الخميس، 24 أكتوبر 2013

هل كان تمرّد غازي العتباني مسرحية؟


هل كان تمرّد غازي العتباني مسرحية؟

 مصعب المشرّف:

 


طوال سنواتهم في المشهد السياسي .. وعلى خطى الترابي منذ ليلة المتاريس ..... ظل الإخوان أفضل من يبدع المسرحيات السياسية .

عندما تزعّم غازي صلاح الدين العتباني صدر تلك المجموعة التي رفعت مذكرة من أطلقوا على أنفسهم مسمى "الإصلاحيين" .. فرح وهلل البعض المعارض والمخاصم والمعادي لنظام المؤتمر القائم ؛ على إعتبار أنه تصدع وإنشقاق وشيك في هذا الحزب الحاكم الذي إستعصى عليهم أمره بعد أن ركب فيهم ودلدل رجليه ولعب بهم الكورة.

ووفق ما تطورت إليه الأمور لاحقا في العلاقة بين هذه المجموعة (الإصلاحية) وبين رئاسة حزب المؤتمر الوطني .. وعلى ضوء تراجع البعض منهم وإنسحابهم وتخاذلهم بعد أن إنقشع غبار ثورة 23 سبتمبر عن هدوء الأحوال وعودة الحياة العادية إلى الشارع على أقل تقدير .....  وبما أكد لهم أن هذا الحزب لا يزال ممسكاً بزمام الموقف ولو إلى حين. فإن الذي يعيد قراءة فحوى تلك المذكرة الأولى شديدة اللهجة ويحاول قراءة ما بين سطورها . ثم يقرأ ما جاء في المؤتمر الصحفي الأخير الذي تحدث فيه غازي العتباني صحبة بعض اللذين لا يزالون ممسكين بجمر تلك المذكرة .... يلحظ المراقب أن هناك تراجعاً كبيراً ومياعة جلاتينية عالية الجودة من لدن هؤلاء "الإصلاحيون الجدد" على نحو يمكن معه القول بأن الجبل قد تمخض فولد فأرة".... وأن العرجاء لمراحها فعلاً.

الذي يعيد قراءة البيان الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 2013 عن من أسموا أنفسهم "قوى الحراك الإصلاحي" يتأكد بالفعل أن أشجار هذا الحزب العتيقة وحرسها القديم قد أصبح على قناعة راسخة بأن السودان وشعب السودان لم يعد أكثر من "زريبة أغنام" مملوكة لهم وحدهم.

والذي يعزز الظن بأن المسألة ليست سوى تكتيك لإلهاء الشعب ؛ إنما  هو مغزى التوقيت والإنتظار إلى يوم 21 أكتوبر بالذات لإصدار هذا البيان ؟ .. هل كان يرغب صلاح العتباني في إلهاء الناس عن مذاكرة ثورة 21 أكتوبر 1964 المجيدة أم ماذا؟
 
غازي صلاح الدين العتباني
 
ثم والذي يسأل نفسه لماذا تراجع الجمع "الإصلاحي" بقيادة غازي العتباني عن موقفه السابق القوي الذي سجله في تلك المذكرة أيام كانت ثورة 23 سبتمبر في أوجها ، وتكاد تنذر بريح صفصف عاتية تقتلع المؤتمر الوطني من كراسي السلطة، وتطيح ما بأيديهم من "البيتزا" و "الهوت دوغ" ........ و"عصيدة" الثروة ..

الذي يسأل نفسه يتأكد لديه أن الأمر إنما جاء على سابق تدبير .... سابق تدبير على طريقة  عملية "الحجامة" البلدية إياها ؛ التي يكون الغرض منها تصريف بعض الدماء المحتقنة وتشبيع ما تبقى داخل الجسم بمزيد من الأوكسجين .....

في بلداتنا ومزارعنا نعتمد على "تقنية" محلية غاية في البساطة عندما تمتليء البلدات أو الحواشة بالماء وتهدد بخراب الزرع . فيعمد المزارع إلى ما يسمى بـ "كسر الترَس"  لتفريغ الزيادة في الماء خارج المساحة المزروعة .... ويبدو بالفعل أن هذه التقنية والتكتيك هي التي إتبعها غازي صلاح الدين ومحموعته لتخفيف الضغط عن حواشته المتمثلة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم.

ومن بين الدلائل على أن ما جرى من زوبعة الفنجان التي أثارها غازي العتباني في البداية إنما هي تكتيك مدبر ، نلحـظ أن العقوبة التي إتخذها حزب المؤتمر الوطني بشأنه كانت مخففة جداً وإلى درجة الدلـع والتدليل ؛ حيث لم تتعدى سـوى "التجميد" وليس "الفصل" .... والتجميد في زماننا هذا يعتبر من أفضل وسائل "الحفظ" الصحية ...  

وفي الجانب الآخر .. لو سلمنا جدلاً بأن تكتيك "الحجامة" و "كسر الترَس" لم تكن في الحسبان . وأن غازي العتباني وأمانة حزب المؤتمر الوطني براء من التفكير في مثل هكذا تكتيك واللجوء إليه لإلهاء الشعب والتخفيف من ثقل الضغط .. وبفرض أن غازي العتباني كان يرغب صادقاً في الإنشقاق عن الحزب ، وتكوين حزب آخر موازي لحزبه الأصل ... فإن الإنشقاق عن حزب شمولي "حاكم" في بلد كالسودان ، وعلى ضوء ظروف الحكم ومساحة الحرية والديمقراطية المسموح بها في العمل السياسي لا يتأتى إلا لقيادة كاريزمية تاريخية ذات ثقل كالترابي مثلاً ..... وغازي العتباني ومجموعته مع التسليم بأنه "غازي العتباني" يعتبر من أبناء جماعة الإخوان الشرعيين ؛ وكان يوما ما من أبرز قيادات حزب المؤتمر الوطني عقب التمرد على الترابي ؛ إلا أنه يظل دائماً بعيداً عن الإتصاف بميزة الرقم الذي لايمكن قسمته على إثنين.
 
 
وغازي العتباني على نحو أوضح وبالبلدي الفصيح ليس "حسن الترابي" . ولن يكون هو أو غيره من الإخوان بحجم حسن الترابي على مدى التاريخ الخاص بجماعة الإخوان . خاصة وأنه لايمتلك موهبة الإتصال والتأثير الجماهيري المباشر سلباً أو إيجاباً (الكاريزمية) الذي كان يبرع فيه الترابي بموهبة من خالقه... ولله في خلقه شؤون.

ولو كانت المعارضة التي ترغب في نزع السلطة من حزب المؤتمر الوطني تظن أن قوى الحراك الإصلاحي كانت جادة في جميع ما ذهب إليه ؛ فهي على ما يبدو تحتاج إلى "دروس تقوية" في منهج  "التقية" و"فقه الضرورة"..... وكل ما يلزم في حراك التناقض والتكتيك الذي يذهب بـهـا إلى البحر ثم يعيدها عطشانة.