الثلاثاء، 17 فبراير 2015

داعـــش والأقبــــــاط

داعـــش والأقبــــــاط

مصعب المشرّف
17 فبراير 2015م

بعد الضربة الجوية التي وجهها الطيران المصري لبعض الأهداف التابعة لتنظيم داعش في المنطقة الشرقية من ليبيا ؛ رداً على إعدام داعش لعدد 21 مصري قبطي من المدنيين العاملين هناك . فإن التخوف الآن قد تنامى لإحتمالات بأن تتجـه داعش إلى الرد بأسلوب إنتقامي أعنف يمضي في نفس الإتجاه . ألا وهو أسر وذبح المزيد من أبناء الأقباط المصريين المغتربين في ليبيا ...

وبالفعل تشير الأنباء من داخل ليبيا أن داعش قد أسرت العشرات من الأقباط المصريين .. وأنها ربما تعلن قريباً عن عزمها ذبح 35 أسير منهم.
يبدو إذن أن داعش ليبيا ترغب اليوم في إحراج النظام المصري القائم على أنقاض الإخوان المسلمين .... ترغب في إحراجه أمام العالم الغربي بوصفه غير قادر على حماية الأقليات .. ثم وإحراجه أمام الرأي العام الداخلي بوصفه غير قادر على حماية مواطنيه ...

والذي رشح مؤخراً أن تنظيم داعش بات يسيطر على  مدن طبرق ، درنة ، بني غازي ، سرت في ليبيا .... وأن كل شيء هناك يتحول شيئاً فشيئاً إلى صورة طبق الأصل من الرقة السورية والموصل العراقية.


واضح اليوم أن المسألة قد بدأت تأخذ بعداً إقليميا واسع الأرجاء . لسبب أن هذا التنظيم (داعش) يتكون من عدة جنسيات ؛ جاءت من مختلف أنحاء الكرة الأرضية .. وأن الأسلوب "العربي" يتلاشى ويختفي تماما يوما بعد يوم في تكتيك وتكنيك داعش ... ثم أنهم أفلحوا إلى حد كبير في إثارة الرعب . وبات كل إنسان في المنطقة خاصة والغرب عامة يتخوف من لحظة أن يستيقظ يوماً فيجدهم واقفين على رأسه.

شفاعة الأقوال بالأفعال عند التهديد والوعيد .. ثم الأسلوب العنيف المبالغ فيه الذي تنتهجه داعش في إعدام أسراها قد يكون غريبا على المنطقة وأهلها .. ويختلف عن الأسلوب الإرهابي الكلاسيكي الذي كانت تتبعه تنظيمات وجماعات التكفير والهجرة والجهاد والإخوان المصرية والعربية المحضة.
داعشي أسترالي يمارس الذبح

ولكن لو جرى التمعن أكثر فإنّ هذه الأساليب المستجدة الراهنة في ممارسة العنف والإرهاب ؛ نكتشف أنها أتت مكتسبة من تلك التي إتبعها الإتحاد السوفيتي ضد المجاهدين والثوار المسلمين في أفغانستان والشيشان .. وكذلك تلك التي إتبعها الصرب تجاه المسلمين من أبناء البوسنة والهرسك وعموم البلقان ؛ وغيرهم من أقليات مسلمة في كميبوديا والصين والفلبين وميانمار ... وكذلك في تنجانيقا ورواندا ونيجيريا.
السيسي وكاترين أشتون (صورة أرشفية) في القاهرة

واليوم حين يتجه الرئيس السيسي للغرب طالباً المساعدة بتحالف دولي ضد الإرهاب في المنطقة .. فإن الذي سيقف حجر عثرة في طريق تنفيذ هذا المطلب على النحو الجاد المرجو ؛ سيكون حتماً ذلك الموقف الذي سبق وأن اتخذته حكومة إنقلاب السيسي العسكري (أو الثورة سَمِّها ما شئت) في مواجهة وفود كل من الإتحاد الأوروبي بقيادة اشتون ، والكونغرس الأمريكي بقيادة الجمهوري ماكين ، والتي زارت القاهرة قبل فض إعتصام رابعة العدوية  .. وحذر قادة هذه الوفود صراحة من فداحة الثمن الذي يمكن أن تدفعه مصر والمنطقة لاحقاً إذا لم يتم التوصل إلى حل ديمقراطي بعيداً عن إستخدام العنف ضد الإخوان المسلمين.

السيسي والسيناتور الأمريكي جون ماكين (صورة أرشيفية) في القاهرة 

إذن فإن المتوفع أن يذكّـر هؤلاء الرئيس السيسي بما نصحوه به سابقا .. ويرمون الكرة في ملعبه.... ولن يكون من سبيل لحكومات المنطقة سوى مواجهة الواقع بمفردها وبذل قصارى جهدها الذاتي لصد هذه الموجة العاتية من هذا الإرهاب النوعي الجديد.

من جهة أخرى فإن التدابير التي ينتظر السيسي أن يتخذها الغرب للدخول في تحالف ضد داعش وغيرهم من تنظيمات إسلامية . سيقابلها على الأرجح معارضة أوروبية عنيفة ، لاتزال تؤمن بأن الإبتعاد عن التدخل مباشرة في مشاكل المنطقة يمنحها ضمانات معقولة تحصنها من تنامي الإرهاب داخل أراضيها . وذلك بالنظر اليوم أن معظم تشكيلات هذا الإرهاب إنما يرفدها المواطن الأوروبي نفسه ؛ سواء من الذين ينحدرون من أصول إسلامية أو بيض تحولوا قبل فترة زمنية قصيرة إلى الإسلام... وجاءوا ينشدون قرب مهابط الوحي إعادة  الخلافة الراشدة ؛ ومعاصرة نزول المسيح المنتظر.

ولكن ؛ هل من حلول ممكنة وسط كل هذا الركام والدخان الأسود؟
بالطبع توجد حلول ليس أقلها الآتي:
1)  الوصول إلى حلول وسط بشأن مشاركة كافة القوى السياسية بمن فيهم الإخوان المسلمين في الحكم ، طالما أن معظم الحكومات القائمة تعترف ضمنا (في توجهها للغرب) بعدم قدرتها على إيجاد حلول عسكرية وأمنية ناجذة لتصفية الإرهاب.

2)  إعادة بناء الجيوش العربية على قواعد تدريب علمية ، وقناعات وطنية رحبة بعيداً عن القبلية والعشائرية والأعمال التجارية ؛ بحيث تغرس في أفرادها ووحداتها الروح والعقيدة القتالية ، والقابلية لبذل الدماء والتضحيات في سبيل الوطن وترابه..... وأن البزة العسكرية ليست بغرض التشريفات فحسب.


3)  إصلاح الإدارة المدنية للدولة . وإعادة الخدمة المدنية إلى سابق عهدها من الإحترام ، والقضاء قدر الإمكان على تفشي ظاهرة الإهمال والرشوة وسرقة المال العام والفساد المستشري فيها بنحو عام.