الاثنين، 18 مايو 2015

أهرامات آثار مملكة مروي السودانية

أهرامات  آثار مملكة مروي السودانية

 مصعب المشرّف

18مايو 2015م

وزعت وكالة رويتر مؤخراً تقريراً مصوراً عن آثار مملكة مروي ؛ التي شهدت بناء العديد من الأهرامات السودانية خلال الفترة ما بين عامي 720ق.م و 300ق.م .

 

تولى مهمة التصوير وإعداد التقرير "إيريك لافيرغيو" . وقد تحدث التقرير واصفا مدينة مروي بأنها المدينة المفقودة وسط الرمال.

 

تقع مدينة مروي الأثرية اليوم على الضفة الشرقية لنهر النيل . وتبعد عن العاصمة الخرطوم مسافة 200 كيلومتر.

حتى اليوم بلغ عدد الأهرامات التي تم اكتشافها 200 هرم .. ولايزال العدد مرشح للإزدياد .
 

 تتميز أهرامات حضارة مروي السودانية عامة بقمتها المدببة ، وبتصميمها بزاوية شديدة الإنحدار من الأعلى إلى الأسفل .. وكذلك بصغر حجمها ، حيث يتراوح إرتفاعها في المتوسط ما بين 20 قدم إلى 100 قدم عن سطح الأرض.

 

 كذلك توجد أهرامات أخرى أكبر حجماً (نادرة التصميم) . حيث  تتميز بأن قمتها مسطحة وتشتمل على رسومات إبداعية سجلت على جدرانها توثيقاً للحضارات المعاصرة لها في تلك الفترة . وبما يدل على المدى الذي كان عليه التواصل ما بين حضارة مروي ومثيلاتها في النوبة المصرية ؛ وروما وأثينا.

 

ويبدو أن طبيعة المنطقة لجهة المناخ الممطر والتضاريس قد أسهمت بشكل جذري في إختيار هذه التصميمات المتفردة للأهرامات السودانية ...

 

ويجدر الذكر أن الإسم الرسمي للموقع هو "جزيرة مروي" . وذلك إشارة إلى أنه كان في الماضي عبارة عن جزيرة وسط نهر النيل ؛ قبل أن ينحسر النهر طوال مئات السنوات المتعاقبة نحو الغرب . وتجف المنطقة التي بات يهددها التصحر.

 

 ومن جهة أخرى فقد تفوقت أهرامات مروي من حيث كثرة عددها على غيرها في مصر والمكسيك وبعض دول أمريكا اللاتينية.

 

 موقع اليونسكو الألكتروني على الشبكة العنكبوتية ؛ وصف موقع آثار جزيرة مروي بأنه "قلب أرض مملكة كوش السودانية" .. هذه المملكة القوية اعلى النهر ؛ الواسعة النفوذ خلال الفترة من القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الرابع الميلادي.

 

ويشتمل الموقع على القصور الملكية لملوك كوش في مروي . وبجواره موقع النجعة والمصورات المخصصة لممارسة الشعائر (الدينية) الوثنية  التي سادت خلال تلك الحقبة التاريخية.

 

 ذهب السيد/ إيريك لافيرغيو إلى الخرطوم حيث أجرى لقاءاً مع بعض الرسميين في مجال الآثار السودانية .... كان من بينهم السيد/عبد الرحمن عمر ؛ رئيس المتحف القومي في الخرطوم . الذي نسب إليه قوله : "أنه في القرن التاسع عشر . فإن بعض لصوص وعلماء الآثار المغامرين قد سطوا على الكثير من المدافن ومزقوا أطراف هذه الأهرامات الذهبية . ودمروا جزءاً منها بحثاً عن الآثار والذهب والمجوهرات".

ونشير هنا إلى أن تلك الفترة الزمنية التي أشار إليها السيد عبد الرحمن ؛ إنما كانت تتعلق بفترة الإحتلال الخديوي المصري للأراضي السودانية ما بين عامي 1821م و 1885م .. وحيث تؤكد بعض الكتب التاريخية بالفعل تورط العديد من حكام السودان "الباشوات" ، وقادة جيوش الخديوية المصرية خلال تلك الفترة في تجارة وتسهيل تهريب الآثارالسودانية التي جعلت من بعضهم مليونيرات في بلادهم لاحقاً.
 

 وعن تأسيس صناعة السياحة في السودان . أشار السيد/ عبد الرحمن عمر إلى أن دولة قطر قد خصصت للسودان مبلغ 135 مليون دولار ، لدعم هذه الصناعة وتجديد وحماية الآثار السودانية .... وبرغم ذلك فلايزيد عدد السياح للسودان عن 15,000 سائح في العام.

 ويذهب المصور المحترف "ايريك لافيرغيو" ‘لى الظن بأن صناعة السياحة في السودان قد تعرضت في الفترة الأخيرة إلى الدمار بسبب العقوبات المفروضة عليه جراء الصراع بين الحكومة ومليشيات مسلحة في إقليم دارفور.

 

وربما كان لافيرغيو يعني بذلك توقف التمويل والدعم المالي المبذول للحفاظ على الآثار السودانية  المكتشفة ؛ والتنقيب عن المزيد منها من جانب المنظمات العالمية وعلى رأسها اليونسكو. 

إذن يبقى الواقع الأكثر إيلاماً هو أنها اليوم قد أمست آثاراً قابعة في وسط الرمال دون سـواح . وحيث لا يتجاوز عدد السياح الذين يزورون السودان طوال العام (في المتوسط) عن 15,000 سائح.

إن الأثر الأكثر تحكماً في قلة عدد السياح لموقع أهرامات وآثار مروي ؛ يظل من وجهة نظري هو أنها اليوم وسط صحراء شاسعة قاحلة ... وأن المسافة بعيدة بينها  وبين العاصمة الحالية الخرطوم التي تتوفر فيها وحدها كافة الوسائل والإمكانات اللازمة لإستقبال وإستضافة أفواج سياحية أوروبية أو شرق آسيوية وعربية بترولية..

ولكن لا يزال السفر والوصول إلى موقع آثار حضارة مملكة مروي من الخرطوم شاقاً ومحفوف بالمخاطر والمصاعب ... والأمر يحتاج إذن إلى الدفع بمزيد من الإستثمارات لتعبيد الطرق وتأمينها وتوفير كافة متطلبات رحلة ألـ 200 كيلومتر من الخرطوم إلى مروي القديمة وبالعكس ؛ وغير ذلك من متطلبات صناعة السياحة كالإستراحات المزودة بالكافتريات و، سيارات الإسعاف ، ومحطات للتزود بالوقود .. وفنادق وشاليهات فاخرة وشعبية متفاوتة الأسعار .... إلخ . فقطاع السياحة اليوم أصبح "صناعة".... ولم يعد الحصول على دعم وإطراء اليونسكو وحده كافياً.

كذلك يظل المطلب بأن تتولى الحكومة وحدها مهمة "الشركة السياحية" .. و "المرشد السياحي" .. تظل مثل هذه الأفكار عقيمة وقد عفا عليها الزمن .... فالسياحة اليوم يجب أن يترك أمرها إلى الشركات الخاصة . ويقتصر الدور الحكومي على تهيئة البنى التحتية وتوفير الأمن والحماية . ثم الإكتفاء بجني الرسوم السياحية فقط كمدخول من مداخل السياحة التي ترفد الخزينة العامة . فضلاً عن العملات الصعبة التي تدخل البلاد عبر القنوات الرسمية وليس إلى جيوب السماسرة.
وبنحو عام .. نؤكد أنه لو "صدقت النوايا" . فمن السهل دائماً بناء الأوطان.

كذلك لاحظنا في فترة من الفترات .. وربما لا يزال حتى تاريخه ... لاحظنا هجوماً إعلامياً غير مبرر على الدعم القطري لمجال السياحة في السودان والتشكيك في طبيعته وأهدافه .. كل هذا رغم أن قطر ليست في وارد إستراتيجيتها إدارة صراع حضاري مع السودان للهيمنة عليه أو لهضم حقوقه والسطور على أراضيه .. ولا توجد أسباب وأسس لتوجسات في هذا الجانب .. فلا نحن جيرانها حتى تتوسع على حسابنا ؛ ولا يجمع بيننا نهر خالد أو أراضي ومدن متنازع عليها .

إذن لانستبعد هنا أن مثل هذه الأقلام (السودانية وغيرها) ؛ التي تحاول أن تثير الشكوك في كل عون يأتي لنا من الخارج لمصلحة توثيق تاريخ البلاد وحماية آثارنا .. لانستبعد أن تكون هذه الأقلام مأجورة لمصلحة جهات أجنبية ؛ هدفها طمس ووأد كل مسعى حقيقي جــاد لتكريس هوية سودانية مستقلة بذاتها متجذرة في عمق تاريخ البلاد.

ويبقى الملفت للإنتباه ؛ أن بعض المواقع الألكترونية المصرية قد سارعت إلى تلقف محتوى تقرير المصور لافيرغيو المشار إليه لتعزيز مزاعم البعض هناك بأن السودان أرض تابعة للأملاك المصرية....... وأقدمت على إقحام بعض التحريفات على هذا التقرير  ليس أقلها الزعم بأن هذه الأهرامات التي يشملها موقع مروي إنما هي آثار مصرية تولى فراعنة مصر تشييدها داخل السودان ؛ وبما يكرس لمفهوم ونظرية أن الأراضي السودانية تابعة لمصر .
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هذا المجال هو :
طالما كان الهدف من بناء الأهرامات هو دفن الملوك داخلها وتخليدهم (حيث لاخلود في هذه الحياة) .. فلماذا تتكبد جثامين فراعنة مصر وأهلهم مشاق السفر في رحلة محفوفة بالمخاطر ؛ تدوم شهوراً كي تدفن بعيداً عن موطنها الأصلي؟

من جهة أخرى فإن مثل هذا الزعم ينفي وينسف تماماً من جهة أخرى إتهام كتاب التاريخ المصري القديم للقبائل السودانية بأنها كانت تهاجم جنوب مصر للنهب والسلب .. فكيف تقدم مصر الفرعونية القديمة على دفن بعض ملوكها مصحوبين بالذهب والحلي والحلل في عمق أراضي هذه القبائل على بعد ألاف الكيلومترات . وهي التي تشكو من النهب والسلب داخل أطراف حدودها الجنوبية مع السودان على بعد خطوات من أسوان؟
كيف يستقيم هنا أن تعطي مصر للقط مفتاح الكرار؟

وطالما أن الحديث بالحديث يذكر ؛ فإن الذي أنبه إليه هنا هو تلك "السذاجة" الزائدة عن الحد لدى بعض كتابنا ومؤرخينا في هذا الزمان خاصة .... فقد سارع هؤلاء البلهاء إلى تلقف مصطلح "الفراعنة السود" . وأصبحوا يتداولونه في التوثيق والإشارة والحديث عن ملوك السودان القديم خاصة "ملوك نبتة" و "ملوك مروي".

واقع الأمر ؛ فإن التسليم بمثل هكذا مصطلحات ومسميات لا لشيء سوى أنها صادرة من صحفيين وعلماءآثار أجانب .. يظل التسليم بمثل هذا بمثابة "تكريس" لمزاعم مجحفة بأن كل من حضارتي نبتة من جهة ومروي من جهة أخرى إنما كانتا جزءاً من الحضارة الفرعونية المصرية القديمة.

الذي ينبغي التركيز عليه هنا إذن ؛ هو ضرورة أن تظل التسمية الحقيقية الرسمية المتداولة لهؤلاء السودانيين هي أنهم "ملـوك" وليسوا "فراعنة".

تسمية "فراعنة" مرتبطة فقط بالإشارة إلى ملوك وحكام مصر .. ونراها لاتزال حتى يومنا هذا تنداح في وصف حكامهم...... وبمثلما جرى الإصطلاح على ملوك فارس بالأكاسرة . والروم بالقياصرة.

في السودان كان ولا يزال المصطلح والتسمية المتداولة هي "ملك" و "كنداكة" و"مك" و "سلطان"  و "شيخ" و "ناظر" و "رئيس" و "خليفة"....... ولا نزال حتى اليوم نتداول هذه المسميات والمصطلحات في وصف حكامنا وولاة أمورنا في المركز والمحليات والقبليات. وبما يدل على أنها المسميات الوحيدة التي توارثناها عبر الأجيال في بلادنا منذ الأزل. 

ويظل الهدف هنا دائما ليس الإثارة ؛ بقدر ما هو أن يأخذ كل ذي حقه دون تطفيف... ولانسمح أن يبخسنا الناس أشياءنا.