الجمعة، 18 ديسمبر 2015

الحرب الخفية بين القصر والكيزان

الحرب الخفية بين القصر والكيزان

مصعب المشرّف
18 ديسمبر 2015م

ما من أحد إلاّ ولاحظ في الآونة الأخيرة ؛ قبيل وأثناء الفترة الملازمة حاليا لمناشط الحوار الوطني .. لاحظ أن هناك ما يشبه نشر الغسيل الوسخ . ومحاولة "رفع الجلاليب" والكشف عن اللباسات الشربانة والملطعة والمتسخة بين كل من طرفي الحكم الجاري في البلاد ؛ المتمثلان في كيزان حزب المؤتمر الوطني من جهة .. والقصر الجمهوري من جهة أخرى.

وأبلغ ما جرى تسريبه بالأمس القريب كان الكشف عن رفض هيئة أموال الزكاة وإدارة الحج والعمرة "الفاحشتا الثراء" الخضوع للقانون والسماح بدخول المراجع العام إلى قلاعهم الحصينة والتدقيق المحاسبي في دفاترهم وحساباتهم التي لا يعلم من أمرها شيئا سوى الله .. والتي لايظهر منها سوى ذلك الثراء السافر والسيارات الفارهة والقصور الفخيمة التي باتت في حوزة القائمين عليها ومديريها في العاصمة والأقاليم ...

ثم ولم يستيقظ الشعب من هول الخبر ؛ حتى ضربوا رأسه بحجر أكبر . تمثل في تسريب تفاصيل فضيحة جنسية مدوية "نجمها" مدير الحج والعمرة (لمكة والمدينة) في ولاية سنار ولعبت دور البطولة النسائية فيها تلك الفرّاشة المغلوبة على أمرها ...... ولا ندري كم من نجمات أخريات قد سبقنها بقوة في سراديب ودهاليز ؛ وخلف أبواب مكتبه العامر بالنساء على ما يبدو. ..... ليته كان مدير الثقافة والسياحة.

بدأت الحرب الخفية بين الطرفين عقب قرارات الإبعاد اليسير البارد لكل من علي عثمان طة و د.نافع من مفاصل السلطة التنفيذية ومراكز إتخاذ القرار .....


ثم شهدت عودة الرئيس عمر البشير "الهزيلة الإستقبال" من رحلته المثيرة إلى جنوب أفريقيا .... شهد الإستقبال الهزيل المدى الذي ذهب إليه هؤلاء في إستعراض عضلاتهم أمام القصر الجمهوري .. وبما يذكر عمر البشير أنه إذا كان يتباهى ويتبختر أمامهم بالكاكي والنجمات والصقور والسيوف النحاسية والذهبية اللامعة ... فإن جماهير الحزب وقدرات الحشد إنما تظل مخالب صقور الإخوان.


وكنت قد كتبت مقالاً صاحب إنطلاقة الحوار وتعليقا على محاولة الكيزان في المؤتمر الوطني الزج بإسم مطربة الصبحيات الشعبية ندى القلعة لأجل المزايدة على مدى جدية الحوار . وبغرض تحويله إلى ملهاة ومضغة في الألسنة ... ومصدراً من مصادر الإستهزاء والإستخفاف والسخرية ... وتلبيسه بأثواب الهجلبة والشخلعة ...... وبما يحقق في النهاية هدف الكيزان لجهة الحـط من جدوى الحوار الوطني وتسفيه مداولاته بما يؤدي إلى إفشاله ؛ على قناعة منهم أن نجاحه ودخول مقترحاته مرحلة التنفيذ سيعني في البداية والنهاية حرمانهم من نصيب الأسد في كيكة الثروة والسلطة ...... هذه الكيكة التي يظنون أنها ملك لهم وحدهم ؛ ومكافأة لهم على جلبهم للعسكر والتمترس خلفهم طوال رحلة إستمرت منذ عام 1989م.


والقصر الجمهوري من جانبه يبدو أنه لم يكتشف مدى إرتباط على عثمان طه بأعوانه وقبيله داخل حزب المؤتمر الوطني من جهة .... وكذلك أرتباط دكتور نافع بأعوانه وقبيله هو الآخر داخل هذا الحزب من جهة ...
لم يكتشف القصر هذا المدى من الإرتباط إلا مؤخراً ... وحيث أدرك أن هذه العلاقات ظل ينسجها بدهاء كل من طه في معسكره داخل الحزب وكذلك نافع .... نسجاها نسيج العنكبوت العملاق . فجاءت خليطا من المصالح والإرتباطات المالية والتجارية المتشابكة المتينة ؛ على نحو يكاد من المستحيل على الفرد والمجموعة من أنصارهم وأعوانهم داخل الحزب الفكاك منها.

على اية حال فقد لاحظنا كيف تم الكشف قبيل وخلال الفترة التي تواكب الحوار الوطني الجاري عن تقصير أمانات الحزب الوطني . وجاءت هذه الإنتقادات صراحة على لسان الرئيس عمر البشير .... وسمعنا كذلك عن كشف المستور من السرقات والتجاوزات في مفاصل الهيئات والوزارات التي يشغل أتباع عثمان طه ودكتور نافع مراكز القيادة فيها .. ومنها على سبيل المثال هيئة الزكاة والحج والعمرة ... وكذلك تساقطت وإنزاحت وتهاوت العديد من الأحصنة والطوابي من رقعة الشطرنج.

وآخر ما رشح عن إمتدادات هذه الحرب الخفية . هو الحديث عن الميزانية المخصصة للقوات المسلحة . ومقترحات تطالب بتخفيضها . ومسارعة الرئيس عمر البشير إلى التقاطع مع هذه المطالبات والإعلان عن عدم وجود نية بذلك ....

وفي كافة الظروف والأحوال فلا مناص من الإعتراف بأن اليد الطولى في السياسة لدينا إنما تتمتع بها القوات المسلحة وحدها ..... وأن على الكيزان إدراك أنهم لم تعد لهم قواعد صادقة أو كاذبة  ؛  بعد أن خبر الناس تجربتهم الفاشلة في الحكم والإدارة.

لا أتوقع أن يكرر الكيزان حماقة تدبير الحزب الشيوعي إنقلاب هاشم العطا الفاشل في 19 يوليو ..... فيحجزون بذلك مقاعدهم من النحــر بلا أعياد نحــر .

بحسب  ما نخبره عنهم فإن أغلب الظن أنهم سيعملون بمبدأ التقية وينحنون للعاصفة ، ويختارون الإنسحاب بهدوء والجلوس في آخر الصفوف ؛ عل وعسى بنسى الناس حقيقة أنهم إنما كاونا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ....

وستنطلق في الساحة عندئذٍ حرب قذرة سلاحها إفشاء الأسرار ونشر الغسيل الوسخ عبر أكثر من وسيط تستغل فيه الإشاعات ومواقع التواصل ، والصحف الألكترونية المسجلة في الولايات المتحدة وكندا .. وغيرها من واحات حرية الرأي ، وبلدان أكتب وتحدث على كيفك.

وبعد أن فرقت بين الكيزان حلاوة الدنيا والمنافسة على حيازة الغنائم والسبايا وسرقة المال العام .... فإن الفقر والتنحية عن السلطة سيمحصان ما في قلوبهم ..... وتعيد لهم حتما صوابهم وتنسيهم وساوس الشيطان ....
ومن ثم فإن المتوقع بلا جدال أنهم سيسعون جادون إلى إعادة تنظيم صفوفهم كالبنيان المرصوص ؛ قبل العودة إلى الساحة السياسية باساليب وشعارات وفقه إسلامي جديد هو أقرب إلى أفكار الحبر اليهودي المسلم "عبد الله بن سبأ " يستند إلى إستراتيجية الإنكار والتشكيك في الكثير من المسلمات الغيبية على نحو من العصف الذهني بلا أدلة أو أسانيد ؛ بدأنا نسمع "شذرات" منه في محاضرات حسن الترابي مؤخراً .... ونرفض بالتالي ما ذهب إليه البعض من أنه (الترابي) شيخ كبير ينطق بأحاديث خرافة ليضحك بها الناس ؛ ويصالحهم بها على طريقة "سيد اللبن جـا مالو مالي .. صالحني بالفول والتسالي".

المشكلة الكأداء التي سيتركها الكيزان في الساحة السياسية إذا أجبروا على الإنسحاب .. تكمن المشكلة في صعوبة إيجاد بديل براجماتي مثيل من بين الأحزاب التقليدية أو تنظيم الإتحاد الإشتراكي البائد .... ومن غير المتوقع أن ترتمي الحركات المسلحة الرئيسية المؤثرة في أحضان القصر الجمهوري المليء بالعسكر ؛ وبعض الأفندية النعــاج.


ولاشك أن معظمنا قد إستوعب تصريح نجم الختمية والحزب الإتحادي (الخديوي) الأصل الصاعـد ؛ مولانا المحروس "حسن السرور" . والذي إستبق الأحداث وخرج يَهْرِج ويفكر بصوت مسموع ؛ يوحي من خلاله أن لن يرضى لنفسه بأقل من منصب "رئيس الوزراء" عام 2020م .. ودون أن يحدد لمريدي جدّه السيد علي ما إذا كانت هذه الوزارة ستأتيه على إستحياء عبر إنتخابات ليبرالية ... أم  مطبوخة جاهزة على طبق من ذهب يقدمه له العسكر ؟


من جانب آخر .. وعلى الرغم من أن الخلافة لم تحسم بعد في دائرة المهدي .. فليس من المتوقع أن تخرج عن عبد الرحمن خليفة الصادق خليفة الصديق خليفة عبد الرحمن خليفة تورشين خليفة الإمام المهدي رضي الله عنه ......  ولكننا نشـك كثيراً في إمكانية "إستنسـاخ" أمراء الأنصار لزعيم وولي صالح مؤمن بقدرات شعبه وصاحب موهبة في قراءة الأحداث مثل الإمام المهدي.