بشارات مولد الحبيب المصطفى
(الحلقة 3/3)
مصعب
المشـرّف:
الله
أعلم حيث يجعل رسالته:
ومن
طرائف ما يروى في البشارات بمولده صلى الله عليه وسلم أن أربعة نفر من قبيلة بني
تميم خرجوا يوما في سفر . فلما شارفوا الشام نزلوا على غدير عليه شجيرات يستريحون ويتسامرون
، فسمع كلامهم راهب فجاء إليهم فقال:
- إن هذه لغة ليست بلغة اهل هذه البلاد .
- فقالوا له: نعم نحن قوم من مُضَر ،
- فقال الراهب: من اي المضرين؟
- قالوا: من خِنْدف .
- قال: اما انه سيبعث وشيكا نبي خاتم النبيين ، فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا .
- فقالوا له: ما أسمه؟
- قال: إسمه محمد .فرجع هؤلاء إلى ديارهم . فلما ولد لكل واحد منهم ولد سارع فاسماه محمداً طمعا في أن يكون هو النبي المبشر به.بشارة الأوس بن حارثة بن عامر (جد الأوس):كان الأوس والخزرج في الأصل شقيقان يمنيان ينتميان لقبيلة حِمْيَرْ . فكان للأوس ولد واحد إسمه مالك ، وكان للخزرج خمسة أولاد ذكور . فعلم الأوس من بعض الكهنة أنه سيكون من صلبه وصلب أخيه الخزرج قبيلة تحمل إسمه ؛ وأخرى تحمل إسم أخيه. يكتب لهما نصرة خاتم الانبياء وسيد المرسلين فتنالان بذلك شرف الدنيا والآخرة .فقيل أنه لما حضرت الوفاة الأوس اجتمع حوله بعضهم ومن اهله . فقالوا له يلومونه :
- إنه قد حضرك من أمر الله ماترى ، وكنا نأمرك بالزواج في شبابك فتابى ، وهذا أخوك الخزرج له خمس بنين ، وليس لك غير ولدك "مالك" .فقال لهم الأوس :
- لن يهلك هالك ترك مثل مالك ، إن الذي يخرج النار من الوثيمة (الحجارة) قادر أن يجعل لمالك نسلاً ورجالا بُسُلاً وكلٌ إلى الموت.ثم أدنى ولده مالك إليه ، وظل ينصحه ويوصيه . وارتجل قصيدة من عدة أبيات جاء في ختامها قوله:ألم يأت قومي أن لله دعوة ..... فوّز بها اهل السعادة والبرّإذا بعث المبعوث من آل غالب .... بمكة فيما بين مكة والحِجْرِهنالك فأبغوا نصره ببلادكم ..... بني عامر إن السعادة في النصرثم أسلم الروح.ومن المفارقات ان تعداد قبيلة الأوس من ظهر مالك كان في يثرب يوم ظهر الاسلام أكثر عددا من تعداد الخزرج .قصة أم قتال بنت نوفل وقيل فاطمة الخثعمية:ذكر إبن كثير في مؤلفه البداية والنهاية عن إبن إسحق قوله :(أنه عندما أخذ عبد المطلب بن هاشم إبنه عبد الله لتزويجه ؛ مرّا على الكعبة المشرفة في طريقهما . فاستوقفت عبد الله إمرأة يقال لها أم قتال من بني اسد بن عبد العزى ... وهي شقيقة ورقة بن نوفل (المعروف). فنظرت في وجهه (وكان فيه نور مضيء). فسألته إلى أين يذهب ؟
- فقال لها عبد الله: مع ابي
- قالت: لك مثل الإبل التي نُحِرَتْ عنك وَقَعْ عَـلَيّ الآن (تقصد يضاجعها فوراً ).
- فقال لها عبد الله : أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه.ثم أسرع عبد الله يلحق بأبيه . فتوجه به حتى دخل على وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وكان وهب حينذاك زعيم بني زهرة وسيدهم وقد تقدم به السن فخطب عبد المطلب السيدة أمنة بنت وهب لإبنه عبد الله ، ودخل بها عبد الله فحملت بسيد الخلق.وبعد انقضاء ثلاثة ايام من إقامة عبد الله بن عبد المطلب مع عروسه خرج يريد تجارته وأعماله . فالتقى في طريقه مرة أخرى بأم قتال التي سبق وأن عرضت عليه مائة من الإبل إن هو ضاجعها ؛ فلم تهتم به فقال لها:
- مالك لا تعرضين عليّ اليوم ما كنت عرضت بالأمس؟فقالت له:
- فارقك النور الذي كان معك بالأمس ؛ فليس لي بك حاجة .ويقال بل كانت تسمع من اخيها ورقة بن نوفل ؛ أنه قد آن أوان مولد نبي آخر الزمان . فتوقعت ان يكون في صلب عبد الله بن المطلب لِمَا عُرفَ عنه (حين تكوّنت النُطْفَة) من النور في جبهته ؛ وقيل وجهه بأكمله .وكانت بعض نساء السادة زعماء العشائر ؛ وكذلك الوجهاء والأثرياء في قريش بمكة يتداولن في جلسات الفراغ والدعة الخاصة بينهن ظاهرة النور الذي يحمله عبد الله في وجهه وجاذبيته ، وكُنّ يعترضن طريقه كثيرا بهدف إغوائه إعجابا به . ولكن الله عز وجل عصمه منهن لأمر كان مفعولا ... ولا راد لأمره عز وعلا .ومن ثم فكانت أم قتال بنت نوفل تطمع أن تكون هي أم سيد الخلق ... ومن جهلها وجاهليتها تظن ان الله عز وجل يمكن أن يجعله من لقاء حرام في رحم حرام من مال حرام . فاعترضت طريق عبد الله بن عبد المطلب حين علمت بأنه ذاهب للزواج من آمنة بنت وهب ...وهكذا جعله الله عز وجل في أشرف عنصر واطيب أصل ونسب وحسب . وحيث يقول عز وجل (الله أعلم حيث يجعل رسالته) 124 الأنعام . فكان بذلك خيار من خيار من خيار حتى ظهر آدم عليه السلام ورحم حواء رضي الله عنها.وهناك رواية أخرى تذكر أن عبد الله بن عبد المطلب عندما أخذه أبيه لتزويجه بالسيدة آمنة بنت وهب رضي الله عنها ؛ اعترضت طريقة إمراة يهودية كاهنة إسمها فاطمة بنت مُـرْ الخثعمية ، فرات النور في وجهه فقالت له:
- يا فتى ؛ هل لك أن تقع عليّ الآن واعطيك مائة من الإبل؟
- فقال لها عبد الله:أما الحرام فالممات دونه والحِلُّ لا حِلّ فأستبينهفكيف بالأمر الذي تبغينه يحمي الكريم عرضه ودينهثم أنه بعد دخوله على السيدة آمنة بنت وهب خرج بعد ثلاث ليال. فروادته نفسه للكاهنة طمعا في الإبل فذهب إليها فقالت له:
- ما صنعت بعدي في تلك الليلة ؟فأخبرها بأمر زواجه.
- فقالت له: والله ما أنا بصاحبة ريبة ، ولكني رايت في وجهك نوراً فاردت أن يكون فيّ . وأبى الله إلاّ أن يجعله حيث أراد . وأنشدت في ذلك شعرا مُطـوّل.قـصة الكتابي اليمني:ومن بين القصص الأخرى أن عبد المطلب بن هاشم خرج إلى اليمن ضمن قافلة رحلة الشتاء فنزل على حبر من اليهود ، قال عبد المطلب:
- فقال لي رجل من اهل الكتاب : يا عبد المطلب أتأذن لي ان أنظر إلى بعضك؟
- فقال عبد المطلب : نعم إذا لم يكن عورة.
- قالك ففتح إحدى منخري فنظر فيه ، ثم نظر في الآخر فقال:
- أشهد أن في إحدى يديك ملكا ، وفي الأخرى نُـبُـوّة ، وإنا نجد ذلك في بني زهرة فكيف ذلك؟
- قال عبد المطلب : لا أدري.
- قال الكتابي : هل لك من شاغة؟
- فسأله عبد المطلب : وما الشاغة؟
- قال : زوجة.
- قال عبد المطلب: فأما اليوم فلا.
- فقال الكتابي: فإذا رجعت فتزوج فيهم.فلما رجع عبد المطلب إلى مكة تزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فولدت له حمزة وصفية رضي الله عنهما . ثم زوج إبنه عبد الله بالسيدة آمنة بنت وهب (شقيقة زوجته هالة) . فولدت سيد الخلق صلى الله عليه وسلم....ونلاحظ هنا أن حمزة وصفية (رضي الله عنهما) أبناء عبد المطلب يكونان من جهة عم وعمّة أشرف الخلق . ومن جهة أخرى أبناء خالته صلى الله عليه وسلم .. فكانا لذلك أكثر رحماً ومودة إليه لما يجمع بين أبناء الخالات عادة من صلات المودة الخالصة والعطف المطبوع.... والشواهد والمواقف والأحداث الدالة على ذلك كثيرة ومتناثرة في مفاصل وحنايا السيرة النبوية الشريفة. ولكن نضرب صفحاً عن الخوض فيها منعاً للإطالة ، وتحاشيا لمتلازمة الخروج عن النَـصْ.ليلة مولد سيد الخلق:لما كانت الليلة التي ولد فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ارْتَجَفَ إِيوانُ الملك كِسْـرى (الإيوان قاعة ضخمة) . وسقطت منه أَربعة عشر شُرْفةً . وخَمِدَتْ نار فارِسَ المعبودة ولم تَخْمَدْ قبل ذلك مائة عام. وغاضت بُحَيْرَة ساوَةَ (جنوب العراق).ومن شواهد تلك الليلة العظيمة ؛ أ، المُوبِذانُ (رئيس القضاة في فارس) ... رأىَ إِبلاً صِعاباً تقود خيلاً عِراباً قد قطعت نهر دِجْلَة وانتشرت في بلاد فارس (إيران حالياً) .وكان الملك كسرى قد فزع لإهتزاز الإيوان وسقوط الشرفات الأربعة عشر . وداخلت نفسه الكثير من الحيرة والتشاؤم.فلما أَصبح ظل مغموماً . وذهب إلى ديوان ملكه فجلس على عرشه وألبسوه التاج ؛ ثم أدخل عليه مَرازِبَـتِه (فرسانه) وأطلعهم على ما جرى . وطلب تفسيراً لذلك ...... وأثناء ذلك ورد عليه تقرير بخمود النيران في المعابد.ثم دخل عليه المُوبِذانُ فحكى له أنه رأى في منامه إِبلاً صِعاباً تقود خيلاً عِراباً قد قطعت نهر دِجْلَة وانتشرت في بلاد فارس.فقال له كسرى:
- وأَيُّ شيء يكون هذا؟قال الموبذان:
- حادث من ناحية العرب.فبعث كسرى إِلى النعمان بن المنذر: أَنِ ابْعَثْ إِليَّ برجل عالم ليخبرني عما أَسأَله ؛ فَأرسل إِليه بعبد المَسيح بن عمرو بن نُفَيلَة الغسَّانيّ، فأَخبره كسرى بما رأَى ؛ فقال له عبد المسيح :
- علم هذا عند خالي الكاهن سَطِيح.فقال كسرى:
- أذهب إليه وسَلْه ؛ وأْتنِي بجوابه سريعاً.سافر عبد المسيح حتى وصل إلى سَطِيح فوجده في الرمق الأخير على فراش الموت . فلما عرف سطيح بمقدم عبد المسيح ووقوفه إلى جانب فراشه رفع رأسه ينظر ثم قال له :" عبدُ المسيح، على جَمَل مُشيح، أِتى سَطيح، وقد أَوْفى على الضَّريح، بعثك مَلِكُ بني ساسان، لارتجاس الإِيوان، وخُمُود النيران، ورُؤيا المُوبِذان، رَأَى إِبلاً صِعاباً، تَقُود خَيْلاً عِراباً، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها ، يا عَبْدَ المسيح إِذا كثرت التِّلاوَة، وظهرَ صاحب الهِرَاوَة، وفاض وادي السّمَاوَة ، وغاضَتْ بُحَيْرَة سَاوَة، وخمدت نار فارس ، فليست بابل (يقصد العراق) للفرس مقاماً ولا الشام لسطيح شاما ، يملك منهم مُلوكٌ ومَلِكات، على عددِ الشُّرُفاتِ ، وكل ما هو آتٍ آت " .ثم فاضت روح سطيحح بعدها على الفور.... وقيل مات سطيح بالشام عن عمر ناهز 300 سنة. وربما يكون سطيح هذا إسم لكاهن آخر معاصر لتلك الحقبة ؛ غير الكاهن سطيح اليمني الذي وردت سيرته في الحلقة الأولى من سلسلة هذه المقالة.أما عبد المسيح فركب راحلته وعاد من وقته إلى كسرى يَخبره بقول الكاهن سطيح.فقال كسرى:
- إلى أَن يملك مِنّـا أَربعة عشر ملكاً تكون أُمور .....فملك منهم عشرة ملوك في أَربع سنين لا أكثر ، وملك الأربعة الباقون إِلى زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم بادت الأكاسرة عن بكرة أبيهم ؛ وأصبحوا في ذمة التاريخ.وآخر ملوك الفرس الأكاسرة كان الملك يَزْدجُرْدْ بن شهريار بن أبرويز بن هُرْمُز بن أنُوشَرْوان ؛ بعد أن ظل ملك اسرته مدة 3164 سنة حين تاسس على يد خيومرت بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام.ووادي السماوة الذي ورد ذكره في مقالة الكاهن سطيح يقع جنوب العراق . وهناك مدينة بهذا الإسم على ضفتي الفرات .. ومنهم من يقول أن وادي السماوة هو وادي الرافدين...والهِراوةُ التي أشار إليها الكاهن سطيح هي العَصا، وقيل: العصا الضَّخمةُ، والجمع هَرَاوَىَ. وتسمى الهراوة الضخمة في السودان " قـَرْجَة " . ويقصد الكاهن سطيح بقوله (صاحب الهراوة) رسولَ الله،صلى الله عليه وسلم، . هكذا أخبرت به الجان الكهنة قبل أن يولد عليه الصلاة والسلام . فكان بالفعل يُمْسِك العصا بيده كثيراً ، وكان يُمْشى بالعَصا بين يديه وتُـغْـرَزُ له فيُصَلِّي إِليها،صلى الله عليه وسلم . ومن المرسلين أولي العزم الذين حملوا العصا في أيديهم كان موسى عليه السلام أيضاً ... وقد ورد ذكر عصا موسى في القرآن الكريم . وكذلك كانت منسأة سليمان عليه السلام (والمنسأة هي العصا) . وربما كان لاشتغال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهنة الرعي في صباه ثم ميله للخلاء أثـره في دأبه على حملها.وتعتبر العصا من مقتضيات الرجولة في الأرياف السودانية . ولها عدة مسميات بحسب النوع والإستعمال . والبعض يستعيض عنها بفرع صغير طري من فروع الأشجار يسمى " مُـطْـرَق ".وللعصا والعكاز والقرجة والمُطرق والبصطونة وحتى الشِـعـبَة إستخدامات كثيرة ؛ يهش بها صاحبها على غنمه ، ويقود حماره ويتوكأُ عليها ..... وله فيها مآرب أخرى ليس أقلها إستكمال الوجاهة مع العِمة والسِديري والجلباب ، والدفاع عن النفس في مواجهة الغائر من الناس ، والزواحف خاصة الثعابين والأفاعي ، وكذلك الوحوش كالذئاب والمرافعين والكلاب المسعورة.ويبقى بعد كل هذا التذكير بأن الإسلام منذ سطوع فجره قد حارب الكهانة بقوة . فجعلها والكفر صنوان داخل سلة واحدة .والكهانة تختلف عن السحر إختلافاً جذرياً . فهي تختص بمحاولة إستقراء المستقبل أو دلالات وملامح منه ....وهي كما أسلفنا تتلقى بعض معلوماتها من الجان تارة ؛ وعلم مواقع النجوم والأبراج وحركة الكواكب تارة أخرى ....وقد راجت الكهانة كثيراً قبل الإسلام . فكانت علماً قائماً بذاته وبرع فيها كثيرون .. وكان الكاهن يلقى رعاية خاصة من الملوك والحكام ويتمتع بحمايتهم .ولكن الكهانة بعد الإسلام لم تجد تشجيعاً وتمويلاً من الملوك والحكام . ونراها تنحصر الآن في علم النجوم والأبراج وحركة الكواكب وحدها وانقطعت صلتها بالحان على ما يبدو.(النهاية)