الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

تكسير الأوثان وهدم معابدها في الإسلام

تكسير الأوثان وهدم معابدها في الإسلام

مصعب المشرّف
 14سبتمبر 2015م


الوثن بعل .. أقرب إلى الأراجوز والضــب
معبد الوثن العربي "بـعـل" الذي تم تدميره وإزالته مؤخراً عن وجه الأرض بواسطة تنظيم داعش .. هو الوثن الذي وردت الإشارة إليه عند قوله عز وجل: [أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين] سورة الصافات - الآية (125). 

إذن فقد ورد النص القرآني الكريم على نحو واضح لا يقبل اللبس .... وبهذا فقد دخل في حظيرة التحريم وفق العقيدة الإسلامية.

في مثل هذه الظروف التي تمس الدين . فإن عامة المسلمين يظلون على قناعة بأن القول الفصل هو رأي علماء الدين ... وأنه أولى وأهم من رأي علماء الآثار،  وأرباب الفنادق وشركات السياحة والطيران.

ولكننا لم نسمع تعليقات واضحة من مؤسسات الإسلام ؛ أو من جانب علماء الإسلام المشهودين إزاء فتوى التدمير للمعابد ، وتحطيم الأوثان والتماثيل التي إنتهت إليها مرجعية داعش الفقهية .


ومن عاصمة الأزهر الشريف ؛ ذهب فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق إلى (تخريجة) يفهم منها اللبيب أنه لا يعارض تدمير المعابد والأوثان (وما كان له أن يعارض) . وإنما يعارض القضاء على العنصر البشري بغض النظر عن ديانته وثقافته ولونه.. 
رمز الشيطان الذي يعبدة اليزيدية

وقد نعى العلاّمة علي جمعة في حديثه على الغرب الأوروبي والأمريكي أنه أباد شعوباً بأكملها (شعب تسمانيا مثلاً). ومحا بذلك الكثير من الحضارات الإنسانية ... وهو ما يؤكد (من وجه آخر) موقفه المعارض لفكر داعش في محاولتهم إبادة الأقلية اليزيدية بجريرة أنها تعبد (إبليس) الشيطان.


فضيلة الشيخ علي جمعة


وفي الوقت الذي نتفق فيه مع فضيلة العالم الجليل د. علي جمعة لجهة معارضة توجهات وممارسات في ميانمار والعراق وأفريقيا لإبادة أقليات بذرائع دينية أو عرقية وسياسية . فقد كنا ولا نزال نرجو منه إجابة شافية مباشرة أوضح بشأن تكسير الأوثان وتدمير المعابد الشركية في ديار الإسلام.... فالأمر هنا لا يحتمل أكثر من (لا) .. أو (نعم).
 
وفي الجانب العلماني والعلم الأرضي الحديث ؛ فقد إستهجن علماء الآثار وبعض المثقفين حادثة التفجير تحت ذريعة ضرورة حماية الآثار والإحتفاظ بها ؛ حتى لو كانت هذه الآثار معابد لأوثان حاربها الإسلام ، ونهى عنها الله عز وجل بنص صريح في محكم تنزيله... و ذهبت السنة النبوية والحديث الشريف إلى تكسيرها وتدمير معابدها بنصوص حوتها أوامر صريحة . وأفعال باشر بعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم فتح مكة.


لم يستثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وثن بعل ومعبده من التكسير والتدمير دوناً عن غيره من أوثان العرب . ولكن موقعه كان آنذاك لا يزال تحت يد الإحتلال الروماني . وظل كذلك إلى تاريخ إنتقاله إلى الرفيق الأعلى...
ولم يلتفت إليه الخلفاء الراشدون خلال الفتوحات . أو في حقبة بني أمية وبني العباس؛ لأنه لم تكن تتوفر آنذاك المعدات والوسائل والإمكانيات التقنية التي يمكن أن تساهم في تدميره . فهذا المعبد بوجه خاص بناء ضخم متسع الأرجاء؛ لم تعهد العرب مثيلاً له في أرضها.

فتوى مرجعية داعش الفقهية تحتمل الأخذ والرد .. ولكن لا نزال ننتظر أن يتصدى للأمر في الجانب الآخر عالم أو أكثر في الأزهر الشريف ، وأمثاله من المراجع الفقهية والعلمية الموثوق بها في مكة المكرمة والمدينة المنورة .... يتصدى للأمر من وجهة نظر شرعية بشفافية تبتغي مرضاة الله ورسوله ؛ وتتحرى الصدق بعيداً عن قناعات السياحة أو ضغوط السياسة.

كسر الأوثان إيمان بالله واليوم الآخر:
وبالعودة إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لجهة تدمير المعابد وكسر وحرق الأوثان . فإن السيرة النبوية على كافة مصادرها تؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تولى بنفسه تكسير الأوثان التي كانت تحيط بالكعبة المشرفة فور دخوله مكة الكرمة بعد الفتح الأعطم في شهر رمضان من العام الهجري الثامن.


دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت الحرام ، وحوله صحابته المكرمين ساداتنا في الدين رضوان الله عليهم أجمعين . فإستلم الحجر الأسود . وبدأ يطوف طواف الإسلام ؛ ويشير بعود خشبي كان يحمله في يده اليمنى الكريمة إلى الوثن أو يطعنه به.  فيقع الوثن على الأرض منكفئا على وجهه وقد تكسر وتفتت مادته الصخرية أو الخشبية وإنمحت معالمه .

كانت هذه معجزة وكرامة من ضمن معجزات وكرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولكنها لم تستوقف الصحابة الكرام بسبب أنها كانت متوقعة ، ويرونها عادية بالقياس إلى معجزاته صلى الله عليه وسلم العظيمة ؛ وأعظمها هو هذا القرآن العظيم من كلام الله عز وجل الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . ولما يشتمل عليه من كنوز ونعمة مستديمة لا تحصَـىَ ...
وكذلك معجزته العظيمة الدائمة الأخرى التي تمثلت في كونه المخلوق الذي تباهى به خالقه الله عز وجل وأفرد له الحــب جميعه . فكان فيه كمال المخلوق .. وكذلك لمعجزته في سيرته التي كانت منذ مولده صلى الله عليه وسلم كتاباً مفتوحاً فلم يعتريها نقص ولا عيب أو خلل .

كان عدد الأصنام حول الكعبة المشرفة عند فتح مكة قرابة ألـ 360 صنم . فهدمت جميعها ذلك اليوم الذي شهد طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الكعبة ومن حوله صحابته كما أسلفنا.

وكان صلى الله عليه وسلم يردّد وهو يطعن أو يشير إلى الوثن قول المولى عز وجل:
[ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ] .  ثم أمر مناديه أن يطوف بشوارع وأزقة مكة . وينادي على لسانه الشريف صلى الله عليه وسلم: [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره].

تدمير معبد العُــزّىَ :
وبعد أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذاك من هدم وتكسير جميع الأصنام الموضوعة حول الكعبة المشرفة ؛ بعث من فوره خالد بن الوليد رضي الله عنه لهدم معبد "العُـزّىَ".
كانت "العـزى" في معبد بوادي نخلة شمال شرق مكة المكرمة ..... فخرج سيف الله المسلول صحبة ثلاثين فارساً . فوجد معبداً تحيط به ثلاث شجرات تظلله . فهدم المعبد وقطع الشجيرات وانتزعها من أصلها .. ثم عاد وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمام المهمة على النحو المذكور . فقال له أشرف الخلق:
-         [ ارجع فإنك لم تصنع شيئا ]
فقفل خالد من فوره عائداً إلى مكان معبد العُزَّىَ . فوجد سدنة المعبد يتحلقون حول شيء . وعندما شاهدوا خالداً قادم نحوهم خافوا وهربوا نحو الجبال وهم يصيحون :
-         يا عُـزَّىَ .. يا عُـزَّىَ.
فنظر خالد إلى الموضع ؛ فإذا هي إمرأة سوداء شمطاء عارية منكوشة الشعر ؛ ساجدة على ركبتيها وهي تـخـم التراب من الأرض بيديها وتلقي به على رأسها . فعاجلها خالد بالسيف فقطع رأسها . ثم عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . فقال له :
- [ تلك هي العُـزّىَ ].
فسبحان الله عز وجل على هذا العلم اللامتناهى الذي خص به حبيبه المصطفى . فكان يعرف ما لا تعرفه العرب عن العُـزّىَ وطبيعتها ومادتها رغم أنه لم يراها . وإنما هو وحي يوحى..... ولو كانت العرب تعرفها لكان خالد بن الوليد والثلاثين فارساً معه قد عرفوها منذ البداية.

والعُــزّىَ كانت تقدسها قريش وتعبدها كِنانة ومُضَـر... وقد وردت الإشارة إليها في القرآن الكريم.....
ولعل إكتشاف العرب أن العزى التي يلحدون إليها .. وكانت تخاطبهم وتأمر وتنهي بلسان أعجمي من خلف جدار ؛إنما هي في الأصل جارية حبشية يتم إستبدالها بأخرى بواسطة السدنة كلما قضت نحبها .. لعل ذلك قد كان سببا في إستحيائهم والخجل من جهلهم......

وللأسف لا نزال نرى أمثال "العُـزَّىَ " في بلادنا ... يستخدمها المشعوذون للضحك على البسطاء والجهلة وضعاف النفوس والدين . ونستغرب كيف تهمل دولة "المشروع الحضاري" أمر محاربتهم ومطاردتهم ؛ وتدمير بيوتهم هذه التي تعتبر " بيوت طـواغيــت " وفق المنطوق الشرعي للدين الإسلامي.

تكسير الوثـن سـُــواع:
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم  ؛ عمرو بن العاص رضي الله عنه في سرية ليهدم الوثن المسمى "سُـواع" . وهو إله الجنس عند العرب . والسواع هو المذي الذي يسبق المني ؛ ويخرج بالشهوة أو خلال مداعبة الرجل لزوجته .

وقد ورد إسم  الوثن سُواع في القرآن الكريم عند قوله عز وجل -  الآية (23) في سورة نوح :  [وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرُنَّ وُداً ولا سُواعا ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونسْرا] .

وقد كان سواع في الأصل يعبده قوم نوح عليه السلام . فجاء به عمرو بن لحي الخزاعي إلى جزيرة العرب ؛ فعبدته قبيلة هذيل وكانت تحج إليه.
وقبيلة هذيل تنحدر من صلب هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وتشتهر هذيل بالفصاحة . وقيل أنهم أفصح العرب . ومنهم تزوج إسماعيل عليه السلام.
وهذيل هم أول من جاور السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام في بيت الله الحرام ثم طردتهم خزاعة . فسكنوا إلى الجنوب من مكة المكرمة.
وأما عمرو بن لحي الخزاعي هذا كان من سادة مكـة وكبار تجارها في زمن قديم. فسافر يوماً في تجارة إلى الشام . فأغراه بعض أهل الكفر أن يحمل معه بعض الأصنام ويضعها حول الكعبة المشرفة . وقد كان من أمره ما كان وجاء بها (يجرها) بواسطة الإبل بمساعدتهم وتمويلهم . وأمر أهل مكة بتعظيمها وعبادتها لتقربهم إلى الله.
ثم إجتمعت بعض قبائل العرب إليه ؛ وطلبوا أن يخص كل قبيلة من حلفائه بوثن . فقام بتوزيعها عليهم فملأت بلاد العرب . وأسماء هذه الأوثان التي جاء بها عمرو بن لحي إلى شبة جزيرة العرب وردت في القرآن الكريم . وهي : "ود" و "سواع" و "يغوث" و "يعوق" و "نسر" .
ويبدو أن المسألة إنما كانت "بيزنيس" ... ومحاولة خبيثة من عمرو بن لحي  لربط مصالح القبائل العربية المتحالفة معه ببعضها البعض حول خزاعة .. وليته أفلح . ولكن سلط الله "قريش" على خزاعة . فأجلاهم عن البيت الحرام لاحقاً... وإستعاد أحفاد إسماعيل عليه السلام ملك جدهم على مكة المكرمة. ولكن الأوثان ظلت على حالها . لا بل وإزداد عددها حتى أصبح 360 وثنا. وصنعت قريش لنفسها وثناً رئيسياً أطلقت عليه إسم  "هـُبـَـل".
وقد شاهد  رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن لحي الخزاعي (في المعراج) ؛ وهو يجـرجر أمعائه داخل نار جهنم.

كسر صنم ذي الخلصة وهدم الكعبة اليمانية:
كذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله رضي الله عنه . فحرق معبد ذي الخلصة (الكعبة اليمانية) ؛ وكسر الوثن  بعد أن سالت حوله كثير من الدماء بسبب دفاع خثعم عنه حتى قتل جرير 200 منهم .
وخثعم قبيلة تسكن جنوب شبه الجزيرة العربية . وينحدر نسبها من صلب خثعم بن أنمار بن أراش (وتنتهي) إلى زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وقد كان صنم ذي الخلصة تحج إليه العرب (ويقع في منطقة الباحة اليوم) ويسمى معبده بالكعبة اليمانية . ويستقسم عنده بالأزلام (الزاجر والمانع والآمر) ...

وقد نال ذو الخلصة شهرة إستثنائية في الأدب العربي ؛ بسبب أن ملك الشعراء "أمرؤ القيس بن حِجْـر الكِنْدِي" توجه إليه بستقسم عنده بشأن الثأر لمقتل والده الملك حِجر . فإستقسم ثلاثة فكان في كل مرة يخرج إليه "الزاجر" ... فقذف ملك الشعراء بالأزلام وقال مخاطباً ذي الخلصة: "أعضض ببظر أمـك". وأنشـد فيه أبياتاً يهجوه بها ، لا نرى لها موضع هنا بسبب أنها لم تصدر من قريحته عن قناعة إيمانية بهجر الأوثان.


ويبدو أن معبد ذي الحلصة كان منيعاً على الهدم بما توفر من تقنيات بدائية في ذلك الزمان . فهو بناء ضخم من الأحجار . فظل بناء مهمل قائم فوق الأرض حتى قيض الله له الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله . فأمر به فتمت تسويته بالأرض؛ فتناثر ركام وأحجار المعبد على مساحة قدرها البعض بـ 300 متر مربع.. وقيل أنه تم بناء مسجد في مكانه. 

وهناك من يتنبأ بعودة عبادة  وثن ذو الخلصة في آخر الزمان . ويستشهد في ذلك بقول  رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لن تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء بني دوس وخثعم حول ذي الخلصة].

وقيل أنه في بدايات القرن العشرين ؛ عاد بعض قبائل دوس للتبرك بمعبد (الكعبة اليمانية) ذي الخلصة . والنحر والذبح عنده جلباً للبركة ، وشهد إجتماع النساء والفتيات حوله بالزيارة في المناسبات الإجتماعية والأعياد .  

كسر اللات وهدم معبدها:
وبعث  رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من أبي سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما إلى ثقيف فهدما صنمها المسمى "اللات" . 

ووثن اللات ومعبدها ورد ذكرها في القرآن الكريم عند قوله عز وجل في سورة النجم:
أفرأيتم اللات والعزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)]

وثقيف إحدى قبائل القيسية (قيس عيلان) . ومركزها الرئيسي هو الطائف . وينتهي نسبها إلى نزار بن معد بن عدنان.

وفي حيثيات هدم وثن "اللاّت" و معبدها ما يشير بوضوح إلى أن موقف الإسلام من هدم الأوثان ومعابدها أمر لا مساومة ولا متاجرة فيه ولا مزايدة عليه.
فقد جاء في السيرة النبوية أن قبيلة ثقيف حين علمت بأمر هدم الأوثان والمعابد . وأن دور وثنهم اللات لامحالة أت . أرسلوا منهم وفداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يؤجل هدم اللات سنة . فرفض . فما زالوا يتنازلون حتى طلبوا التأجيل شهراً واحداً فأبى . وأمر أبي سفيان والمغيرة بالمسير إلى ثقيف وهدم اللات من فورهم . فهدماه كما تقدم.
وقد كانت الحجة والتبرير اللذان ساقهما وفد ثقيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو خشيتهم من بوار الموسم التجاري (الوشيك) الذي يحققه لهما وثن اللات .... وهكذا نرى التاريخ يعيد نفسه اليوم على هيئة الحفاظ على "مداخيل السياحة". ونجاح "الموسم السياحي".

ثم هدى الله العرب إلى الإسلام بعد فتح مكة ؛ وأتمم عليهم نعمته ورضي لهم الإسلام دينا ؛ فدخلوا في دين الله أفواجا . وتولوا بأنفسهم هدم ما تبقى من معابد وأوثان... وحملوا تبعات ومهمة التبليغ بهذه الرسالة إلى يومنا هذا وحتى قيام الساعة. 

وقد ذهب إبن القيم رحمه الله في توثيقه للموقف من صنم اللات إلى أن هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت (معابد للأوثان الرئيسية) ، وهدمها أحب إلى الله ورسوله، وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير.

وجاء في صحيح مسلم مرفوعاً عن الصحابي عمرو بن عبسة  رضي الله عنه ؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم  : وبأي شيء ‏أرسلك؟ قال صلى الله عليه وسلم : [أرسلني بِصِلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يُوَحَد الله لا يُشْرك ‏به شيء ].

كذلك ذهب علماء معاصرون إلى أن ترك الأوثان والمعابد قائمة في ديار الإسلام ؛ يجعل منها أمراً واقعاً ومن المسلمات شيئاً فشيئاً ....

كما أن ترك الأوثان ومعابدها ينتقص من أداء المسلمين للدور المنوط بهم في العلاقة مع هدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. والحفاظ عليها وصيانتها.
وأصدق مثال على ذلك أن الخلفاء الراشدين لم يتوقفوا عن تبليغ الدعوة بعد إختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنتقال إلى الرفيق الأعلى ... ولكنهم واصلوا أداء الرسالة المتعلقة بصيانة الإسلام ، ونشره والتبليغ به على النحو الذي يبينه التاريخ .

والبعض ربما يبرر الإبقاء على الأوثان ومعابدها من منطق أن المسلمين قد خرجوا عن دائرة الشرك إلى غير رجعة ..... وهو تقدير غير سليم من وجهة نظري .. 

ونستدعي هنا حالة عودة بعض العرب إلى تعظيم شأن ذي الخلصة ومعبدها المعروف بالكعبة اليمانية أوائل القرن العشرين.

ونشير كذلك أنه ومنذ سنوات ؛ تنتشر أكثر من معابد سرية يؤمها شباب مسلم في الأصل ؛ تتم فيها ممارسة طقوس لعبادة الشيطان . تنتشر في العديد من البلدان العربية والإسلامية ... وهناك على سبيل المثال "اليزيدية" في العراق وبعض أنحاء الشام تقوم ديانتهم على عبادة الشيطان والإعلاء من شأنه برموز وطقوس تقشعر لها الأبدان.

وأما عن وثن بعل ومعبده خاصة ؛ .... 
فالمحزن أن علماء الآثار والمؤرخون لم يتوصلوا حتى تاريخ كتابة هذه المقالة إلى رأي قاطع عما إذا كان الوثن "بعـل" هو لذكر أم لأنثى ..
واقع الأمر ؛ فإن هؤلاء المؤرخون العرب عامة والمسلمون منهم خاصة. إنما مثلهم هنا كمثل الحمار يحمل أسفارا ..
فالآية القرآنية المشار إليها أعلاه تثبت (بجوامع الكلم) أن الوثن بعل إنما يعود إلى ذكر .. ويتبين ذلك من قوله عز وجل "أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين" ..
والبعل في اللغة العربية هو "ذكر النخلة".
والمتعارف عليه في لغة العرب اليومية أن البعل هو زوج المرأة.
وجاء في محكم تنزيله قوله أيضاً من الآية (228) في سورة البقرة: [وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا].

ولو كان الوثن بعل لأنثى لكانت الصيغة مؤنثة "بعلة" .. والبعلة هي في الأصل مصطلح يقصد به المرأة التي تتبعل لزوجها بالتجمل والزينة والأنوثة والرقة المثيرة. وحسن المعاشرة والملاينة والمسايسة ، وطلب الإنفاق بالمعروف .. إلخ مما يجعل الزوج يفقد صوابه ، ويتعلق قلبه بها وحدها دون غيرها وتطيب معاملته لأبنائه بها . فتحافظ الأسرة بذلك على تماسكها الذي لا ينفصم عراه حتى إن إمتدت وأصبحت عائلة .

ولأجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إيمان المرأة تبعلها لزوجها".. أو كمال قال.
وقد ورد الحديث مرفوعا بوجه آخر عن ثقاة :- أن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في جماعة . فذكرت له من تفضيل الرجل بصلاة الجمعة والجماعة ، وشهود الجنائز ، والمرابطة والجهاد في سبيل الله .
فالتفت أشرف الخلق إلى أصحابة بوجهه كله ثم قال: [ أسمعتم مقالة إمرأة قط  أحسن في مسألتها عن أمر دينها من هذه؟ ] . فقالوا :"والله ما ظننا أن إمرأة تهتدي إلى مثل هـذا."
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فقال:
-    [انْصَرِفِي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ ، وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا ، وَطَلَبِهَا مَرْضَاتِهِ ، وَاتِّبَاعِهَا مُوَافَقَتَهُ ، تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ ] . 

قيل ؛ فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر إستبشاراً بحديث الصادق المصدوق.
وقد تم تصنيف هذا الحديث على أنه مرفوع حسن الإسناد غريب الإيراد.

الذي يفهمه المتفقه في الدين هو أن الوثن بعل إنما كان يعتبر إله "الخصوبة" لدى الرجل والمرأة  ... وكل ما يسهم في كثرة المواليد وجلب الذرية الصالحة... 

ولأجل ذلك نعى عليهم الله عز وجل جهلهم (فقال لهم بما معناه) – أتذهبون إلى الوثن بعل وتتقربون إليه بالهدايا والذبائح والنذور ، وتدعونه أن يهبكم الذرية الصالحة . وتتركون أمر التوجه بالدعاء واللجوء إلى  الخالق عز وجل "أحسن الخالقين؟".

وقد عزز الله عز وجل هذه الآية بآيات أخرى جميعها توجه الإنسان إلى القناعة بأن الله عز وجل وحده هو الذي يهب الذرية .. وهو الخالق لكل شيء. والذي ينبغي التوجه اليه وحده بالدعاء.


ولجهة الدلالة على أن الوثن بعل إنما كان لذكر .  أود الإشارة هنا إلى أن مناط تحقيق النسل بالأمس واليوم وإلى قيام الساعة متعلقة (في الأغلب الأعم)  بالذكر أكثر منها بالأنثى .. ودليل ذلك أن الرجل الواحد يستطيع أن ينجب 40 من الأبناء من زوجاته الأربع .. ولكن المرأة الواحدة لا تستطيع إنجاب 40 من الأبناء حتى لو تزوجت أربعة رجال في حياتها.