الجمعة، 14 أغسطس 2015

عقد تعدين الشركة الروسية الذهبي .... لماذا اليـأس؟

عقد تعدين الشركة الروسية الذهبي .... لماذا اليـأس؟

 مصعب المشرّف
14 أغسطس 2015

برغم كل الذي أثير حول مصداقية شركة التعدين الروسية ، التي جرى توقيع عقد التعدين عن الذهب معها بحضور الرئيس عمر البشير . فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو :
ماذا سنخسر لو أن هذه الشركة فشلت في إستثمارها؟


واقع الأمر لن نخسر شيئاً أكثر مما خسرناه من ضحايا جراء غزو محمد علي باشا السودان لأجل الذهب وغيره عام 1821م ثم وفي حروب التحرير بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي ما بين 1881م و 1885م .. ثم وخلال حروب إعادة إحتلال السودان عام 1898م وتكريس الحكم الثنائي المصري البريطاني حتى إستقلال البلاد عام 1956م.


حين توجه محمد علي باشا لغزو السودان من مصر عام 1821م .. كان من ضمن أسباب غزوه السودان إستخراج الذهب من مناجم "بني شنقول" .... ولكنه بعد أن رفع إليه الخبير الجيولوجي الفرنسي المسيو كايـو تقريره السلبي (من هناك) عن حقيقة الإحتياطي في بني شنقول. وأن التكلفة ستكون أعلى من الإيراد (بحسب تكنولوجيا ذلك العصر) فقد صرف محمد علي باشا النظر ....

الخبير الجيولوجي الدكتورمحمد أحمد صابون  ؛ الذي أجرت معه الراكوبة اللقاء . نشكره ونشيد به للمدى الذي ذهب إليه من حبه لبلاده ، وسعيه لمصلحة شعبه.


ولكن الجانب الذي لم يثيره د.صابون هو توقعاته عن الخسائر التي يمكن أن تلحق بالبلاد وإقتصادها الوطني في حالة لو أن هذا العقد التعديني المبرم لم يأت بثمار منتجة.

الإجابة التي رشحت من مجريات وإجابات د.صابون لم تأتي بمحاذير تتعلق بإحتمالات لخسائر في الجانب السوداني.

معنى ذلك أننا لن نخسر شيئاً ..... حتى لو كان الروسي نصاب .

أكد لنا الخبير الوطني د. محمد صابون أنه جمع لنا 21 شركة روسية ؛ يمكنها أن تستثمر في السودان.

معنى ذلك أنه يؤكد بشكل مباشر أن فتح مجال الإستثمار للشركات الروسية ليس خياراً سيئاً .

لا أعتقد أن شركة التعدين الروسية . وفي كافة الأحوال ستتملك الأراضي السودانية التي منحت حقوق التعدين فيها عن معدن الذهب أو غيره... وسواء أكان هذا الذهب في شمال السودان وغربه ووسطه .... أو حتى مناجم بني شنقول محمد علي باشا الغازي المحتل بجيوشه وأسلحته النارية.

تشغيل عمالة وطنية يقع عبء تكريسها على الجانب السوداني .... وفي كل الأحوال فإن الشركة الروسية ولأسباب تتعلق بالتكلفة ؛ مجبرة في نهاية المطاف على تشغيل وتدريب عمالة سودانية.

هكذا فعلت الصين في مجال البترول ..... والثمار التي جناها السودان لجهة تدريب وتشغيل العمالة الوطنية في مجال البترول لا تخفى على أحـد.

ليس هناك من مجال لتكريس خطط إستيطان "الفلاح الروسي" في أراضي السودان لحل مشكلة الإنفجار السكاني الروسي ؛ وحاجته الماسة إلى الأرض والماء والغذاء على حساب الشعب السوداني..


ليست هناك حدود مشتركة بيننا وبين روسيا .. وليس بيننا وبينهم إمتداد طبيعي سهل الحيازة من الأراض حتى نشكك في نواياها ... ونخشى أطماعها وسطوتها..... أو أن تحذو روسيا حذو محمد علي باشا في غزوه السودان عام 1821م... ومشاركة أحفاده في إعادة غزونا عام 1898م.


ليس هناك تاريخ وسوابق من الغزو العسكري الروسي للسودان .. ولا نسمع بوزارة الدفاع الروسية تهددنا وتتوعدنا بالغزو والضربات وإسقاط النظام الحاكم في الهينة والقاسية .. ولا نسمع بالإعلام الروسي يستهزأ بنا ويقلل من شأننا ويسخر من عقولنا . ويهدد ويتوعد في الفارغة والمليانة كلما تمسكنا بحقوقنا الوطنية المشروعة.

وقصارى ما يتاح لشركة التعدين الروسية أنها في حالة فشلها في الحصول على التمويل اللازم من البنوك الروسية أو غيرها . فإن المتاح أمامها أنها ستنسحب من السودان وهي تجرجر أذيالها من الخيبة...

كذلك فإن العقد الذي تم التوقيع عليه لا يلزم الجانب السوداني بدفع نعويضات إلى شركة التعدين الروسية هذه في حالة لم تجد ذهباً يستحق التعدين.

مسألة مبالغة وزارة التعدين السودانية في تقدير إحتياطي الذهب السوداني لن تضيرنا في شيء .....  فالذهب في نهاية المطاف يبقى في الأرض .. وكل  ما يبقى في الأرض فهو ينفع الناس .. وأما الزبد فيذهب جفاء.
ومع تقدم وسائل التكنولوجيا ؛ فحتماً يصبح بالإمكان تخفيض تكلفة إنتاج الذهب مستقبلاً .

وتبقى الإحتياطات المعلنة في نهاية المطاف "مسألة تقديرية" . لا يحق لمستثمر أجنبي أن يحاسبنا على مصداقيتها .. آخذين في الإعتبار أن تحديد نسبة وكمية الذهب تظل على عاتق المستثمر الأجنبي وحده.

مكاسب حزب المؤتمر الوطني من توقيع عقد التعدين الروسي ؛ تظل هي الأجدر بالرصد والتقييم هنا ......

سيجني جزب المؤتمر الحاكم مكاسب سياسية متوسطة المدى .. ويكتسب الرئيس البشير شعبية ....... وبما يسهم في تهدئة مشاعر السخط وتبعث الأمل والرجاء في نفوس الشباب العاطل عن العمل ... وعامة الشعب الباحث عن لقمة العيش في كبَـد.

إبرام عقد التعدين مع الشركة الروسية سواء أكان مثمراً عيار 24 قيراط أو فالصـو .. فإنه في قاموس العمل السياسي يعني تخدير الشعب وبعث الأمل في كوابيسه .. وإلـى حــيـن.

ومن وجهة نظر حزب المؤتمر الوطني ؛ فإنه إن يحلم الشعب بغـدٍ مشرق أفضل بكثير من أن لا يحلم ... أو أن يفقد الأمل فيثور على نظامه الحاكم .
أن يرى الشعب الجائع بصيص ضوء في آخر النفق ؛ خير من أن لا يرى ضوءاً على الإطلاق.
لا بل وأن يجري ريق الشعب ويسيل لعابه ؛ خير وأفضل بكثير من أن يُجبر على لحس كوعه. 

النظام الحاكم (26 سنة ويزيد) تراكمت لديه من الخبرة ما يكفي كي يدرك أن إستغراق الشعب في ترديد قول الشاعر: "سال من شعرها الذهب" ... خير وأفضل بكثير من ترديده لقول الآخر : "لـــون شعـرك سواد حـظـي".