الجمعة، 27 سبتمبر 2013

إتهام الجبهة الثورية بالتورط في إحتجاجات رفع الدعم


إتهام الجبهة الثورية بالتورط في إحتجاجات رفع الدعم

 مصعب المشـرّف:

 


تاريخ الثورات والإنتفاضات السودانية الشعبية التي اسقطت أنظمة حكم وطنية قائمة في أكتوبر 64 و أبريل 85  ، نلحظ أنها بدأت شرارة قبل أن تستعر نيراها وتستحيل على النظام الحاكم جحيم. وبما يؤكد أن معظم النار لدينا من مستصغر الشرر.
 
 
البعض الذي يضع يده على قلبه خوفا من فرضية فوضى حقيقية تعم السودان في حالة إسقاط النظام بالقوة .... يسترجع هذا البعض أن نظام جعفر النميري قد إنهار بسبب إستفزاز نميري الشعب وسخريته منهم لمجرد أنهم إشتكوا من إنعدام بعض المواد التموينية ومنها سلعة الأرز . وقال في معرض إستفزازه :
-         أكلوا الكسرة واللوبة والويكة والشرموط .. دايرين باللحمة والرز شنو ؟ رز في عينكم.

ثم غادر البلاد وسافر إلى الولايات المتحدة فكانت سفرة بلا عودة للسلطة.


... ويقارن هؤلاء بين ذاك اليوم الذي استفز وسخر فيه نميري من شعبه ؛ وهذه الأيام التي إستفز فيها عمر البشير شعبه حين قال لهم أنه علمهم أكل الهوت دوغ .. وكال لهم وزير المالية الحالي بمكياله هو الآخر حين ذكرهم بأنهم لم يأكلوا البيتزا إلا في عهد هذا النظام الحاكم ..... ولا أدري ماذا كان سيكون حال وزير المالية لو كان النظام الحاكم قد أفلح في إستجلاب وفتح محلات بيتزا هت (pizza Hut)  الأمريكية في السودان ؟ لاشك أنه كان سيترك الوزارة ويطير فرحاً ويقرض في البيتزا شِعراً..... ولكن ماذا نقول ؟ إنها افريقيا المجاعات والضنك والحرمان والتخـلف المقيم.
'
في مدينة مدني خرج والي الجزيرة يتحدث "رسمياً" عن تورط الجبهة الثورية في الإحتجاجات ، وأحداث الشغب التي أعقبت إعلان رفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع.

وفي العاصمة إلتقط البعض حديث الوالي في مدني ؛ فأعلنت الخرطوم هي الأخرى عن تورط للجبهة الثورية في إثارة الإحتجاجات الجماهيرية وأحداث الشغب.

خطورة مثل هذه الإتهامات ليست بالسهلة التي يمكن تمريرها أو إبتلاعها من جانب الأغلبية الصامتة التي يمثلها المواطن العادي ؛ سواء القابع في بيته واضعا اليد على الخد أو ذلك الذي يواظب على الذهاب إلى مقر عمله ودراسته دون المشاركة في الإحتجات علناً أو إحداث شغب .. هذه الإغلبية الصامتة لايجب التعويل على صمتها الذي يسبق العاصفة أحياناً .. فهي كما عودتنا خلال الثورات الشعبية تنتظر دورها في المشاركة على مهل وعند بلوغ السيل الزبـى. فتصبح بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير.

الإتهامات الموجهة إلى الجبهة الثورية إن لم تكن حقيقية فهي خطرة لأنها تقدح في مصداقية الحكومة من جهة ؛ وجدوى التنازلات التي قدمتها الخرطوم من جهة أخرى في سبيل للوصول إلى توافق مع حكومة جوبا مؤخراً .
 
وبمعنى أوضح فإن هذه الإتهامات التي تم توجيهها للجبهة الثورية (إن صدقت) تكمن في أنها مؤشر مبدئي لعودة جوبا مجدداً إلى حشر أنفها الأفطس في شئون السودان الداخلية بهدف التخريب ، وإضعاف حكومة المؤتمر الوطني وتحويل السودان إلى دولة فاشلة لاتستطيع الدفاع عن أراضيها والحفاظ على مصالح شعبها . وعلى النحو الذي ينذر بمقدمة لنجاح مساعي جوبا الحثيثة لإختطاف أبيي وإبتلاعها لقمة سائغة بلا تعب ولا نصب .

الجبهة الثورية لاتمتلك أموالاً لنفسها ، وليس لديها موارد . وقاعدتها الشعبية فقيرة مشردة في مخيمات اللجوء الأفريقي الأفلس على وجه الأرض ، والأشد جوعاً من كـديس الفكي.

وطالما كان الأمر كذلك فإن تبعات هذا الإتهام لابد أن تتحملها الحكومة المركزية في الخرطوم؛ التي لم تجف الأحبار التي وقعت بها على أوراق بإتفاقيات تحسين العلاقة مع جوبا والتمهيد لفاجعة منح مواطن دولة جنوب السودان الحريات الأربع . وبما يعنيه ذلك من عواقب وخيمة على الأمن القومي السوداني ، وعلى ميزانية الخدمات وفواتير الإستيراد . وعلى ندرة السلع والمواد التموينية التي حتما سيجففها الجنوبي النهم الأكول مفتوح الشهية على طريقة ياجوج وماجوج . وكعهدنا به دائما في إتكاليته علينا لجهة الغذاء والعلاج والدواء والنظافة . وعموم صيانة مظاهر الصحة العامة التي يعيث فيها فساداً وما يتبعها من تراكم المخلفات والأوساخ التي يتسبب بها في شوارعنا السكنية والتجارية .

إن منح الجنوبي الحريات الأربع لايمكن تبريره على نحو "عقلاني" .. اللهم إلا إذا أخذناه دليلاً ومؤشراً على عته وسفه المفاوض السوداني . وعدم موهبته في حسن الإدارة العامة وتلمس المخاطر التي تحيط بإتخاذ مثل هكذا قرار يؤثر سلباً على الأمن القومي السوداني عامة . بل وعلى فرص حزب المؤتمر الوطني بالإستمرار على سدة الحكم خاصة... وحيث لا يجب أن يظن قادة هذا الحزب الحاكم أنهم وحزبهم سيكونون في منآى ومأمن من سلبيات عودة الجنوبي إلى الشمال مدنيا كان أو عسكريا تحت ملابس مدنية.
 
إن توجيه الإتهام بتورط الجبهة الثورية مباشرة في إثارة إحتجاجات رفع الدعم وأحداث الشغب الأخيرة يعني إذن العودة آلياً إلى فترة أحداث أم روابة وأب كرشولا ؛ التي ما كانت الجبهة الثورية لتنجح في القيام بها لولا الدعم الذي وفرته لها دولة جنوب السودان.

ومن جهة أخرى فلا يحاول أحد إطلاق نظرية المؤامرة بإتهام إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الصليبية العالمية والمحافظين الجدد بأن لهم يد في الأحداث الجارية . فهؤلاء وإن كانوا يضمرون العداء لحزب المؤتمر الوطني الحاكم لأسباب تتعلق برفعه شعارات إسلامية أصولية ورعاية الإرهاب ..... إلا أن إزاحة هذا النظام جديا ونهائيا من على سدة الحكم لم يحن وقتها بعد بالنسبة إليهم .... بل على العكس من كل ذلك ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل في إستمرار مسيرة هذا النظام كي تواصلان جني ثمار عزلته الإقليمية والدولية . وإبتزاز قيادته الممثلة في الرئيس البشير عبر التهديد داخل الغرف المغلقة بتفعيل بعض مواد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على مشروعية إستخدام القوة للقبض عليه ، وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية بشأن إتهامات صادرة في حقه بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية . وحيث يمكن للولايات المتحدة وغيرها من الدول العظمى ؛ بل وحتى الدول غير الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة إستخدام القوة لتنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية ؛ بغض النظر عما إذا كانت أو لم تكن من بين الدول الموقعة على قانون إنشاء هذه المحكمة الدائمة. والتي لا تنقضي بالتقادم الجرائم المرتكبة الخاضعة لأحكامها ودعاويها أو تنفيذ قراراتها .

وحين نشير إلى هذه الثمار فإنما نعني بالمباشرة منها تلك المتمثلة في حصول دولة جنوب السودان على أقصى ما ترغب وتشتهي من الخرطوم بوصفها حليف إستراتيجي لإسرائيل في وادي النيل .. ثم والإطمئنان إلى تقسيم السودان الحالي بفصل دارفور والنيل الأزرق والشرق بحيث تتلاشى قدرات وعلاقات مصر في هذا السودان المفتت . وما يعنيه ذلك من فقدانها نهائيا لورقة السيطرة على حصة الأسد التي كان يضمنها ويصونها لها السودان "العربي" الموحد في مياه النيل ......
 
 من السخرية بمكان أن يسعى نظام السيسي حثيثا لدعم الحركة الشعبية قطاع الشمال نكاية في الإخوان المسلمين السودان . ودون أن يدري هذا النظام المستجد على الساحة أنه بذلك يطبظ عينه بأصبعه ... وإنه إذا نجح الصهاينة في تفتيت السودان لأجل ضمان توصيل ماء النيل إلى صحراء النقب . فإن مصر لن تستطيع وقتها سوى الوقوف موقف المتفرج ... وربما يسمحون لها ببعض اللطم على الخدود وشق الجيوب ، والردح على إيقاع القرع فوق ماء الطشت ، والبكاء على اللبن المسكوب .. وإلى غير رجعة.