الخميس، 25 سبتمبر 2014

ما بين فيلا وزير المالية وفلل وزير الخارجية

ما بين فيلا وزير المالية وفلل وزير الخارجية

مصعب المشرّف
25 سبتمبر 2014م


كيفية التعامل الأمني الصريح مع مواطنين في هذا الطرف من المدينة أو تلك القرية والمشروع الزراعي والمراعي ؛ لأسباب تتعلق بإحتجاج هؤلاء على إستيلاء البعض على أراضيهم بالقوة دون أن يكلفوا أنفسهم حتى تعويضهم عنها .....

وكبفية التعامل الأمني الخجول مع حكاية الفيلا الفاخرة ، التي إشتراها علي محمود عبد الرسول وزير المالية السابق من أمواله الخاصة ..

ثم والتدخل السافر من جانب نائب رئيس الجمهورية (على حداثة تعيينه في المنصب) بالدفاع عن الذمة المالية للمسئولين السياسيين ؛ على خلفية نشر مقال كشف النقاب عن بناء "مدينة كرتي" ذات التشطيب الإيطالي ..... وبالتزامن مع تفشي خبر شراء علي محمود للفيلا المليونية المشار إليها .

وبالنظر إلى الملابسات التي اكتنفت العديد من أحوال " تسـييـس" الخلافات المالية والعقارية الشخصية بين المسئولين والمواطنين ..... فإن الذي يثير الإنتباه والقلق من بين كل هذا هو:

مسارعة السلطة والإعلام الورقي المحسوب عليها إلى " تسييس " الخـلاف وحسمه أمنياً ؛ كبديل للحل المنطقي القانوني المتمثل في اللجوء إلى ساحات المحاكم المدنية .

والسؤال الذي يطرح نفسه دائما هنا هو:

لماذا تم " تسييس " تصرف شخصي لوزير مـّا على نحو بدا وكأنّ متابعة الإعلام الألكتروني المستقل البديل لتصرفات الوزراء الشخصية البعيدة عن مهامهم الرسمية تعتبر لدى أجهزة الدولة المختلفة "كلام في السياسة" ؛ تندفع بعده الأجهزة الأمنية في إرسال الإحضاريات ومصادرة الصحف والإحتجاز ؟..... ويرغي وزير الإعلام ويزبد؟

هل بتنا في جوف مازق تحويل الوزير وكبار المسئولين إلى حالة من الفرعنة المصرية المشهودة ؛ التي لا تفصل شخصية الرئيس الفرعون عن البلد مصر ؟ .. فتجعل الفرعون هو مصر .... ومصر هي الفرعون؟

ثم ولمصلحة من يتم هذا " التسييس " الذي دائما ما تخرج منه السلطة الحاكمة وهي عرجاء تنزف المزيد من الدماء ؟

علي محمود عبد الرسول - وزير المالية السابق 

ما هي علاقة الأجهزة الأمنية والمسار السياسي للدولة بوزير سابق أو على راس منصبه إشترى فيلا بمبلغ مليون وثمانمائة ألف دولار ؛ ولم يدفع للسمسار عمولته المتفق عليها ، والتي نص عليها قانون ولوائح تنظيم هذه المهنة التجارية المعترف بها؟

ثم لماذا لاتترك مثل هذه الأمور لبحثها والنظر فيها داخل اروقة المحاكم المدنية . لاسيما وأن المحامي الذي لجأ إليه السمسار يطلب منه رفع دعوى للحصول على حقوقه المالية المشروعة في صفقة شراء فيلا وزير المالية السابق .. هذا المحامي ما كان ليكتب لائحة الدعوى ، وينهض بها لولا قناعته بأن موكله على حق في كل ما ذهب إليه من مطالبات .

كذلك فإن المحامي أو السمسار لم يتفوها باية عبارات أو كلمات يستدل منها على أنهما يرميان إلى مقاصد سياسية .. وأن المسألة هي حقوق مالية خاصة بنزاع جرى بين مواطن سمسار ومواطن آخر كان يشغل منصب وزير مالية ؛ وينتمي لعضوية حزب سياسي حاكم أو لا ينتمي لايهم.

ومثل الدعوى التي رفعها "السمسار" على وزير المالية السابق يمكن إغلاقها في لمح البصر ؛ بمجرد أن يبادر الوزير السابق المدعى عليه بسداد المتبقي من حقوق السمسار على دائر المليم خارج المحكمة .

ثم ما هو لزوم الغضب الرسمي لأجل نشر أخبار بأن وزير الخارجية قد شرع في بناء مجمع سكني بإسمه الشخصي (وليس بإسم وزارته) مكون من 120 فيلا؟

أين الوجه السياسي في كلا الحالتين؟.. فيلا وزير المالية السابق .. وفلل مدينة وزير الخارجية الحالي؟

وهل كان نائب الرئيس سيغضب ، ويخرج بمثل تصريحاته المسيسة هذه لو تم الأعلان في الصحف عن قيام شركة مقاولات سودانية أو أجنبية ببناء هذه المدينة السكنية الفاخرة؟

هل بدأنا نؤسس لقاعدة جديدة تمنح الوزير وكبار المسئولين ، وكبار قيادات الحزب الحاكم الحق في شراء حاجاتهم الشخصية دون أن يدفعوا ثمنها أم ماذا؟

ربما كان منطقياً ومبلوعاً لو بادر نائب الرئيس بالغضب من وزير الخارجية علي كرتي ؛ بوصفه قد شغل نفسه وغرق حتى أذنيه في تفاصيل ومتابعة بناء مدينته السكنية على حساب عمله الرسمي كوزير للخارجية ..
 علي كرتي - وزير الخارجية

والواقع أن نشاط الخارجية السودانية يشهد منذ فترة خمولاً وتكاسلاً منقطع النظير وإخفاقات في كافة الأصعدة ، وعقم عن الإثمار لا يخفى على أحد.

وأصبحنا نلحظ وكأنّ مهام وزارة الخارجية قد تفرقت بين غيرها من الوزارات .... فأصبحت وزارة الإعلام خارجية ... والإستثمار خارجية ... والإذاعة والتلفزيون خارجية ... والدفاع خارجية .... والدكتور غندور خارجية ... ووزارة العمل خارجية .... والإمام الصادق المهدي وغازي العتباني خارجية ...... وربما لن نصبر قليلاً حتى نلاحظ تحوّل الولايات والمعتمديات المحلية إلى وزارات خارجية.

 يقولون في الأمثال : صاحب بالين كضاب .... فما بالك إذا جمع شخص واحد بين أكثر من بالين في حبل واحد شمل وزارة الخارجية ، ومواد البناء ، ونشاط الفندقة والسياحة .... وتشييد المجمعات السكنية؟

حسبو عبد الرحمن - نائب رئيس الجمهورية

الخلاصة إذن أن تدخل حسبو عبد الرحمن نائب الرئيس على الخط في نفس توقيت خبر فيلا وزير المالية وفلل "مدينة كرتي" لم يكن موفقاً .. وجاء على هيئة "غسيل مستقيم" غير منطقية لظاهرة فساد مستشرية تسارعت وتيرتها . وتفاقمت وأصبحت سيرتها على كل لسان . ورائحتها داخل كل خيشوم.

كنا نتوقع أن يتحلى النائب حسبو بالذكاء السياسي . فينأى بنفسه عن الخوض في أمور إذا كان الحديث فيها من فضة فالسكوت يبقى من ذهب.

كنا نأمل أن بتشبث السيد حسبو بهيبة منصبه . وما يمليه عليه البرستيج الرئاسي . فيتجنب النزول إلى درجة إصدار تصريحات كـان بمقدور شخص تنظيمي عادي بدرجة عضو من ضمن أعضاء الأمانة العامة لحزب المؤتمر الوطني أن يدلي بها للصحافة وهو متسربل بلباس الحــزبية السياسية المراوغة ؛  وبما يلبي فنون وأدبيات الكذب والمواقف المنبرية لأجل الإستهلاك المحلي ؛ ومقتضيات العلاقات العامة التي لا تعاب عليها أمانات الأحزاب السياسية بوجه عام.

الذي يراقب من موقع غير منحاز أو مجافي لمثل هذا الحراك في حوش الحزب الحاكم . يدرك بعد فترة وجيزة أن هناك عدم تنسيق وعدم تخصص وعدم ترتيب وعدم تنظيم .. وأن حابل المدني يختلط بنابل النظامي ... وأن درب الوزير المرصوف يختلط بزقاق السياسي المتعرّج .. وأن الخلط بين التنفيذي في كراسي السلطة والكوادر في الأمانة العامة للحزب ... وحتى النقابي العامل والطلابي الرافد له ؛  كل هذا الخلط يجري على طريقة سمك لبن تمرهندي.
   
هناك البعض في داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني الحاكم ونظام الإنقاذ برمته يفعل بهذا النظام الأفاعيل . ويكاد يهوي به من شاهق وحالق إلى وادٍ سحيق .. لا بل ويفعل به وبسمعته ما لم يتمكن حتى ألــد أعدائه وخصومه السياسيين من فعله.

لم تعد سياسة عدم محاسبة الوزير وكبار المسئولين وحدها هي المتبعة عقب عزلهم .. وإنما يلاحظ تفشي سياسة (الهروب إلى الأمام) ؛ بترفيع كل من تفوح منه رائحة الفساد إلى منصب أعلى من سابقه الذي كان يتربع عليه .. وكأنّ المسألة قد أصبحت عبارة عن تبادل مراكز داخل دائرة مغلقة.

ولا ندري ما هي أسباب ذلك ؟ .... هل يكمن السبب في أن البعض يرمي إلى إسقاط نظام الحكم هذا من الداخل ؛ وعلى ذات النسق الذي خلخل به الترابي نظام مايو البائد ؟

أم أنهم ينطبق عليه قوله عز وجل في سورة الكهف : 
[قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْفِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)].