الخميس، 9 يناير 2014

الإستثمار الخليجي يخرج نهائياً من أفريقيا


الإستثمار الخليجي يخرج نهائياً من أفريقيا

 

مصعب المشرّف:

 تتزاحم نشرات الأخبار المحلية ؛ ومانشيتات الصحف الورقية في العاصمة بأخبار غاية في الأحلام الوردية عن إستعدادات البلاد لإستقبال الكثير من الإستثمارات العربية النفطية الضخمة في القريب العاجل .... وحيث نلاحظ بالفعل أن كلمة "في القريب العاجل" قد أصبحت عبارة ممجوجة بين فكي وزارة الإستثمار وبما ينطق به لسانها .... وهو ما يغذي الإنطباع أن الغرض من كل هذا الحراك الوهمي إنما دغدغة مشاعر الشعب المُحبط ؛ وتغييب وعيه في حالة من أحلام زلوط.


وما بين واقع الحال في التوجهات الراهنة للإستثمار العربي ، وأوهام وزارة الإستثمار التي لا تنفك عن "الهضربة" بها .. تبقى هذه الوزارة المثيرة للجدل منذ إنشائها .. تبقى مدعاة للسخرية ومحركة للشفـقة لسبب ما تشربت به من فساد العناصر من جهة . والسقوف الفلكية التي يضعونها كشروط وأتاوات في مواجهة المستثمر الخليجي خاصة وذلك من واقع إنطباع عام خاطيء بأن الأموال تتدفق من جيوبه كالماء ، و يبذلها بغير حساب ...... وربما لو كان لدى وزارة الإستثمار السودانية إحتكاك مباشر بهؤلاء ؛ لكانت قد أدركت أن القاعدة الذهبية لديهم هي أن "المال عديــل الــــروح" .


كثير من أموال البلاد (في هذا الظرف الإقتصادي المتردي الإستثنائي) يتم إنفاقها من جانب وزارة الإستثمار ببذخ على سفريات ، وعقد ورش وفعاليات ومؤتمرات "بيع الأوهام" ؛ والتي تنتهي إلى لا لشيء أو كما يقال "نسمع جعجعة ولا نرى طحناً".

ويبدو أنه لن يطول بنا الزمان كثيراً حتى يتحول إسم وزارة الإستثمار إلى "وزارة حشّاش بي دِقنو" .... وما بين هنا وهناك وهُنوك ، وباكر وبعد باكر ، والقريب العاجل ، وخلال عام 2014 ؛ وللحـول الجايي ، يحلها ألف حـلاّل ....... و يا سوداني لا تحزن.


وما بين المشار إليه أعلاه من أوهام عالقة . فقد أفـاد تقرير لوكالة رويترز للأنباء صدر باللغة الإنجليزية من لندن على خلفية ملخص دراسة قامت بها مؤسسة تشاتام هاوس ... أفاد أن دول الخيج العربي النفطية الغنية قررت الخروج نهائيا من عملية الإستثمار الزراعي والغذائي في أفريقيا . والإستثمار عوضاً عنها في الدول الأوروبية والولايات المتحدة ، وأستراليا وكندا . وذلك لعدة أسباب واقعية على الرغم من أن الإستثمار الزراعي والحيواني هناك أكثر كلفة . ولكنه يظل مضمون الإستقرار والإنتاجية والربحية والإستمرار.

والطريف أن الذي يلاحظ في القارة الأفريقية ؛ أن القانون يظل تابعاً ومطية للحاكم وليس العكس .... وحين نشير إلى الحاكم هنا فهذا يشمل الرؤساء ووزارات المالية والبنوك المركزية  والحكومات المحلية والولائية ... إلخ . على مختلف الوزارات والأصعدة في الحكومات المركزية والأقليمية ، والإدارات المحلية والمناطق القبلية ....... وهو ما يُمَكِّن من وصف هذه الأنظمة السياسية والمحلية الحاكمة بأنها مافيا مُنقّبة أكثر منها أجهزة حاكمة واضحة المعالم أو تتســم بالشفافية.

ومن ثم فلايتوقع حصيف أو درويش أن يقدم مستثمر أجنبي على ضخ ملياراته النقدية في مثل هذه البيئات المزمنة الإحتقان والفساد السياسي والإداري . ثم والبالغة التعقيد لجهة المكونات القبلية للسكان المحليين ، الذين يرون في مثل هذه الشركات الإستثمارية بمثابة الشيطان الذي ينزع منهم أراضي أجدادهم ؛ ويستجير بالقوات النظامية من شرطة وجيش وأمن للتغول على حقوقهم وممتلكاتهم التاريخية ، والتي تشكل بالنسبة لهم من ناحية أخرى مصدراً إستراتيجياً لتأمين إمدادهم بحاجاتهم الإستهلاكية السنوية من الحبوب الغذائية ، والأعلاف لحيواناتهم ، ولتجميع حطب الوقود.... إلى غير ذلك مما تجود به الأرض من ثروات تفي بحاجة السكان المحليين في الأرياف ، وتغنيهم عن نقصان السيولة النقدية.


وتشير التقارير أن الدول العربية النفطية الغنية كانت قد شرعت في إستثمارات ضخمة بأفريقيا إبتداء من عام 2008م ؛ عقب إرتفاع أسعار العقود الآجلة للعديد من السلع الغذائية الإستراتيجية وأهمها الحبوب ؛ والتي نجمت عن تعرض الدول المنتجة الكبرى في شرق آسيا وأستراليا وأمريكا الشمالية إلى ظواهر جوية طبيعية طارئة أدت إلى تدني الإنتاجية مما حتم على تلك الدول فرض قيود صارمةً على تصدير منتجاتها الزراعية لفترة.

وقد كان من ردود الأفعال التي إتخذتها هذه الدول النفطية تشجيع الشركات المملوكة لصناديقها الإستثمارية أو المدعومة والتابعة لها لشراء أراضي شاسعة صالحة للزراعة في أفريقيا لتنفيذ ما سمي آنذاك بـ "خطة تحقيق الأمن الغذائي الإستراتيجي" لهذه الدول ... ومن بين الأمثلة هو شراء شركة جنان الظبيانية 160 ألف فدان دفعة واحدة من الأراضي الصالحة للزراعة في مصر لتوفير سلعة القمح ، وأعلاف للماشية المنتجة للألبان داخل إمارة أبوظبي. 

وقد أفادت وكالة رويترز أن الدول العربية النفطية الغنية وهي السعودية والكويت والأمارات العربية وقطر ؛ كانت تأمل أن تتيح لها الإستثمارات في أفريقيا ؛ أن تتيح لها إستغلال سلال غذائية كبرى تجنبها تقلبات الأسعار العالمية في الحبوب الغذائية الإستراتيجية .. ولكن الواقع سجل فشلاً منقطع النظير لسبب الفساد الأسود المستشري في دول القارة.

وفي الفترة الأخيرة فقد إشترت شركة الطاهرة الزراعية الأماراتية ثمان شركات زراعية في جمهورية صربيا بقيمة 400 مليون دولار.

وبحسب وكالة رويترز وفي هذا الإطار ؛ تبرّر الشركات الإستثمارية العربية شبه الحكومية أو التي تتلقى دعما وسندا حكوميا فاعلاً في منطقة الخليج العربي .... تبرّر توجهها للخروج نهائياً من أفريقيا للأسباب التالية:

  1. كثرة الخلافات والتوترات السياسية التي تتحول عادة إلى أشكال من العنف المسلح بخلفيات قبلية . في حين تتميز الدول الأوروبية وفي أستراليا وكندا بقلة مشاكلها السياسية وغلبة المؤسساتية في جهازها الإداري العام.
  2. توجه السلطات في أفريقيا إلى إنتزاع الأراضي الإستراتيجية والزراعية من السكان المحليين بالقوة . وبيعها إلى الشركات الإستثمارية العربية دون رضا أو مشاورة وتعويض هؤلاء السكان .. وغالباً ما يتم البيع بأسعار رسمية معلنة رمزية ... ولكن نظير عمولات وأتاوات فلكية تحت الطاولة ، تذهب مباشرة إلى جيوب وخزائن وحسابات بعض المسئولين في هذه الحكومات.
  3. تدهور الأوضاع الأمنية المستمر وضعف البنى التحتية في أفريقيا تؤثر سلباً على العديد من المشروعات لجهة إستمرار العمل بها ناهيك عن تعرضها للخسائر. وناهيك عن السلب والنهب المسلح للمواشي والمخازن وإختطاف العاملين والتهديد بقتلهم أو إطلاق سراحهم نظير فدية مالية.
  4. وبوجه عام فقد توافقت كافة الدراسات الإقتصادية الفنية التي أجريت في الفترة الأخيرة على أنه من المستحيل تقريباً تنفيذ مشروعات كبرى قابلة للنجاح والإستمرار في أفريقيا في ظل ضعف البنى التحتية . وسوء وسائل الري والتقنيات غير المتطورة في كافة المجالات المساعدة . ويشمل ذلك وسائل النقل والشحن في مواني التصدير.