الجمعة، 3 يناير 2014

المضحك والمبكي في أزمـة الهَـويّـة الماثلة

 

المضحك والمبكي في أزمـة الهَـويّـة الماثلة

 
مصعب المشرّف:

 
 يثير بعضنا الشفقة (خاصة في المجال الإعلامي) حين يصفنا بأننا شعب أسمر .... ولا أدري إذا كنا نحن بألوان بشرتنا هذه ندخل ضمن تصنيف الشعوب السمراء . فما هو لون الشعب المصري مثلاً ؟ وما هو لون شعوب شبه الجزيرة العربية؟ هل هم بيض البشرة؟ .. بالطبع لا .

فإذا كان هؤلاء يصنفون عند البعض السوداني على أنهم من أصحاب البشرة البيضاء .. فما هو لون شعوب الغرب الأوروبي البيضاء كالإنجليز والألمان؟

أخشى أن تتفتق عقول البعض المتشبث واهماً بلون الدلع الأسمر ... فيصنف الخواجات على أنهم من أصحاب بشرة (ناصعة البياض) بلون ريش طيور الجنة البيضاء التي توجد (حصرياً) في أشجار الفردوس الأعلى.
 
ثم أنه إذا كان الشامي والمغربي ، والمصري ، والبدوي في شبه الجزيرة العربية بيض البشرة (كما يراهم بعضنا) . فلماذا إذن يرهق هؤلاء أنفسهم ويتعبونها في التغني والغزل في اللون الأسمر ؟

هل يتغنى هؤلاء العرب (البيض) من الخليج إلى المحيط في سمارنا نحن (السودانيين) أم ماذا؟

ثم أننا إذا كنا أصحاب بشرة سمراء كما يظن بعضنا .. فلماذا نحمل مسمى "سوداني" الذي يعني في اللغة العربية صاحب البشرة السوداء؟

ربما يتوجب والحالة النفسية كذلك لدى بعضنها من الإرهاق والتشويش وعمى الألوان ، ربما يتوجب أن نعمد إلى تغيير إسم "جمهورية السودان" ليصبح  "جمهورية السُمران" .. وهكذا يطلقون علينا بعد بضع سنوات مسمى "سُمراني" عوضـاً عن "السوداني".

 والأمر في الجانب الأعمق لا يقف عند حد "الشفقة" وحدها ؛ بقدر ما يعتبر معرقلاً  نفسياً لقدراتنا ونجاحات خطط التنمية البشرية والإقتصادية ؛ وسبب رئيسي من أسباب فشلنا المزري حتى تاريخه في التوصل إلى قناعة موحدة بماهية هويتنا الحقيقية الواقعية التي ينبغي علينا البناء فوقها للنهوض من كبوتنا المزمنة وسط الشعوب العربية والأفريقية على حد سواء .. وحيث نلحظ أننا كلما تقدمنا متراً تراجعنا القهقرى أمتار في كافة مناحي الحياة من إقتصاد وأخلاق وقناعات وثقافة .. نلتقط من العرب أسوأ ما عندهم ومن الأفارقة أبشـع ما لديهم ... ثم نكتشف بعد فترة أن هذا العربي لا يصلح لنا ؛ وأن ذاك الأفريقي لا يضيف لنا شيئاً بقدر ما يسلبنا ويزيدنا تخلفاً وتراجعاً في كافة المجالات ، وفقداناً للأمن والإستقرار ، وتهتكاً في النسيج الإجتماعي.
 
 
يبدو أن موقعنا الجغرافي في وجه القارة الأفريقية المتجه صوب شبه الجزيرة العربية ، والذي يمنح ظهره ومؤخرته في الوقت نفسه لأفريقيا (أنظر الخريطة) ... يبدو أن هذا الموقع والتوجه المزمن قد كان له أثره البالغ في الإنفصام والتشويش على هويتنا على هذا النحو الذي لا نزال نعاني منه.

إتصلنا حضارياً ومنذ آلاف السنوات بمصر واليونان والرومان .. وكان لهذا الإتصال إيجابياته وسلبياته .. ولكن الإيجابيات حتى عهد قريب كانت تطغى على السلبيات .. والسبب أن إندياح رياح التطور والتغيير التي يفرضها هذا الإتصال لم يكن بالسرعة الصاروخية التي هي عليه الآن في علاقتنا بمصر والغرب الأوروبي ....
 
قديماً ولأسباب ترتبط بتكنولوجيا الإتصال كان التغيير يأخذ وقته وعلى نحو يجعل من المقيم يبتلع الوافد ويهضمه على مهل ليستفيد منه ويلفظ الفضلات التي لا تصلح له .... لكننا اليوم أصبحنا نتقبل الكثير من السلبيات ونبتلعها سريعاً بقشورها ونواتها ؛ ومن دون أن نفكر في ما إذا كانت كلها أو بعضها تصلح لنا أو لا تصلح .....

وعلى سبيل المثال فإنه وفي الوقت الذي حرّم فيه الفقيه الأزهري ما يسمى بالزواج العرفي في مصر ؛ أخذنا نحن بهذا الزواج من مصر وفعلنا به الأفاعيل . وخسرت آلاف الفتيات نصف حياتهن الإجتماعية بسببه . ولم يستفيد من ذلك سوى الذكور بما مارسوه من جنس مجاني ... ثم أطباء جراحة التجميل والنساء والولادة بما جنوه من أموال وثروات نظـير قيامهم بإجـراء عمليات الخياطة وزرع غشـاء البكارة.
 

حتى المأكولات المصرية والمشروبات والتبغ البلدي (المعسّـل) الذي يجري تدخينه بالجوزة والنارجيلة إستوردناها بالطائرة مباشرة . فكان أن إستفحلت لدينا أمراض أهلكت الحرث والنسل ؛ ليس أقلها الفشل الكلوي وتلف الحنجرة والرئة وتشوهات الأجنة.

وبعد عام 1975م إتصلنا (نحن الفقراء) ببعض الشعوب العربية الغنية . فكان أن إستوردنا منها قشور الصرف البذخي الذي قد يتلاءم مع ثرواتهم ورفاهيتهم ، لكنه لا يناسب مداخيلنا . لا بل وارتفع سقف الطموحات وتكاليف الحياة والزواج وأسعار الأراضي في بلادنا الشاسعة الأرجاء دون مبرر . ثم تركنا الزراعة وحفرنا الأرض بأيدينا وأقدامنا سعياً وراء أن نصبح دولة بترولية ثرية .  فكان ما كان من مغبات فساد وسرقات وإستنزاف للثروة وحروب يعرفها الجميع ...
 
 
والأطرف من كل هذا وذاك أننا أصبحنا مولعين بلوحات السيارات ذات الأرقام الصغيرة ، وأرقام الهواتف الحلوة .. وزواج المسيار ..  وفي محصلة أخرى بتنا نرى الإناث والذكور مشغولين بتبييض البشرة وتقشيرها ، وزراعة الشعـر وتمليسه .. كل هذا على الرغم من المفارقة المضحكة التي يتركها هذا الهوس في محاكاة  العرب وتقليدهم الأعمى  . وذلك لسبب بسيط هو أن ملامح وقسمات وجوهنا ورؤوسنا وتشريح أجسادنا لا تشبه العرب والشوام في شيء ... لا بل ومقدماتنا وخصورنا ومؤخراتنا وأفخاذنا وسيقاننا وأقدامنا وحتى خطانا ومشيتنا على الأرض .. وكل جزء فينا يصرخ فينا ويردد بقوة قائلاً للدنيا "أنا أفريقي أنا سوداني".
 
 
وخلال فترة "الحلم النفطي" الذي عبر فوق رؤوسنا وتبخّـر سريعاً ، وتركنا "لقريعتي راحت " مرة أخرى .... خلال ذاك الحلم  النفطي القصير برزت ظاهرة لهفة الفتيات للزواج من البنغال والصينيين على أمل تحسين النسل والإتيان بهجين أصفر مسبسب الشعر ؛ يضاف إلى مكونات الشعب السوداني من واقع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إبـن أخــت القــوم منهــم".
 
 
 
 
وها نحن اليوم وبعد ما تسامع الناس بمعضلة اللاجيء السوري بدأت الأعناق تشرئب . ومقولات "تحسين النسل" تطل برأسها إلى الساحة من جديد لتنادي وتطالب الحكومة السودانية أن تتحول إلى "خاطبة" و "دلاّليّة" عبر فتح الباب على مصراعيه لملايين اللاجئين السوريين وتوطينهم في الشمالية الخالية ، وبعض من أجزاء الجزيرة المروية ، ونهر عطبرة ... ومنحهم الجنسية السودانية أملاً في "تحسين النسل" من جهة .. وأملاً في الإستفادة من المُزارع  والراعي السوري المتطور للمساهمة في النهضة الزراعية وتنمية الثروة الحيوانية . وغير ذلك من منتجات حرفية ومهنية أخرى يشتهر بها المواطن السوري خاصة في مجال التجارة والنسيج. 
 
وربما يكون لهؤلاء بعض الحق في ما يذهبون إليه من مقاصد . وذلك عند المقارنة بين السوري من جهة وبين اللاجيء الأفريقي للسودان من جهة أخرى . وحيث تميل كفة الميزان بالفعل لمصلحة اللاجيء السوري لو تم فتح الباب له على مصراعيه .. فاللاجيء الأفريقي الذي جاء للسودان (ولا يزال يأتي) من شرق وغرب وأدغال أفريقيا ؛ لم يضيف حضارة إيجابية متطورة لنا بقدر ما جلب لنا من مظاهر سلبية وممارسات تتمثل أهمها في تلويث البيئة والدعارة والخمور البلدية ، والسحر الأسود والشعوذة ، والأوبئة الحاصدة والأمراض المعدية ، وقطع الطرق والسلب والنهب المسلح .


أما اللاجيء السوري فهو على كل حال سيضيف جديداً ، فهو يأتي من مناطق أكثر تطوراً وتحضراً من شرق وغرب وأدغال أفريقيا ؛ وسيساهم في تحسين النسل لو تم التزاوج (في الإتجاهين) بينه وبين السوداني ، وسينتج لنا هجين جديد "يُعجب الزُرّاع" . وحتماً سيساهم في دفع عجلة الإنتاج والتطور والتنمية ؛ ويشبع غرور وتطلعات بعض القوميين العرب السودانيين ممن يلهثون خلف تمكــين ملموس للهوية العربية في السودان .... السودان الذي يعاني التأرجُـح  إن لم يكن الضياع ؛ ولا يبدو إلى هذه اللحظة منتمياً إلى هؤلاء ولا  محسوباً على أولئك.