خطاب البشير دعوات لم تشفعها قرارات
مصعب المشرّف:
الرئيس السوداني عمر البشير
الخطاب المفاجأة المنتظر الذي ألقاه الرئيس البشير هذا المساء قوبل بإستغراب وذهول بالغين كونه لم يأت بجديد . لا بل كان مليودرامياً إنشائياً محضاً ... وجاء أقل بكثير من سقف التوقعات والآمال التي تبارى حملة الأقلام في الإستباق إلى تخيلها طوال الأيام الماضية ..
لقد بدا الخطاب وكأنّه قد تم تعديله في الثواني الأخيرة ليخرج بهذه الصورة الباهتة والأدبيات الهلامية ... هلامية لا يستشعر المرء منها سوى أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لا يزال متمترساً في خندقه القديم ؛ وليس جاداً في مسألة التداول السلمي للسلطة .... وأن كل الذي يرغب به حالياً هو إطالة أمد بقائه على كراسي الحكم والإستحواز على جميع ما تبقى ويتوفر من ثروة.
وبتركيز أكثر يمكن القول أن ما جاء في هذا الخطاب كان محض مقترحات وأمنيات ودعوات لا تشفعها ولا تصدقها قرارات.
ونرى أنه وبعد مقدمة طويلة من النصائح التي كان يجب أن يوجهها الحزب الحاكم لنفسه قبل غيره .... نرى أن خطاب هذا الحزب الذي جاء على لسان رئيسه ؛ إنما يرمي إلى أن تشاركه الأحزاب الأخرى سواء في الإنقاذ أو المعارضة .. أن تشاركه تحمل أوزاره والأثقال التي تراكمت على كاهله طوال ربع قرن من الزمان إنفرد فيها بالسلطة وإتخاذ القرار ...
والآن ليس من المتوقع أن تقع الأحزاب التقليدية في هذا المطب بأية حال من الأحوال . خاصة وأن هذه الأحزاب تتمتع بخبرة سياسية طويلة ، ولم تنشأ كنبت شيطاني ما بين يوم وليلة .
وهذه الأحزاب التقليدية لن تتبرع وتهرع لمشاركة حزب المؤتمر أوزاره لعدة أسباب منطقية أهمها أنها تتحين الفرص الآن للوصول إلى السلطة وفق الآلية الديمقراطية التعددية التي ألفتها وتأسست عليها وخبرت ممارستها .. ولا يعقل أن ترهن حاضرها ومستقبلها في ركض دائري داخل حوش حزب المؤتمر الوطني الحاكم بمثل هذه المجانية التي يتوقعها هذا الحزب الذي يستند في نشأته وإستمراره إلى إنقلاب عسكري كان تاريخه 30 يونيو 1989م ؛ مقارنة بأحزاب تقليدية ورموز سياسية وحزبية عميقة الجذور وأعرق بكثير . ونشأت في ظروف وطنية تختلف عن تلك التي شهدت نشأة حزب المؤتمر الوطني الذي لا يزال برعماً في شجرة الأحزاب السياسية السودانية .. لاسيما وأنه لم يدخل معترك السياسة من بابها الواسع . ولم يكابد أو يبني هياكله ومؤسساته على قواعد وأسس نضالية طوبة طوبة .... لا بل ولا يتوقع له أحد البقاء والإستمرارية في حالة تخلي الرئيس البشير عن رئاسته أو في حالة تم إجباره على التنحي عن الرئاسة بشكل أو بآخر نتيجة لضغوط إقتصادية من المتوقع أن تعصف بالبلاد .
كانت المفاجأة إذن أن خطاب الرئيس لم يكن يحمل مفاجأة ... وأن الذي جاء فيه كان قد قيل من قبل أكثر من مــرّة ... و 1000 مــرّة.
وفي كل الأحوال فإن الذي ينبغي على جماعة حزب المؤتمر الوطني ؛ هو أن يتوصلوا إلى قناعة بأن التجربة التاريخية تؤكد أن الأحزاب السياسية التقليدية ستلجأ إلى ممارسة تكتيكاتها التقليدية في التعامل مع الأنظمة العسكرية والشمولية والتي تتلخص في القبوع ساكنة والإنتظار إلى أن تأتي الرياح بما تشتهي سفنها..