كذب الإصلاحيون ولو صدقوا
مصعب المشرف:
كل
إناء بما فيه ينضح .. وتكوين غازي العتباني ومجموعته حزب إسلامي جديد بعد الإنشقاق
عن الحزب الأم لن تكون على المدي الطويل أكثر من زوبعة في فنجان لسبب بسيط هو أنهم
لن يأتون بجديد . ولن يستطيع العتباني ومجموعته إقناع الشعب السوداني بأنهم الإمتداد
الملائكي لشياطين الإخوان. ومن ثم إقناع الجماهير الثائرة بالصبر على الوضع القائم
عل وعسى يتم تغييره من الداخل بعد حين.
ربما
وجدت خطوة الإصلاحيين الجدد بعض الترحيب في الشارع ولدى أروقة المعارضة ؛ لسبب
أنها جاءت إنشقاق وتفريغ صوتي عالي في صفوف الحزب الحاكم في هذا الظرف والوقت الشديد
الحساسية بالذات ...... هذا كل ما في الأمر.
ثم
أن الذي عزز من علو صوت هذه الفرقعة أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لم يكن بالذكاء التكتيكي
الذي توقعه البعض ؛ حيث لم يعمل على الإسراع بتعديل وزاري يجهض نجاح أية محاولة
إنشقاق داخلي ..... ولكن يبدو أن هدوء الأحوال في الشارع وبسرعة لم تكن متوقعة قد أغرت الكبار في نظام الحكم القائم بإستمرار
اللعب في الشوط الثاني من مباراة رفع الدعم والأسعار بنفس التشكيلة القائمة دون
تغيير.
على
أية حال فإن الذي ينبغي أن يعيه هؤلاء الإصلاحيون الإخوان هو أن مطالب ثورة 23
سبتمبر لم تكن في يوم الأيام إصلاح مسار الحزب الحاكم ، بقدر ما كانت وتظل إسقاط
هذا الحزب عن هرم السلطة ، والعودة لنظام ديمقراطي ليبرالي لا يعترف بالتعددية
فحسب بل يمارسها بحرية وشفافية عبر إنتخابات حرة نزيهة تضمن التداول السلمي
الدستوري للسلطة.
إن
السؤال الذي يطرح نفسه على المدى القصير هو : ما هي جدوى أن يستنسخ (الإصلاحيون)
نفس الفكرة الأساسية بوجوه قديمة ووعود جديدة وهم خارج كراسي الحكم ؟
ثم
ألم يكن هؤلاء يوماً ما في السلطة ولا يزال معظمهم داخل البرلمان؟
ألم
يكن غازي العتباني أمينا عاما لحزب المؤتمر عام 1996م واستمر حتى عام 1998م . ثم
مستشاراً لرئيس الجمهورية ؟ ...... فماذا فعل؟
لماذا
إذن يتوقع غازي العتباني ومجموعته الإسلامية الشعارات أن يتم منحهم فرصة جديدة؟...
وأين هو هذا الشعب الذي يتوقعون منه أن
يمنحهم هذه الفرصة الجديدة؟ .. وهل يعقل أن يعيد عام 1989م نفسه؟
لقد
فشل المشروع الإسلامي في الحكم لأن القائمين عليه والمبشرين به لم يستطيعوا ترجمة
الأقوال إلى أفعال.
لقد
فشل القائمون على الأمر في تطبيق المشروع الإسلامي لأن قواعد وأساسيات هذا المشروع
ليس من صنع بشر . بل هو من تقدير الخالق عز وجل . وبالتالي فإن أي إنحراف عن هذه
القواعد يكون مفضوحاً وجالبا للإستغراب والمقارنة والسخرية. ومقياساً دقيقاً ثابتاً
للفشل....... وحرام.
كان
"فقه الضرورة" يقتضي أن يلتزم
كل من يتصدى لتطبيق هذا المشروع الإسلامي أن يحرص على (ضرورة) تطبيقه على نفسه
وزوجه وولده وأهله في المقام الأول . وليس الحرص بتطبيقه على الغير من الضعفاء وحدهم
. أو أن يكون هو أول من يناقض حاله وتصرفه مقاله ... سمعنا بضرورات تبيح محظورات
.. مجرد محظورات ... لكننا لم نسمع في دين الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم بضرورات تحلل حراماً أو تحرم حلالاً على طول الخـط .... وفي كل المواسم ، طالما
كانت هذه الضرورات لمصلحة الحزب وقادة الحزب ؛ وأهلهم وذوي قرابتهم وحاشيتهم وحتى
جندهم والمؤلفة قلوبهم.
لا
نرغب في الدخول بتفاصيل وقائع وحكايات ودلالات فشل المشروع الإسلامي في الحكم .
فهذا الفشل في أمثلته وجملته وتفاصيله أصبح واضحاً جلياً لعين اليقين وملموسا ليد
المفند ؛ بعد أن ذهب القائمون على الأمر (وبالجملة) لإعمال مبدأ إعفاء الكبار
ومعاقبة الصغار.
كذلك
فشل المشروع الإسلامي بعد أن إكتشف حاملوا راياته أن ملذات الحياة الدنيا لا تدانيها لذة
.. وأن نساء الدنيا خير من حور الآخرة .... وأن ذهب وعمولات ودولارات اليوم العاجلة خير
من درجات وأجور الآخـرة التي كانوا يبشرون بها الناس قبل وصولهم إلى قمة هرم
السلطة وجلوسهم على كراسي الحكم الأخضر.
فشل
المشروع الإسلامي حين اكتشف دعاته بعد وصولهم إلى السلطة أن الإسلام ليس مجرد صلاة
وصيام وإعفاء لحى وحــفّ شوارب كما كانوا عليه زمان . بل هو ممارسة حياة من الألف
إلى الياء ... وشتان ما بين إدعاء الخلافة الراشدة وهم بعيداً عن كراسي السلطة ؛ وبين
ممارسة الخلافة الراشدة وهم على هذه الكراسي الخضرة النضرة الحلوة.
والجميع
في حزب المؤتمر الوطني وكذلك الشعبي على قناعة راسخة الآن أنه وفي اليوم الذي تتم
فيه الإطاحة بنظام الحكم القائم ؛ فلن يتمكتوا من العودة إلى كراسي السلطة أو
مفاصل الدولة مرة أخرى ولو بعد مليار عام ........ بل ربما يكون من الصعب على أناس
كثر منهم أن يجدوا مناصاً من ضرورة حلاقة لحاهم وإعفاء شواربهم وإرتداء التي شيرت
والبيرمودا المشجرة حتى يتمكنوا من مواصلة الحياة ، والسير بأمان في الطريق العام.
ماهي
الأطروحات "الراشدة" التي سيطرحها علينا حزب غازي الجديد إنشاء الله؟ ..
وما هي المأكولات والوجبات السريعة الجديدة التي سيعلمنا أكلها؟
لقد
شبع الناس وطفح بهم الكيل من مقولات ومزاعم بعودة الخلافة الراشدة التي كان يعدهم
ويبشرهم بها حسن الترابي ... وأعتقد أنه من الصعوبة بمكان أن يتمكن غازي العتباني
من إعادة إنتاج نفس الفيلم الهندي حتى لو قام بتعديل السيناريو والحوار ، وأسماء
الأبطال ووجوه الكومبارس والمنتج والمخرج ؛ بل وحتى طرق ودور العرض التلفزيوني والسينمائي
والمسرحي.
وفي
النهاية لن يكون مصير هذا الحزب الإصلاحي الذي يبشر به غازي العتباني سوى حزب شبيه
بتلك الأحزاب الشظايا المسخ التي تكونت بعد إنشقاق البعض عن حزب الأمة وحزب الوطني
الإتحادي . ثم إنتهى بها المطاف مجرد متسولين وعواليق ولواييق وطفيليات خضراء عالقة
في قعـر زيــر حزب المؤتمر الوطني الحاكم.