها تقرأ للرقيا .. وهي مُجرّبة ... ولا حاجة للمسلم أن يذهب إلى شخص آخر كي يرقيه بها على ظن منه أنه غير أهل للتواصل مع الله .

ومن ثم فأحسن الرقيا هي تلك التي يرقيها الإنسان لنفسه بنفسه ، ثم ولزوجته وأولاده ومحارمه خاصة. ولا يظن العبد المسلم بالله الظنون . فالله أكبر والله أعظم والله أكرم . والله في عون العبد ، وهو أقرب إليه من حبل الوريد .... وهو قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه . وذلك لقوله عز وجل في محكم تنزيله : [ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ] البقرة 186
وأفضل الرقيا هي أن يضع الإنسان يده على مكان الألم فيقرأ الفاتحة سبع مرات . كل مرة ينفخ في داخل قبضة يده ثم يمسح بها مكان الألم .  فيزول أو يخف بإذن الله الشافي المعافي.
وبالطبع فإن الرقيا لاتمنع اللجوء إلى الطبيب المحتص .. ولكن هناك ظروف وأماكن قد لا يتوفر فيها الطبيب ... ومن ثم تبقى حاجة المسلم للرقيا ماسة في كافة الأحوال والشفاء في نهاية المطاف إنما هو من عند الله.
وأفضل ما يوصى به عند الرقيا أن يكون الإنسان المسلم طاهراً . فإن كان في صحراء وعـزّ الماء فليتيمم سواء من الجنابة الكبرى أو الصغرى . وحبذا لو صلى لله ركعتين ودعا في سجوده.

وأشهر ما صح عن أن سورة الفاتحة تقرأ للرقية ما جاء في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حين رقى بها أحد الصحابة إعرابي لـديغ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما كان يدريه أنها رقية؟" ....
وتمام القصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل مجموعة من الصحابة في مهمة . وجعل على إمرتهم الصحابي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . فقال أبي سعيد : "كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم (لديغ) وإن نفرنا غـيّب . فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية فرقاه فبرأ . فأمر له (اللديغ) بثلاثين شاة وسقانا لبنا . فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية أو كنت ترقى؟ قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب . قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ونسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقصد يستفتونه في الأمر) . يقول أبو سعيد: فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: [وما كان يدريه أنها رقية أقسموا وأضربوا لي بسهم ].
وقد استند العلماء على هذه الحادثة ، وحديث أشرف الخلق بشأنها ؛ في الإفتاء بجواز الرقية ؛ وبأن قبض الأجـر عن الرقيا حلال.

وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت].


بقي بعد ذلك الإشارة إلى أننا في السودان نحرص على قراءة سورة الفاتحة مع أهل الميت عند العزاء ... وهو إجتهاد محمود بالمقارنة مع اعتياد معظم المسلمين سواء في مصر وشبه جزيرة العرب على تبويس لحى بعضهم البعض ، والإكتفاء بترديد جملة (البقية في حياتك) ، ويرد عليه قريب الميت بالقول: (حياتك الباقية) .... أو أن يبادر المعزي بالقول : "عظم الله أجركم" فبرد عليه قريب الميت بالقول "وأجركم".

والبعض من هؤلاء يحتج علينا بالقول أن قراءة الفاتحة لاتفيد الميت في شيء .. وهو إستنتاج غريب ، يتناقض مع واقع وجوب قراءة سورة الفاتحة في صلاة الجنازة على الميت .... فكيف نقرأها هنا في صلاة الجنازة ركنا واجباً ؛ ولا نبيح قراءتها عند العزاء بغرض الترحم على الميت ؟
ثم أنه حتى إذا احتج علينا هؤلاء بأن إبن آدم إذا مات لم يعد  يفيده من الدنيا سوى علم ينتفع به أو صدقة جارية أو إبن صالح يدعو له (لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك) .. فإننا نراهم قد ذهبوا وعادوا للمربع رقم واحد . وذلك أن المعزي حين يأتي إلى مكان العزاء أو يلتقي بولد الميت . فيرفع يديه والتنبيه لقراءة سورة الفاتحة ؛ فإنه يحث ولد الميت على قراءتها بنية طلب الرحمة لوالده ....  وبذلك يحصل المتوفي على الفائدة المرجوة بإذن الله  تعالى.

فحبذا لو حرص كل مسلم (أولاً) على تلقين أبنائه الذكور منهم والإناث سورة الفاتحة منذ نعومة أظفارهم حتى يدعون له بها ... فيعضنا وللأسف وفي زحمة الحياة واللهث لتوفير وتوريث المال والعقار والجاه والوظيفة المرموقة لفلذات أكباده ؛ أصبح يحرص على توجيه أبنائه لإجادة اللغة الإنجليزية والفرنسية والصينية ؛ وينسى تلقينهم " أم القرآن " حتى.

المراجع:
1)   تفسير إبن كثير.

2)    معجم لسان العرب