الجمعة، 23 أكتوبر 2015

دحض مزاعم بأن صيام عاشوراء إقتداء باليهود

دحض مزاعم بأن صيام عاشوراء إقتداء باليهود

مصعب المشرّف
9 محرم 1437 هـ

بداية أشير إلى أن الغرض الأساسي من هذا المقال هو التوضيح و‘زالة شبهات سببها ظن معظم الفقهاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صام يوم العاشر من محرم إقتداء بصوم أحفاد القردة والخنازير في يوم الغفران.
واقع الأمر فإن تزامن يوم عاشوراء في السنة الهجرية الحادية عشر مع يوم 10 تشريه اليهودي (يوم الغفران) إنما جاء عرضاً ؛ مثل ما جاء يوم "يوم الغفران" عرضاً هذا العام ليوافق 9 ذو الحجة لسنة 1436هـ, .... وهكذا.
ولو كان صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم إقتداءاً بصيام اليهود ؛ لكان المفترض أن يصادف صيامه يوم عيد الغفران (عيد كيبور) اليهودي من كل عام. وليس العاشر من المحرم...

اليهود لم ينقرضوا بعد (للأسف) . وهم اليوم يدنسون أرض فلسطين .. فلماذا لا نراهم يصومون يوم 10 محرم (عاشوراء)؟

أرجو الله عز وجل أن يوفقني هنا لتوضيح الذي يخفى في هذا الجانب بتوصيف وتحليل منطقي:
.................
يقصد بيوم عاشوراء ؛ اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام ؛ وفق التقويم الهجري الإسلامي المأخوذ عن التقويم العربي ..... وهو ما ينفي إبتداءاً (جملة وتفصيلا) تطابق التاريخ والتقويم الهجري (الإسلامي) مع التاريخ والتقويم العبري (اليهودي).


والتقويم العبري (اليهودي) سرقه أحفاد القردة والخنازير هؤلاء (كالعادة) من التقويم البابلي . وهو يعتمد على دورتي الشمس والقمر . فيكون طول السنة بالمعدل على طول مسار الأرض حول الشمس (365يوم وربع) . ويكون طول الشهر فيها بالمعدل على طول مسار القمر حول الأرض (29 يوماُ ونصف) .
وعندما تنقص سنتهم 30 يوما عن التقويم الشمسي . فإنهم يضيفون شهر كامل للسنة التي إستكمل فيها النقص 30 يوم. لمواطأة السنة الميلادية.
وهو تقويم مخالف من حيث الشرع والنص للتقويم الذي أقره الله عز وجل للخلق في الأرض على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بكل الشفافية. فكيف والحال كذلك "يتابع" رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود في تاريخ مغلوط مرفوض؟
وإقرأ إن شئت قوله عز وجل في محكم تنزيله من الآية رقم (36) في سورة التوبة: [إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض].

ثم ولتحديده عز وجل أن الشمس قد جعلها الله ضياء . وأن عدد السنين والحساب مرتبط بالقمر . وذلك عند قوله من الآية رقم (5) في سورة يونس: [هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون].
.................
وكانت قريش بوجه خاص تصوم يوم العاشر من شهر المحرم كل عام حسب تقويمها (العربي) .... وكانت تغطي في هذا اليوم الكعبة المشرفة .... وأحسب أن صيامهم على جاهليتهم وشركهم هذا اليوم . إنما كان من بقايا دين إبراهيم عليه السلام (الحنيفية السمحاء) ، الذي نهض به في مكة المكرمة إبنه إسماعيل عليه السلام ... وإسماعيل عليه السلام هو جد العرب المستعربة . ومن صلبه ينحدر "قريش" الذي تسمت بإسمه قبائل قريش فيما بعد .

وبالتالي أتى هذا التقديس والإتباع ضمن جملة "مكارم الأخلاق" التي كرسها إسماعيل عليه السلام في نسله من العرب ومنها الجود والكرم والنخوة والشهامة والمروءة ؛ وهي التى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكملها توافقا مع قوله [إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق}.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء في مكة:
والثابت من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يواظب على صيام يوم العاشر من المحرم في مكة المكرمة قبل الهجرة النبوية . وقبل أن يفرض الله عز وجل علينا صوم رمضان الكريم.
فمن ثم فقد جاء عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها قالت: " كان عاشوراء يصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر".
 
وفي رواية : " كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه".
وقد أخرج هذا كل من البخاري ومسلم وأبو داؤد والترمذي والإمام مالك في الموطأ ؛ وغيرهم من الثقات في علم الحديث النبوي.

وطالما كان الأمر كذلك ؛ أستغرب أن يظن البعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم بعاشوراء إلا لدى اليهود بعد قدومه للمدينة المنورة.
..............
الشيء الذي فات على البعض أن اليهود لا يصومون العاشر من محرم على وجه التحديد ..... وإنما يصومون العاشر من شهر تشريه العبري ... وهو يوم قد يصادف أي يوم آخر من أيام التاريخ الهجري أو التاريخ الميلادي.

ويوم العاشر من شهر تشريه اليهودي بحسب السنة العبرية هو ذلك اليوم الذي يطلقون عليه "يوم الغفران" ..... و "يوم كيبور" ..

ومن أبرز أحداث "يوم الغفران" الموافق للعاشر من تشريه اليهودي هذا هو نشوب حرب 10 رمضان 1393هـ ، والمعروفة أيضاً بإسم حرب 6 أكتوبر 1973م. بين العرب وإسرائيل بقيادة مصر وسوريا.

ومن ثم فبالعقل والمنطق ً .. لو كان يوم العاشر من تشريه اليهودي يصادف يوم العاشر من شهر محرم الهجري ويتطابق معه كل عام ؛ لما كان يوم العاشر من تشريه قد صادف العاشر من شهر رمضان 1393هـ في حرب أكتوبر ... ولكان المفترض أن يصادف العاشر من شهر المحرم...... وهكذا.
لا بل ولكان يوم الغفران اليهودي سيحل عليهم يوم عاشوراء هذا العام مثلا.
على سبيل المثال ففي هذا العام 2015م صادف يوم الغفران (10 تشريه) .. صادف يوم 22 من شهر سبتمبر الميلادي ، وصادف أيضا هذا العام وقفة عرفات 9 من شهر ذي الحجة للعام 1436 للهجرة.

إذن لا علاقة بين (عاشوراء) 10 محرم الإسلامي ... و (يوم الغفران) 10 تشريه  اليهودي .... ولكن فقط جاء اليومان متزامنان في سنة  11 للهجرة.

ولكن المشكلة أن بعض المسلمين اليوم ينقصهم الكثير من الفهم والقدرة على التصور والمعايشة ..... وأنهم يميلون إلى الحفظ والترديد الببغاوي لأسباب عديدة ليس أقلها سوء المناهج التعليمية والتربوية . وإهمالها لتحريض ملكات الخلق والإبداع في نفوس وأفئدة النشء.

ووفقاً لما ورد أعلاه فإنه يمكن تصور الآتي:
1) أن آخر عاشوراء صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة كان في السنة الهجرية الأولى . لآنه هاجر من مكة المكرمة (بعد محرم) يوم الخميس 27 صفر .

2) أول عاشوراء صامه صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة كان في السنة الثانية للهجرة. وأمر المسلمين بصيامه. وصادف يوم 13 يوليو 623م

3) في شعبان من السنة الثانية الهجرية فرض الله عز وجل على المسلمين صيام شهر رمضان الكريم. ف رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس الصيام في عاشوراء أو عدم الصيام على الخيار.

3) ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء بعد الهجرة إلى المدينة المنورة طوال سنوات (2) و(3) و (4) و (5) و (6) و (7) و (8) و (9) و (10) و (11)  للهجرة.

4) في السنة الحادية عشر للهجرة تصادف وقوع يوم العاشر من شهر المحرم للعام 11 هجرية (مصادفةً) مع "يوم الغفران" العاشر من شهر تشريه اليهودي في يوم واحد . وتصادف أيضا  6 أبريل 632م.
وهنا ؛ لايخرج الأمر على إحتمالين:
أ‌)      وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليهود يصومون ذلك اليوم من 10 تشريه الذي توافق تزامنه مع صيامه والمسلمين للعاشر من محرم . فاستفسر منهم عن سبب صيامهم لهذا اليوم . فقالوا له أنه يوم 10 تشريه في تقويمهم العبري الذي يصادف اليوم الذي نجا فيه الله عز وجل موسى عليه السلام من فرعون. فعبر موسى البحر إلى الساحل الشرقي وغرق فرعون . . فقال لهم رسول الله : "نحن أولى بموسى منكم" ...
ويبدو أن البعض ممن لا يتقن اللغة العربية جيداً ، ظن أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود : [نحن أولى بموسى منكم ] .. ظن أنها تحتمل التبعية ... ولكن غاب عن عقله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد قال : [لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي].
وغاب عن هؤلاء أيضا واقع أن موسى عليه السلام ؛ وجميع الأنبياء من آدم عليه السلام قد صلوا مأمومين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس ليلة الإسراء .....
وغاب عن هؤلاء أن موسى عليه السلام حين قرأ في الألواح عن نبي آخر الزمان حبيب الله محمد بن عبد الله وأن إسمه مقترن بإسم الله ومكتوب على العرش ؛ قال لله عز وجل : [اللهم أجعلني من أمة محمد].
ومن ثم فهذا هو الفهم والتفسير الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم لليهود : [نحن أولى بموسى منكم].

على أية حال فقد واصل صلى الله عليه وسلم صيامه ذلك اليوم على نية أنه صيام "عاشوراء" الذي تصومه قريش على هدي جدهم إسماعيل عليه السلام . وليس على نية صيام 10 تشريه (يوم الغفران) الذي تصومه اليهود.
ثم قال صلى الله عليه وسلم : [لو بقيت إلى قابل لصمت التاسع] ..... أي بمعنى أنه سيصوم التاسع ويكمله بالعاشر من المحرم.
أو :
ب) أن بعض الأنصار من الأوس والخزرج أطلعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العاشر من محرم لسنة 11 للهجرة ؛ بأن اليهود في المدينة تصوم اليوم (بالتزامن) هذا اليوم أيضا  . ويقولون أنه يصادف اليوم الذي نجا فيه موسى وأغرق فرعون . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : [نحن أحق بموسى منهم وإن بقيت لقابل لأصومن التاسع ] .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمل بقوله ذاك صيام تاسوعاء وعاشوراء من محرم سنة 12 للهجرة. ......... ولكن شاءت إرادة الله أن يلحقه به يوم الإثنين 12 من ربيع الأول من سنة 11 للهجرة.

5) إن أبلغ مؤشر على عدم إرتباط عاشوراء الإسلامي بيوم الغفران اليهودي هو "مبدأ" أننا لا نصوم يوم أعيادنا  أبداً . في حين أن اليهود يحتفلون بيوم الغفران (10 تشريه) على إعتبار أنه (يوم عيد) يصومون فيه . ويزعمون أن الله يغفر لهم فيه ذنوبهم كلها حتى الكبائر وقتل النفس والموبقات وأكل حقوق الناس .... ويبدأون من يوم11 تشريه حياة جديدة كما ولدتهم أمهاتهم ..... ويا بلاش.

صوم تاسوعاء:
وقد تفاوتت آراء العلماء في السبب من إعلانه صلى الله عليه وسلم النية صيام تاسوعاء . فمنهم من قال إنها لمخالفة اليهود .
ومنهم من قال (إحتياطاً) لإحتمال عدم ضبط التاريخ (وهو رأي غير سليم في نظري لأن صيام يوم الشك منهي عنه على اطلاقه). 
وهناك من يظن أن يوم التاسع من محرم يصادف اليوم الذي رست فيه سفينة نوح عليه السلام (الجودي) بعد الفيضان.

فضل صيام عاشـوراء:
فضل صيام يوم عاشوراء عظيم كونه يكفر عن الصغائر التي إرتكبها المسلم في عامه المضى جميعه.
وقد سئل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: [ ما علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم (يعني عاشوراء) ، ولا شهراً إلا هذا الشهر (يعني رمضان)]. 
وعن التخيير في صيام عاشوراء ؛ جاء عن حميد بن عبدالرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان رضي اللَّه عنهما يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: [ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب اللَّه عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر].
أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم والإمام مالك في الموطأ.


وعلى أية حال ؛ فإن الإمتثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون دائماً هو المقدم على غيره من تفسير وتحليل ... ولا يسعنا هنا سوى الإتباع والتصديق بالقول كما قال الصاحب في الغار أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه : {أن كان قد قال فقد صدق] ... ونـضيف بالقول [إن كان قد فعل فلا يسعنا إلا الإتباع بتسليم] وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.