الخميس، 31 أكتوبر 2013

إستفتاء أبيي .. أين منه المسيرية والحكومة والمعارضة ؟


إستفتاء أبيي .. أين منه المسيرية والحكومة والمعارضة ؟


مصعب المشرّف:

 
·   لماذا لا يذهب المسيرية إلى إجراء إستفتاء من جانب واحد لتفريغ نتائج وأغراض إستفتاء دينكا نقوك من معانيه؟

·       لماذا يصمت المسيرية ولم يقيموا الدنيا في وجه هذا الإستفتاء الخبيث؟

·       ألا يعلم المسيرية أن الأرض هي صنو العرض؟ .. وأن التفريط في الأرض كالتفريط في الشرف؟

·       إلى متى يظل نحاس المسيرية نائماً في بيته يعلوه التراب ؟

·   أما آن لخيول المسيرية العاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا أن تنفض عن حوافرها النمل والسوس؟

·   لوحظ أن هناك أكثر من تحرك إستثنائي داخلي للحكومة والمعارضة للتغطية على هذا الإستفتاء وإلهاء الشعب عنه.

·   إذا لم تكن نتائج هذا الإستفتاء ملزمة قانونياً . فهو ملزم معنوياً ويعطي مطالب دينكا نقوك ورقة عرفية قابلة للتقنين لاحقاً من باب التسليم بالأمر الواقع. ومطالبات بأخذ (شرعية الصناديق) في الإعتبار.

·   هل باع البعض أرض أبيي مقابل حفنة من الدولارات ، وشحنات بترولية تذهب إلى حسابات شخصية في بنوك ماليزيا وسنغافورة ودبي وأندونيسيا؟

...........................
 
 
إن أبرز ما يخطر على البال عند النظر في الإستفتاء من طرف واحد الذي نفذته قبائل دينكا نقوك في منطقة أبيي تحت سمع وبصر حكومتي جوبا والخرطوم والإتحاد الأفريقي ......  الذي يلفت النظر أنه قوبل بصمت مخجل من جانب كافة الحركات المسلحة المتمردة على نظام المؤتمر الوطني الحاكم . أو كأن ّ إقليم أبيي لايعني للجبهة الثورية وأخواتها وبنات عمها  شيئاً ، وأنه ليس جزءاً عزيزاً من أرض السودان .... فهل قبض الجميع الثمن البخـس ؛ وصار التقسيم الجهوي القبلي للسودان أمراً واقعاً متفق عليه ؛ ولا ينتظر تنفيذه سوى الوقت الملائم أم ماذا؟

بل ولاحظنا أن هناك أكثر من تحرك إستثنائي داخلي قام به رئيس الجمهورية . ونشاط مسلح مفاجيء بعد سبات عميق للجبهة الثورية في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان . وصدور بيانات مفرقعة عن الإستيلاء على بعض المدن والحاميات .... ثم وحركات مسرحية لبعض زعماء ورموز المعارضة في الأحزاب القومية السياسية ؛ في توقيت هذا الإستفتاء بالذات .... ولدرجة كاد فيها هذا النشاط المشبوه في هذا التوقيت بالذات أن يغطي على إستفتاء دينكا نقوك ويشغل البال عن مناقشته والبحث في تداعياته .

مثل هذه "الحركات المسرحية" لا نعتبرها محاولة لدس الرؤوس في الرمال بقدر ما نظن أنها مقصودة عن عمد ؛ وكحلقة في مسلسل تنازل العار التاريخي المخجل عن منطقة أبيي لدولة جنوب السودان .

ثم كانت الملاحظة الأخرى صدور بيانات خجولة وعلى إستحياء برفضه من جانب حكومة المؤتمر الوطني وما يسمى بلجنة الأمن والسلم الأفريقي و"خبثاء أفريقيا" الذين لايثقون في كل ما هو عربي أو يمت إلى العروبة بصلة دم أو لسان وثقافة .. ويرغبون في تحويل السودان إلى دولة أفريقية  كاملة الأوصاف حتى لو تعارض ذلك مع كافة المعطيات الديموغرافية والثقافية السائدة. أو أدى إلى تقسيمه إلى عدة بلدان قبلية هامشية قارية طفيلية متسولة.

إن أول سؤال يطرح نفسه هنا هو :

-    لماذا لا يذهب المسيرية إلى إجراء إستفتاء مماثل لتفريغ نتائج ومعطيات إستفتاء  دينكا نقوك من معانيه؟

وهل يظن المسيرية أن حكومة الخرطوم ولجنة "خبثاء أفريقيا"برئاسة ثومانبيكي ستكونان أحرص منهم على إبقاء أبيي ضمن إطار السودان الموحد ؟

أم هل يظن المسيرية أن أرض أبيي قسائم أراضي سكنية ؛ وينتظرون من حكومة الولاية تخطيطها وتقسيمها عليهم بالقرعــة وشختـك بخـتـك؟

أم هل يظن المسيرية أن التعويض المالي عن أرضهم سيكون أقل تكلفة من القتال ويا دار ما دخلك شر؟

بل وهل يظن المسيرية أن العالم أجمع سيكون أحرص منهم على إبقاء أبيي ضمن حدود أرضهم ؟

ألا يعلم المسيرية أن الأرض هي صنو العرض؟

ألا يعلم المسيرية أن التفريط في الأرض كالتفريط في الشرف؟

وهل يخاف أهل الأرض الحرب ؟؟ ... فلتكن إذن الحرب وتسيل الدماء النبيلة رخيصة في سبيل الحفاظ على العرض وصيانة الشرف.

أولم يسمع المسيرية بقول الشـاعر:

( لايسلم الشرف الرفيع من الأذى ...... حتى يراق على جوانبه الدم ) ؟

إذا كانت قبائل دينكا نقوك قد ترجمت الأقوال إلى أفعال ؛ فنحن أولى الناس بترجمة أقوالنا إلى عشـرة أمثالها أفعال.

فإلى متى يظل نحاس المسيرية نائماً في بيته يعلوه التراب ؟

 

أما آن لخيول المسيرية العاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا أن تنفض عن حوافرها النمل والسوس؟

 


إذا كان دينكا نقوك يرغب بمثل هذا الإستفتاء أن يمسك في يده ورقة ينافح الغير بها ويحتج ويدافع . فلا أقل من أن يحرص المسيري بالحصول على نفس الورقة حتى تتعادل الكفتان.

إن التكاسل وهز الكتفين واللامبالاة والذهاب للنوم في العسل ، عقب الإستماع إلى مقولات الحكومة السودانية وحكومة جوبا بأن هذا الإستفتاء غير شرعي ولا يلزم أحداً ليس كافيا . بل هو قول يصاغ ويفهم ضمن (إكليشيهات سياسية) للحكومات بغرض التهدئة ؛ ومن قبيل إظهار خلاف ما تضمر والتمنع وهي راغبة.

ثم أن الحكومة لو كانت جادة لذهبت إلى منع مثل هذا الإستفتاء بما تمتلكه من حق في إدارة منطقة أبيي.

وكذلك كانت قد فعلت كل من حكومة دولة جنوب السودان من جهة . ومنظمة الإتحاد الأفريقي من جهة أخرى لو كانتا جادتان في رفض إجراء هذا الإستفتاء من جانب واحد ؛ وبهذه الآلية الغير شفافة وسط أفراد قبيلة تزيد معدلات الأمية فيها عن نسبة 99% .

لماذا إنتظر كل هؤلاء حتى إقامة الإستفتاء ؛ ثم التحرك بعد ذلك للمطالبة بإلغاء نتائجه؟

هل أصبح دينكا نقوك بحكم الأمر الواقع دولة داخل دولة؟
 
 
إن كافة التصريحات التي تصدر عن حكومات وأحزاب سياسية ومنظمات إقليمية وعالمية في هذا الوقت بالذات تظل محض مسكنات ، وهدفها الخفي السماح بتمرير هذا الإستفتاء تمهيداً لوضعه غداً على طاولة المفاوضات ، والضغط به كورقة فاعلة في مواجهة حكومة حزب المؤتمر الوطني التي لم تعد في حاجة إلى ضغوط خارجية بعد أن بلغ بها الجهد والإفلاس والعزلة الداخلية والإقليمية والعربية والدولية كل مأخـذ . وعلى نحو أضحت فيه حكومة "تنازلات" بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى . وفي كل الإتجاهات والحقول التكتيكية والإستراتيجية والأمنية على حد سواء.

هناك مشكلة كأداء متمثلة في وزارة الخارجية السودانية وما آلت إليه أوضاعها وأسلوبها الباهت الفاشل في النشاط الدبلوماسي .. مشكلة يدركها الجميع الآن ويشير إليها كل مراقب بالبنان... ويبدو أن "قرارات الصالح العام" قد فعلت مفعولها السام أكثر ما فعلت في هذه الوزارة بالذات ؛ التي كانت تؤدي مهامها الدبلوماسية بمهنية وإحترافية راسخة المقام فيما مضى . وحافظت على كوادرها وتناغم إيقاعها طوال تقلبها بين العهود والحكومات مابين عامي 1956م و 1989م بوصفها (وزارة السودان) وليست وزارة حزب وكيان.
 
وقد أصبحنا نرى وزارة الخارجية تعمل وفق أسلوب "جاء يكحلها عماها" تارة ... و "خربانة أم بنايـاً قــش" تارة أخرى .... ففي الوقت الذي بذلت فيه جهد المكثر وأنفقت فيه الملايين من العملات الصعبة للحصول على  دعم أفريقي بشأن المحكمة الجنائية . إذا بها تجعل من الرئيس البشير كبش الفداء .. وفي الوقت الذي صممت فيه الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة للرئيس البشير إذا بالأمر يتحول إلى لطمة مهينة ساخرة .. وأما عن ذهاب البشير للسعودية للقاء مليكها أو ترويكيا الحكم فيها عبر أدائه لفريضة الحج فحدث عن ذلك ولا حرج .. وليته لم يذهب . فقد إنتهى الأمر بأن جرى توسيط الشيخ السديس خطيب وإمام المسجد الحرام لأجل الحصول على مجرد إستقبال ومصافحة من ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز . وكان ملحوظاً حرص الإعلام السعودي الرسمي التقاط صورة اللحظة التي قدم فيها الشيخ السديس الرئيس عمر البشير لولي العهد السعودي ؛ والذي إكتفى بمصافحته بيده اليمنى فقط دون أن يحضنه وتبويس لحيته ذات اليمين وذات اليسار كما جرت عادة العرب أو كما فعل مع غيره من رؤساء وزارات .....  بل ودون أن تلتقي عيناه بعينيه وفق ما وضح من الصور التي كانت واضحة الرسالة ودون لبس أو مجال للشك ..
الشيخ السديس يقدّم الرئيس عمر البشير لولي العهد السعودي
 
ثم كانت الطامة الكبرى حين بترت صحيفة الشرق الأوسط السعودية المقربة للعائلة الحاكمة صورة البشير التي جمعت بينه وبين الأمير سلمان ورؤساء تركيا وباكستان جلوساً على الكراسي ......  وحيث تقتضي بروتوكوت مثل هذا اللقاء أن يقوم رئيس المراسم بتقديم الضيف إلى المضيف وليس خطيب وإمام المسجد الحرام الذي بدأ وكأن الرئيس البشير قد دخل القاعة في معيته وتحت "كفالته".
 
 
ولم يتم الإكتفاء بهذا التكحيل المعمي . بل نرى وزارة الخارجية قد رسمت زيارة لا معنى لها للرئيس البشير إلى دولة جنوب السودان التي كانت فيما مضى مجرد إقليم تابع له . وكيف كان هزالة مقاصد تلك الزيارة التي يبدو أن الخارجية السودانية قد ظنت أنها والحج إلى بيت الله الحرام كفيلتان بإعادة الهيبة الداخلية لحزب المؤتمر الوطني عقب أحداث 23 سبتمبر ... وهو ما جعل البعض يتساءل مستغرباً عما إذا كان قرار إعفاء حملة جوازات السفر الديبلوماسية ورجال الأعمال في البلدين من الحصول على تأشيرة دخول يستاهل سفر رئيس جمهورية السودان إلى جوبا لتوقيعه؟
إننا لا نفهم كيف أنه وفي الوقت الذي تنشط فيه حكومة المؤتمر الوطني في الضغط على أبناء شعبها وتضيق بهم وبالرأي الآخر حتى لو كان بدرجة الناصح الأمين .. كيف نجدها تتعامل مع كل ما هو متعلق بحكومة جوبا بطريقة هلامية مستكينة غاية في الإنبطاح والهوان .. والسبب بالطبع خوفها من ردود الأفعال الأمريكية السالبة عندما يتعلق الأمر بدولة جنوب السودان ، والظن الكاذب بأن الولايات المتحدة لاتغض الطرف عن ما يجري بين حزب المؤتمر الوطني وعامة الشعب في السودان من حراك حاكمي إلا كثمن لرضاء حكومة الخرطوم بالإنبطاح أمام جوبا ودينكا نقوك.

واقع الأمر أن حكومة الخرطوم واهمة في كل ما تظن أو ما جرى الإيحاء لها به في جدلية هذه العلاقة بينها وبين جوبا من جهة وواشنطون من جهة أخرى.

الطريف أن واشنطون لم ترضى في يوم من الأيام عن حكومة المؤتمر الوطني أو حكومة الإنقاذ بغض النظر عن المسميات والعناوين ... وهي لن ترضى عن هذه الحكومة حتى يلج الجمل في سم الخياط .... وستظل واشنطون تطالب الخرطوم بمزيد من التنازلات الأقسى كلما رضخت الخرطوم وقدمت التنازل تلو الآخر.

ولا ندري إلى متى تظل حكومة حزب المؤتمر الوطني تقدم التنازلات  بلافائدة ترجـى أو تلوح في الأفق البعيد.