الثلاثاء، 27 مايو 2014

مسرحية إعتقال الصادق المهدي

مسرحية اعتقال الصادق المهدي

مصعب المشرّف:

الصادق المهدي .. إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة القومي

لا ينفك (الأذكياء) في حزب المؤتمر الوطني يخرجون علينا بمسرحيات وتمثيليات ... واسكتشات على طريقة "ود أب قبورة" القصيرة النفس ، والتي لايدوم تأثيرها وصلاحيتها سوى بضعة أيام .

ولا يزال (الأئمة) و(الملوك) و (الأمراء) و (الأميرات) , و (الأحباب) في حزب الأمة يتراضون فيما بينهم على الإقتناع بأدوار الكومبارس والمطايا في علاقتهم بالأنظمة الشمولية التي تحكم البلاد بالعين الحمراء والعصا لمن عصا.

الأسباب التي تم اعتقال الصادق على إثرها واهية ليست مقنعة .. فهو لم يقل كلاما يستحق أن يتوقف عنده الغير خلال ذلك اللقاء الجماهيري الذي جمعه وأنصاره في الحلاوين... بل جاء على هيئة تهريج أكثر منه تأصيل لموقف رصين.

نعامة ومك وتـك .. كلام فارغ يقال في الهواء تحت الرواكيب والضللة لايصدر عن لسان سياسي جاد . ولا يعطي مؤشراً لقناعات وآليات سياسية لحزب يتوقع الشعب منه أن يكون نـداً على قدر المسئولية التاريخية ، والرغبة في النضال بشرف لانتزاع ما يمكن من مكتسبات ديمقراطية يتوق لها الشعب ؛ لاسيما بعد تفشي رائحة الفساد التي أزكمت الأنوف ؛ وغياب المحاسبة ، وتنامي ظاهرة سرقة المال العام التي سجلت سابقة نادرة في تاريخ السودان على مر العصور.

اسكتش أو فلنقل "مونولوج"  إعتقال الصادق المهدي يجيء مستنسخاً رديئاً لسابقة اعتقال صهره حسن الترابي صبيحة انقلاب عمر البشير في يونيو 1989م ؛ لإعطاء الإنطباع بأن لا يد للإخوان في تدبيره.

إسكتش سيء التأليف والسيناريو والإخراج والتمثيل على نحو يثير الغثيان ... وواقع الحال فإن الصادق يقيم في بيت ضيافة أكثر منه معتقل .. بيت ضيافة ظاهره العذاب وباطنه الرحمة ؛ وعلى شاكلة يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم .
والأهم من كل هذا وذاك أنه وفي معتقله المزعوم يقيم مطمئناً ؛ تجبى إليه ثمرات كل شيء على حساب المال العام. ولسان حاله يردد "ندع عبد الرحمن يرتع ويلعب في حدائق القصر الجمهوري ،،، نميرُ أهلنا من خزائن المؤتمر الوطني ونزداد كَيـل بعير .. ذلك كيلٌ يسير".

الهدف من هذا الإعتقال الصوري الذي (أكرموا به) الصادق المهدي ؛ هو منح الإمام المغلوب على أمره المزيد من المصداقية لتمكينه من تنفيذه دوره المنوط به في التوقيع على البيان الختامي للحوار الجاري ؛ بعد أن تبين لـ (أذكياء) المؤتمر الوطني أن هذا الحوار في الطريق إلى نفق مسدود بسرعة زمنية لم يكن أفضلهم طريقة يظن أنها ستأتي على هذا النحو... والسبب دائماً وأبداً هو صلابة القوى السياسية الجديدة على الساحة الممثلة في الحركة الثورية وبما تمتلكه من أذرعة عسكرية في مواجهة نظام سياسي أعلنها صراحة بأنه لن يفاوض (بجدية) سوى حملة السلاح.

عبد الرحمن الصادق المهدي 
والصادق المهدي من جهته يبدو منشغلا بأمر توريث كرسي الإمامة ، ومفاتيح خزائن الدائرة  إلى فلذة كبده عبد الرحمن ؛ والتكريس لتظل كل الكروت في أيادي نسله من صلبه ؛ وإغلاق الباب نهائيا أمام غريمه المرعب الشاب مبارك الفاضل المهدي. الذي لوحظ أنه ما أن عاد من منفاه الإختياري إلى الخرطوم حتى طار صواب الصادق وعلى نحو تمنى فيه على جهاز الأمن إعتقاله .. اعتقال إبن أخيه .
مبارك الفاضل المهدي

غريب أن يسارع إمام ديمقراطي بالطلب لإعتقال شخص ما دون بلاغ مرفوع ضده ودون إنتظار لقرار النيابة .... أين هذه الديمقراطية وسيادة القانون التي يدعي الصادق المهدي أنه راهبها وناسكها وسادنها ؛ وهو الذي بادر بنسيانها لمجرد خلاف عائلي مشروع على الإرث الطائفي في مواجهة إبن أخيه؟

حــلاوة حــربة .. يحملها أحد ناشطي حزب الأمة القومي في زمان طائرت الشبح وصواريخ توما هووك

ولكن الذي لا يضعه المؤتمر الوطني الحاكم في الحسبان ؛ أنه لا يمكن ... لا بل ومن المحال عزل قوة مسلحة تمارس حراكها المعارض المسلح الفاعل داخل مجالها الحيوي وتلعب في أرضها ووسط جمهورها... ثم أنها تختلف في أطروحاتها عن الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق لجهة أنها (الحركة الثورية) لا تطرح ولا تقبل بخيار الإنفصال الذي دائما ما جعل منه مفاوض المؤتمر الوطني بمثابة طوق النجاة لحكومته في الخرطوم... وهنا تكمن معضلة صعوبة التفاوض معها دون تقديم تنازلات حقيقية تتعلق بمجمل إستراتيجية وشكل نظام الحكم وأدواته وآلياته.

لقد انتظر الشعب طويلا وشبع من وعود الحكومة بالقضاء على الحراك المسلح ... وأصبح الإنتظار مملاً .. ولا تلوح في الأفق بوارق أمل بحلول عسكرية في الصرع بين الحكومة والجبهة الثورية ... والزمن يظل في مصلحة الجبهة الثورية كونها ليست المطالبة بالقضاء العاجل على الحكومة في الخرطوم ، بقدر ما هي معنية ومنوطة بمواصلة الصراع معها وبالنيل من هيبتها ، وزعزعة الثقة في قدراتها العسكرية على صيانة الأمن ، والحفاظ على وحدة البلاد وإشاعة الإستقرار على المدى الزمني  الطويل في كل شبر من أراضي البلاد.

محاولة (أذكياء) المؤتمر الوطني تلميع الصادق المهدي ، وإضفاء المصداقية عليه بمجرد تسليط بعض أضواء الاعتقال فوقه لن يجدي فتيلا ......

كذب البعض حين أشاع أن الحراك المسلح في دارفور الذي تفجر عام 2003م بصورته الماثلة . كذب من أشاع وقتها أن حسن الترابي هو محركه والماسك بخيوطه .. ويكذب البعض اليوم ويبسط الأمر لدرجة السذاجة حين يروج إلى أن الصادق المهدي بإمكانه إيقاف هذا الحراك المسلح فيه ؛ وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق... فالحركة الشعبية قطاع الشمال والعدل والمساواة وغيرها لم تخرج من عباءة حزب الأمة ولا من جلاليب ألأحزاب التقليدية .. والمسألة لا تحتاج هنا إلى إثبات وبيان وتبيين.

ودون أن يحسب للأمر حسابه . فإن الخسارة الكبرى التي مني بها الصادق المهدي في هذه المسرحية هو ذلك التجمهر الهزيل لأنصاره في أمدرمان . والذي لم يتجاوز المئات معظمهم كبار السن ... وقد إندس وسطهم  عشوائياً بعض نشطاء من أحزاب أخرى معارضة ، ظنوا أنهم موعودون بمليونية مُرقعة على جناح أم جكُّـو ؛ وإعتصام على شاكلة ميدان التحرير المصري.

إن السؤال الذي يظل مطروحا هنا هو : هل يصلح تلبيس الصادق المهدي عباءة المصداقية بهذه الأسلوب في إنجاح الحوار والخروج به إلى شواطيء الأمان؟

واقع الحال أن حزب المؤتمر الوطني يبدو في مأزق حقيقي . كونه قد اقتنع أخيراً أن أوراق اللعبة ليست جميعها في يديه ؛ وأن الحركة الثورية تمتلك نسبة لايستهان بها من أوراق وكروت ؛ بفعل ما توفر لها من سلاح ومصادر تمويل لاينقطع ، وخبرات وقدرات قتالية تتراكم يوما عن يوم ... ثم ومحاولات مثمرة من ياسر عرمان لتلميع الحركة في الداخل والخارج مستغلاً خبراته السابقة ، والعلاقات والاتصالات التي اكتسبها أيام كان في معية جون قرنق.


والأمر الواضح اليوم هو أن المخطط يهدف في نهاية المطاف إلى عزل القوة المعارضة المسلحة ممثلة في تحالف الجبهة الثورية ، بعد أن توصل الجميع إلى قناعة مؤداها أنه من المحال القضاء على الحراك العسكري لهؤلاء في المناطق الثلاثة دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان . وكذلك العشوائي في بعض مدن الوسط مثل كوستي وأم روابة....


ولكن الذي لا يضعه المؤتمر الوطني في الحسبان ؛ أنه لا يمكن ... لا بل ومن المحال عزل قوة مسلحة تمارس حراكها المعارض المسلح الفاعل داخل مجالها الحيوي وتلعب في أرضها ووسط جمهورها.

لقد انتظر الشعب طويلا وشبع من وعود الحكومة بالقضاء على الحركات المسلحة . وأصبح الإنتظار مملاً .. ولا تلوح في الأفق بوارق أمل بحلول عسكرية في الصرع بين الحكومة والجبهة الثورية ... والزمن يظل في مصلحة الجبهة الثورية كونها ليست المطالبة بالقضاء على الحكومة في الخرطوم بقدر ما هي معنية بالنيل من هيبتها وزعزعة الثقة في قدراتها العسكرية على صيانة الأمن والحفاظ على وحدة البلاد ، وإشاعة الإستقرار على المدى الزمني  الطويل في كل شبر من أراضي البلاد.

محاولة (أذكياء) المؤتمر الوطني تلميع الصادق المهدي ، وإضفاء المصداقية عليه بمجرد تسليط بعض أضواء الاعتقال عليه لن يجدي فتيلا...... فالجبهة الثورية لم تطلب من الشعب السوداني ولا من أحزاب العاصمة القومية التقليدية الإذن حتى يُسمح لها بحمل السلاح وإعلان التمرد على الحكومة.

كذب البعض حين أشاع أن الحراك المسلح في دارفور الذي تفجر عام 2003م بصورته الماثلة . كذب من أشاع وقتها أن حسن الترابي هو محركه والماسك بخيوطه .. ويكذب البعض اليوم ويبسط الأمر لدرجة السذاجة حين يروّج إلى أن الصادق المهدي بإمكانه إيقاف هذا الحراك المسلح ؛ أو في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

حشد هزيل لأنصار الصادق المهدي
خرجت اللعبة من أيدي الجميع التقليدي .. وقد تغيرت وجوه وقناعات متعددة في المسرح السياسي والتوجه العام لدى الأجيال الجديدة .. ففرضت قيادات شابة أخرى نفسها على الساحة .. خرجت هذه الثيادات من رحم الشعب وصفوف الغبش وحصاد التهميش ، وهي ممسكة بالزناد وتضرب في هيبة الدولة بيد من حديد ..... ولم يعد الإستثمار في الترابي والصادق المهدي والميرغني وغيرهم من عواجير فرح السياسة السودانية مجدياً ولا مجزيا اليوم.

أخرجوا الصادق المهدي من بيت ضيافة الشعب ، ونـار إبراهيـم . وكفاه طيب إقامة وقراءة صحف وفرجة تلفزيون وأكل ومرعى وقلة صنعة ؛ وشرب وتحلية وشاي وقهوة ونوم الليل والضحى بالبلّـوشي على حساب المال العام وحصيلة الضرائب .. سينما أوانطة وهاتوا فلوسنا ... ولا أدري إلى متى يضحك علينا الساسة القدماء والجدد ؛ ويقولون لنا :-  "يَــلاّ  بيوتكم ... أكلنا قروشكم؟"

ويبقى فكاك حكومة المؤتمر الوطني الوحيد هو محاولة الخروج به من النفق المظلم بالابتعاد عن الإملاءات وشروط الإذعان ..... وكفاها مضيعة للوقت والجهد بتأليف وإنتاج مسرحيات فاشلة والحوار مع زعامات لم تعـد موجودة إلاّ على الورق.