الخميس، 31 ديسمبر 2015

عيد الإستقلال الحزين

عيد الإستقلال الحزين

مصعب المشرّف
30 ديسمبر2015م


من المؤسف أن كل عام جديد يضاف إلى ذكرى عيد الإستقلال (ا يناير)؛ يظل يشكل مصدراً للحزن والأسى على تدهور حال الوطن . وتدني معيشة المواطن وفقدانه للعديد من جوانب حقوقه المدنية.

ومن سخرية الأقدار أن يأتي عام 2016م بالذكرى ألـ (60) لعيد الإستقلال الحزين ؛ والسودان قد أصبحت أراضيه نهباً للغزاة والمحتلين من جديد.

في أقصى الشمال لايدري الشعب السوداني بمساحة الأراضي التي دخلت في حيازة الجارة مصر على طول ضفاف بحيرة السد العالي ؛  والتي يفترض أن السودان يمتلك منها 130 كيلومتر طولية أو يزيـد من الجنوب إلى الشمال .

وفي أقصى الشمال الشرقي إحتلت مصر بالعنوة أراضي كل من حلايب وشلاتين السودانية. وأعلنتها أراضي مصرية ضمن حدودها السياسية وسلطاتها السيادية. بعد أن طردت منها كل ما يمت لمظاهر السلطة والإدارة السودانية شـرَّ طـردة.

عصابات الشفتا البدائية التدريب والتسليح  .. هل يعقل أنها تصعب إبادتها بواسطة قواتنا المسلحة ؟

وفي شرق السودان تحتل عصابات الشيفتا الأثيوبية ملايين الأفدنة من الأراضي السودانية الخصبة في منطقة الفشقة . وتحرث كل ما يزرعه الله عز وجل فيها من منتوجات زراعية لمصلحة أثيوبيا .. والحكومة لدينا صامتة صمت البوم ...
ولا نشك مطلقاً في أن هناك تواطؤ محلي ... وأن للبعض من ذوي النفوذ مصالح شخصية ، وعمولات يقبضونها من عصابات الشفتة مقابل هذا الصمت المريب . وإلا فإنه يكفي إلقاء دستة فقط من البراميل المتفجرة لحسم تواجد عصابات الشفتة وإدارتها لتلك الأراضي الزراعية إلى الأبـد.
وربما لو عمدت الحكومة المركزية إلى إتباع إستراتيحية عمادها إجراء تنقلات فجائية فصلية سريعة في المناصب الإدارية الرسمية ... لربما أدى ذلك إلى القضاء على ظاهرة الشيفتا الأثيوبية تماماً.

والخلاف على سودانية أرض أبيي يراوح مكانه .. وتصريحات وإعلانات الحكومة السودانية مؤخراً بإجراء تعيينات وتنقلات إدارية في منطقة أبيي لا تعدو عن كونها مجرد محاولة لذر الرماد في العيون . خاصة إذا علمنا أن معظم هذه الكوادر التي أعلن عن تعيينها إنما هي في واقع الأمر تقيم في الخرطوم. وبعضها لم  تطـأ أقدامه أرض أبيي طوال حياته.

وعن الأوضاع المعيشية للشعب فحدث ولا حرج ....
ويبدو أن الإستراتيجية التي توافقت عليها الحكومة اليوم إنما تنبني على الكذب الصريح ، ومحاولة الضحك على الدقون.

في بيان وزير المالية عن الموازنة الجديدة للعام 2016م . ذكر الوزير أن معدل دخل الفرد قد إرتفع إلى أكثر من 2000 دولار ... وهو رقم مضلل لا يأخذ في الإعتبار عدالة توزيع الدخل القومي بين أفراد الشعب . لأنه يجمع دخل الفقراء والأغنياء في سلة واحدة ؛ ويقسمهم على عدد السكان دون الأخذ في الإعتبار أن بعضهم يتمتع بدخل يفوق عشر ملايين دولار . ون بعضهم يكابد الحياة بدخل لا يتجاوز 50 دولار .. وآخرون هم الأغلبية الساحقة لايحصلون على دولار أو نصف دولار.

وفي المؤتمر الصحفي نفسه تحدث وزير المالية بقوة عن التحصيل الألكتروني . ونفى نجنيب مداخيل أنبوب النفط .. وأكد على أن التحصيل الألكتروني ماضٍ بقوة ليشمل كافة نوافذ موارد الدولة من ضرائب ورسوم وغرامات ... إلخ ..... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :
ماذا عن مداخل وجبايات الزكاة التي تصل إلى أرقام فلكية؟
ولماذا لا يتم إدخال هذه الأموال ضمن الأموال العامة للدولة حتى يجري صرفها وإنفاقها في مصادرها الشرعية من واقع بيانات ومستندات وأذونات صرف حكومية قابلة لإطلاع وتدقيق المراجع العام . بدلاً من أن تظل نهباً لأمانات الحزب الحاكم ؛ وشراء الولاءات والذمم ، وتمويل جماعات إرهابية خارج السودان ، وحكراً لبضعة أفراد من مدراء وكبار موظفي هيئة الزكاة ؟

وبعودة سريعة إلى زمن الرسول صلى الله عليه  وسلم والخلافة الراشدة ؛ فإن حصيلة الزكاة وإن كانت منفصلة لجهة قنوات الصرف وفق ما حدده الله عز وجل في محكم تنزيله . إلاّ أنها لم تكن منفصلة عن بنود حسابات بيت مال المسلمين الخاضع لرقابة الدولة . 
ولكن من الواضح أنه هناك مصالح للبعض في أن تظل حصيلة الزكاة من جهة ، ومصارف الزكاة من جهة أخرى سـراً من الأسرار العليا.

ومن جانب آخر يأتي إحتفال الذكرى ألـ (60) على إستقلال البلاد وقد تبدى للناس المدى الذي أفصحت عنه مناقشات الحوار الوطني من أن الهمّ الأكبر لدى أطرافه إنما يتوقف فقط عند قسمة الثروة والسلطة لا غير ... وأن كل مصلحة عليا للبلاد تأتي بعد ذلك على أقل من المهل والإهمال حتى لو كان ذلك بحجم وخطورة إحتلال أجزاء من أراضيه وضمها رسمياً لدول أخرى مجاورة بالقوة العسكرية والمسلحة.


ثم وأخيراً  في عيد أستقلالنا الحزين رقم (60) نأبى سوى "إدمان الكذب" بترديد نشيد إستقلال السودان ؛ رغم أنه يحتوي على أبيات لا يمكن إبتلاعها بمزاعم أن "أعذب الشعر أكذبه" .. وذلك أن الحقائق التاريخية لايحق لأحد تزويرها بأية حال من الأحوال.
تقول هذه الأبيات الكاذبة المضللة من النشيد:
[كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية
خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية
والنهر يطفح بالضحايا بالدماء القانية
مالان فرسان لنا بل فـرّ جمع الطاغية]

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : أين الصدق والمصداقية في هذه الرواية ؟
الواقع التاريخي الذي لا مراء فيه أن معركة كرري شهدت مقتل 18,000 سوداني خلال ساعتين . ولم تشهد تشتيت كتل الغزاة الباغية ...
وكان عدد القتلى من الجيش البريطاني الغازي 3 ضباط و 24 جندي .
وكان عدد القتلى من الجيش المصري الغازي ضابطان و 27 جندي.
وبعملية حسابية بسيطة لا تحتاج حتى إلى مراجعة كتاب "حساب التلميذ" . فأنه لم يقتل من الجيش المصري البريطاني الغازي سوى (27 + 29) = 56 فقط.

والثابت من الواقع التاريخي أن معركة كرري (2 سبتمبر 1898م) شهدت هزيمة جيش المهدية ، ودخول (جمع الطاغية) بقيادة كتشنر إلى أمدرمان. ثم العبور إلى الخرطوم وإعادة ترميم سراي غوردون باشا . وبداية عهد جديد من الإحتلال للسودان تحت مسمى (الحكم الثنائي البريطاني المصري).

واليوم في عصر الشفافية ، وحرية التعبير وتفشي المعلوماتية ، وبروز أجيال جديدة متعافية خالية من العقد النفسية في مجال مواقع التدوين والصحافة الألكترونية الحرّة ، ومواقع التواصل الإجتماعي ... فقد تصاعدت الإنتقادات والسخرية من هذه الأبيات التي جرى حشرها قسراً . وشكلت كذبة تاريخية كبيرة في النشيد ...
ومن ثم فلا مناص من المطالبة اليوم بحذف هذه الأبيات من هذا النشيد حتى لا نظل نكذب على أنفسنا 60 سنة أخرى عند حلول كل ذكرى سنوية للإستقلال الحزين.