موسيفيني وعقار هل يصبحان طيزين في لباس؟
مصعب المشرّف:
الرئيس اليوغندي "يوري موسيفيني"
التدخل اليوغندي العسكري في حرب دولة جنوب السودان الداخلية لا يبشر بخير أبداً في ظل قراءة مبدئية لتاريخ وقناعات و "أحلام زلوط" يوري موسيفيني الذي يحلم بإنشاء ما يسميه "إمبراطورية التوتسي" الوراثية الكبرى في وسط أفريقيا ومنطقة البحيرات . على ظن واهم منه أن الولايات المتحدة وإسرائيل يمكن أن تسمحا بتحقيق أحلامه الحمقاء هـذه ....
لقد شهدنا دائماً وخلال تاريخ ألـ CIA الطويل ؛ أنها دائماً ما تذهب مع "الكذاب" حتى خشم الباب .. ثم ما تلبث أن تعلق له الحبل لتشنقه على حلق هذا الباب نفسه ... هكذا فعلت مع صدام حسين ثم القذافي ؛ وغيرهم من رؤساء وساسة تمددت أحلامهم إلى مساحة أطول من قامتهم وقدراتهم.
وبغض النظر عن واقع المعارضة الداخلية وجيش الرب وقدرات يوغندا المالية الشحيحة ، وإقتصادها المعتمد على زراعة البن وتصديره خاماً لبريطانيا دون قدرات صناعية تؤهلها لتحميصه وطحنه وتعبئته وتسويقه ... ثم وبالنظر إلى مساهمات التوتسي الحضارية المعدومة تقريباً ... فإنه بغض النظر عن هذا الواقع المزري الذي يحول بين يوري موسيفيني وبين تحقيق أحلامه الحمقاء هذه . فإن الذي يقلق جيرانه هنا أنه يحلم.
وحين يكون لدى رئيس دولة أفريقية مّا حلم بالزعامة والإمبراطورية ؛ فمعنى ذلك أن جيرانه من الدول الأخرى سيعانون من الأصوات التي تصدر عنه جراء كوابيسه المزعجة.
فأمثال هذه الأحلام التي يشتهر بها بعض رؤساء القارة ، والتي عادة ما تكون دونكيشوتية ؛ لا تؤدي سوى إلى توظيف النعرات القبلية ، وإستقدام المرتزقة ، وإثارة المشاكل والتوترات في الدول المجاورة . وإضاعة الزمن والمال والموارد الإقتصادية لشعوبها . وتربك خطط أنظمتها الحاكمة في سعيها لتحقيق تنمية.
وعلى سبيل المثال فقد كانت لأحلام معمر القذافي وحماقاته الرعناء بأن يكون زعيما للعالم العربي ثم ملكاً متوجاً لأفريقيا .... كانت فيها العظة والعبرة لما يمكن أن تسببه مثل هذه الأحلام والحماقات من عواقب وخيمة ، وعوامل عدم إستقرار للغير قبل أن يمضي أصحابها إلى مزابل التاريخ .
وها همُ اليوم قبائل دولة جنوب السودان يعانون الأمرين من عواقب أحلام وطموحات موسيفيني ، التي ترجمها لديهم على هيئة مجازر وقتل جماعي وتعميق للنعرات بين الدينكا والنوير ..
وكان الهوتو في رواندا بالأمس القريب قد عانوا الأمرّين على يد مليشيات قبيلة التوتسي الرواندية الذين تلقوا تدريباتهم وتمويلهم في يوغندا موسيفيني . على ظنٍ ساذجٍ منه إن سيطرتهم على مقاليد الثروة والسلطة في رواندا سيكون تحقيقاً لبعض أحلامه المشار إليها في إنشاء إمبراطورية التوتسي الكبرى الذي سيتربع على عرشها ويرثها إبنه موهوزي من بعده .... ويا بـلاش.
لا نرغب أن نجاري موسيفيني في أحلامه بالسرد المطوّل وبما لاطائل من ورائه في حالته المرضية الميئوس منها هذه . فمثل هذه الأحلام والطموحات بإنشاء الممالك المترامية الأطراف ، والإمبراطوريات الكبرى على نسق الإسكندر الأكبر ، وجنكيزخان ، وسلسلة الرايخ الأول والثاني والثالث قد عفا عليها الزمن الآن . ولم تعد تصلح حتى للتأليف الأدبي الإنشائي ناهيك عن التطبيق ..
وحيث لا يعقل أن ترهن دول حلف الناتو الكبرى وإسرائيل مصالحها في أفريقيا عامة ، ومنابع وحوض النيل خاصة إلى رجل أوحد قوي أو إمبراطورية يتحقق لها أسباب القوة السـوبر ؛ وعلى نحو يجعلها قادرة مستقبلاً على بسط سيطرتها على أفريقيا . وفرض شروطها ومناطحة حلف الناتو وإسرائيل ، وتهديد مصالحهم الإقتصادية في الإبقاء على القارة السوداء مصدراً للمواد الخام الرخيصة من معادن ومحاصيل ؛ لا بل وحتى معروضات حدائق الحيوان لديهم ......
بالطبع ؛ وعلى موسيفيني وغيره أن يدرك أن مثل هكذا خطأ إستراتيجي وخيم لن تقع فيه إسرائيل أو الولايات المتحدة وبقية حلفائها الكبار (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ) في حلف الناتو بأية حال من الأحوال .... أو حتى إذا أقسم لهم موسيفيني بتربة والده أن يقلب لهم البحر طحينة ؛ ويسقيهم من الفسيخ شربات.
هذه الدول الكبرى تتمتع بالمؤسساتية . وبالتالي فأنها لا تتعامل وفق العلاقات الشخصية ، وبقصر النظر الذي يتعامل به الساسة والأنظمة الحاكمة في دول القارة السوداء المتخلفة.
ثم أنه إذا كان موسيفيني (70 سنة) حليفاً لإسرائيل وألـ CIA اليوم ؛ فما الذي يضمن لإسرائيل والولايات المتحدة أن يستمر هذا التحالف غداً بعد ذهابه على يد عزرائيل أو الشعب في الإمبراطورية؟
واقع الحال وطبيعة العلاقات الدولية يؤكد جميعها إذن أن سعي وآمال وخطط موسيفيني بإنشاء إمبراطورية التوتسي الكبرى لن تكون سوى أضغاث أحلام لا يتعدى مداها أكثر من إرتفاع سقف حجرة نومه.
ثم يبقى بعد ذلك الأثر الذي تتركه هذه الأحلام من سلبيات . وما تجرّه من كوارث وخراب وتخلف تنموي على شعبه أولاً بالضرورة .. وقلاقل لا معنى لها لجيرانه في رواندا وتنزانيا وكينيا وأثيوبيا ودولة جنوب السودان .... ثم توترات أمنية داخلية للسودان ....
ويبدو أن موسيفيني يتعامل مع أحلامه الإمبراطورية الكبرى هذه وهو يضع نصب عينيه واقع ومأزق حكومة حزب المؤتمر الوطني في الخرطوم ... لا بل وكأنّه يظن أن لا أحد يقف في طريقه الذهبي نحو العرش العاجي سوى الخرطوم ..... وبالتالي فهو يستسهل الأمر على إعتبار أن عزلة حكومة الخرطوم الرباعية في الداخل وأفريقيا وعربيا وعالمياً ..... على إعتبار أن هذه العزلة الإستثنائية تعبد الطريق أمامه سالكاً لإقناع إسرائيل والولايات المتحدة ، وحلف الناتو والصليبية العالمية ، والإتحاد الأفريقي للسماح له بإنشاء أمبراطوريته الكبرى بمثل هذه المجانية.
وهنا يكمن الخطأ الإستراتيجي في خطط موسيفيني . فهو يغفل دور الكونغو وكينيا وأثيوبيا ودولة جنوب أفريقيا في إجهاض مساعيه حاضراً ومستقبلاً . وعلى إعتبار أنهم الأكثر تضرراً على المستوى الإقليمي في القارة .
ولكن ؛ وبعد كل هذا . فعلى حكومة المؤتمر الوطني في الخرطوم أن لا تذهب لتنام غريرة العين وتشخر متكئة على كتف وزير خارجيتها "علي كرتي" وتصدق تقاريره المفعمة بالتفاؤل ؛ وخُلاصة التمكين الأخضر للقصر الجمهوري في العالمين الأرضي والسماوي على إيقاع نسيم الليل الهادي وألحان زورق الأحلام ......
إن أقل ما يمكن توقعه اليوم وبعد دخول الجيش اليوغندي مفاصل الحرب الدائرة في دولة جنوب السودان . وبعد أن أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحدود السودانية .... إن أقل ما يمكن توقعه من أخطار هو دعم الجيش اليوغندي المباشر الفاعل للجبهة الثورية على مختلف الأصعدة . وإجبار حكومة جوبا تحت قيادة سيلفاكير المسلوب الإرادة كي يقوم بتمويل الجبهة الثورية بالمال والعتاد واللوجستيات ... وربما لن يطول الأمد حتى يمتد الدعم ليصبح على هيئة المشاركة "طيزين في لباس" مع قوات الجبهة الثورية في زحف عسكري منظم للإستيلاء على الحكم في الخرطوم .
قادة الجبهة الثورية برئاسة مالك عقار
لقد تعلّل موسيفيني بغطاء حكومة سيلفاكير كي يضفي الشرعية على تدخله السافر في الحرب الأهلية بدولة جنوب السودان .. ومن ثم فلن يعدم الوسيلة نفسها للتدخل إلى جانب الجبهة الثورية لقلب نظام الحكم في الخرطوم ..... الخرطوم التي يبدو أنها لم تترك للجبهة الثورية خياراً آخر بعد تقدمها في أعماق أراضيها التقليدية في النيل الأزرق وجنوب كردفان ؛ ومحاصرتها لها داخل مناطقها الحيوية. تطبيقاً لخطة نافع علي نافع التي ترمي إلى حرمان قوات الجبهة الثورية من مصادر أرزاقها الأساسية بإجهاض موسمهم الزراعي وطرد ما بأيديهم من الثروة الحيوانية.
على أية حال ؛ فإنه وفي جميع الأحوال ؛ ينبغي على البعض في الخرطوم أن يكون على دراية بأن الجبهة الثورية لا يمكن إغراؤها بعظْمة الإنفصال ... فالإنفصال عن السودان ليس من أهدافها . وذلك لعدة أسباب جيوسياسية إستراتيجية وإجتماعية ، وتداخلات قبلية وسكانية تختلف في عمقها وتعقيداتها عن تلك التي كانت بين الشمال والجنوب السابق ..... وحيث لا يعقل أو يستقيم أن تناضل الجبهة الثورية اليوم للإنفصال عن شريانها الإقتصادي وزخمها التاريخي والحضاري الذي شاركت به في بناء السودان منذ آلاف السنوات ؛ لترتمى غداً متمزقة غريبة مهمشة تاريخيا وحضارياً بين تشاد وأثيوبيا ودولة جنوب السودان. فتتحول إما لأقليات إثنية وإسلامية وسط قوميات متماسكة النسيج ؛ أو لتغرق في لجج محيط مسيحي مترامي السواحل تدعمه الصليبية العالمية وقوى الإستكبار.
نافع علي نافع
إن على حكومة الخرطوم إذن أن تقتنع أولاً ؛ وفي صراعها مع الجبهة الثورية ؛ بأنها تتعامل مع تمرد جهوي عسكري سياسي غير إنفصالي. هذه الجبهة الثورية التي يبدو أن رقعتها تتسع يوماً بعد يوم في ظل تمترسها العنيد داخل مجالاتها الحيوية . وتستظل في أدبياتها بسحابة الفساد المالي والإداري السوداء التي تغطي كافة الولايات . ثم وما تمخضت عنه سياسات الصالح العام و التمكين والمشروع الحضاري الكاذب من جراح وحزازات وإنعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم .... وحيث كانت ولا تزال الأقوال لا تصدقها ولا تشفعها الأفعال فحسب ؛ بل تتناقض معها على طول الخط ؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بتقسيم قُـرّاصَـة الثروة.