مهرجان بورتسودان للجَـرَبْ
والدَرَنْ
الوصول للعالمية ..... يافطات كاذبة في الخــلاء المهجور .. وغطس في الرمال
بعضنا
؛ وعندما لا يجد أحد يضحك عليه فإنه يواصل الضحك على نفسه ... وهذا ما بدت عليه حكومة
ولاية البحر الأحمر في محاولتها البائسة إعطاء الإنطباع الكاذب بأن كل الأمور تسير
على أفضل وجه في هذه الولاية التي تعاني الأمرين من سوء الخدمات والفقر والخلافات
السياسية . والتوترات ما بين تذمر هذه القبيلة وتلك من التهميش وعدم توافر الخدمات
الضرورية . والذي يهدد بتفكك النسيج الإجتماعي وتحولها إلى دارفور أخرى.
وبدلا
من محاولات الكنس تحت السجادة ؛ فإنه ينبغي أن يتم تدارك الأمر ، ويجري التعامل
بواقعية وعقلانية مع مشاكل هذه الولاية المزمنة . وتوفير ما يمكن توفيره لأجل مصلحة
وإنصاف إنسان الولاية ؛ بدلاً من تشتيت الإمكانيات المتاحة فيما لا طائل من ورائه
وركوب حمار النوم ....
من
ضمن وعود الرئيس عمر البشير في خطابه
بمناسبة إفتتاح مهرجان (التسوق والسياحة) المشار إليه . فوجئنا بقوله أنه يريد أن
يصبح مهرجان بورتسودان للتسوق والسياحة مثيلاً لمهرجان دبي .. لا بل وأن تتفوق
بورتسودان على دبي وهونغ كونع في هذا المجال . وأن يأتي العالم كله إلينا في
بورتسودان ..... ولا أدري من أين جاءت هذه الفكرة على لسان الرئيس عمر البشير ..
هل هي من وحي قناعته الذاتية ؛ أم أنها من
إيحاء والي ولاية البحر الأحمر؟؟؟
على
أية حال ؛ يقولون أن أعذب الشعر أكذبه . وعلى هذا النسق يكون كذلك كلام وتصريحات
ووعود الساسة من فوق المنابر الخطابية بهدف إلهاب مشاعر الجماهير لا غير ؛ لاسيما
وأنه ليس على الكلام جمرك في ميناء بورتسودان.
الوصول للعالمية أم الوصول لشربة ماء؟
ولا أدري ما هي الحكمة من محاولة حكومة هذه
الولاية الكوميدية لمحاكاة إمارة دبي بإقامة مهرجان تسوق وسياحة في مدينة
بورتسودان التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية في كل شيء ؛ خاصة في مجال توفير مياه
الشرب والكهرباء ، والعديد من البنيات الأساسية الأخرى إلى جانب الخدمات الصحية .
وحيث لايمكن أن تقطع رئاسة هذه الولاية الطريق على كل هذه المشاكل الحيوية بإقامة مهرجان (ساذج) للسياحة والتسوق
بلا مقومات حقيقية ... وحيث من المحال أن
يصنع هؤلاء من الفسيخ شربات.
الذي
يفهمه الناس ويلمسونه من أغراض مهرجانات دبي للتسوق والسياحة ؛ هو تقاطر الملايين
من مختلف بقاع العالم للمشاركة بالشراء . وصرف مدخراتهم من العملات الصعبة ، وضخها
في شرايين إقتصاد هذه الأمارة التي تتمتع أصلا بالرفاهية الذاتية من مداخيلها
البترولية ، وأسلوب إدارة شفاف يجري تطويره بإستمرار منذ عام 1902م على أحدث
الأنظمة العالمية التي تفترضها علوم الإقتصاد لجهة الأسواق الحرة.
في
بورتسودان تضحك رئاسة الولاية على نفسها حين تقيم مهرجان تسوق وسياحة على الأنقاض
والركام والسخام ورائحة الأسماك النافقة وفضلات الغربان ... وتختصر المكان في شارع
مسفلت طوله لا يزيد عن 2 كيلومتر وملعب كرة قدم عتيق البناء ؛ يلزم لإنارته ضرورة قطع
التيار الكهربائي (المحدود أصلاً) عن كافة أنحاء ولاية البحر الأحمر مؤقتاً وإلى
حين إنتهاء الحفل الغنائي....
وحتى
تكتمل عناصر الضحكة على الذات ؛ يأتي بعض المسئولين في ولاية البحر الأحمر ببعض المهندسين
والموظفين الصينيين والأجانب المبتعثين من شركاتهم الأم للعمل في مجال تصدير
البترول الجنوبي وتعدين الذهب وغيرهم المتواجدين بمدينة بورتسودان ... يأتي بهم
بعض المسئولين في حكومة ولاية البحر الأحمر وهم يجرونهم من أنوفهم ، ويجلسونهم في
المقاعد الأمامية ، ويعطون تعليمات حاسمة للمصورين بالتركيز عليهم حتى يقال أن
المهرجان قد نجح وإستقطب شعوب العالم .. وأنه قد وصل إلى العالمية ... ويا بلاش.
في
إمارة دبي تزدحم الأسواق والمحلات بمختلف أنواع البضائع من كل أنحاء المعمورة ....
وهناك أكثر من عشرات المولات المتعددة الطوابق .. ومدينة مفتوحة الأفق بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى... ومطارات وشركات
طيران محلية وعالمية وإقليمية تغطي طائراتها الحديثة الفخمة السماوات وتئن بها
الأرض ... كل هذا مقارنة بشركة طيران سودان إيرويز التي لا تمتلك سوى حطام طائرات أثرية مكسورة الجناح لا تتوفر لها
إسبيرات بسبب المقاطعة الأمريكية ، وقد باع أحد القائمين عليها في يوم من الأيام
حق هبوطها وإقلاعها في مطار هيثرو. ومضى إلى حال سبيله دون حساب يتبختر بكامل
عفونته دون أن يطرف له جفن تحت سمع وبصر وحاسة شم الحكومة.
في
مدينة بورتسودان تعرض البضائع الموجودة أصلا في دكاكين أحياء وأسواق المدينة .....
تعرض على الرواكيب الخشبية والطبالي والفرشات الأرضية وقد ملأها التراب والعجاج
وتحيط بها رياح الجرب والدرن (السل) ... وكلاهما من الأمراض المعدية الشديدة
الخطورة.
والناس
في بورتسودان يحلمون بالكهرباء .. فقط يحلمون .. لكنهم ولكون الماء من أساسيات
البقاء على قيد الحياة ؛ فإنهم يشربون معظمه من التانكرات الصدئة ؛ والجرادل
والصفائح المهترئة التي يحملها البشر وكذا البراميل التي تجرها الحمير .. وللماء
في بورتسودان خاصة وولاية البحر الأحمر عامة أكثر من رائحة وأكثر من طعم .. ويتخذ
عدة ألوان ما بين أصفر وأخضر وأحمر ورمادي ؛ في تحد واضح لنظرية أن الماء سائل لا لون له ولا
طعم ولا رائحة.
وفي
بورتسودان عندما يأتي التانـكـر للأحياء السكنية بالماء تتوقف الحياة في المنازل فتذهل
كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ،.... وتترك كل عائسة وفاركة دوكتها وقرقريبتها
ومفراكتها ؛ وتخلو صفوف مدارس الأساس من تلاميذها وتلميذاتها ؛ الذين يقفزون صحبة
المدرسين والغفير والناظر من الشبابيك ؛ حيث يتقاطرون متزاحمون حول التانـكـر حاملين
الجرادل والصفائح والجالونات وشتى ما يتوفر لديهم من أواني ومواعين.
التعليم في ولاية البحر الأحمر .. وصلنا للعالمية
تتحدث
مقولات الدعاية لمهرجان البحر الأحمر للسياحة والتسوق عن أن بعض أغراض هذا
المهرجان هو إبراز منجزات هذه الولاية ... فعن أي منجزات يتحدث هؤلاء وعلى من يكذبون
ويستعبطون ؟
آثار أم خرابات ؟
في الواجهة .... وما خفي كان أعظم
أرجو
أن يحاول المسئول السوداني الذي يتولى تصريف بعض شئون البلاد في كل منحى وإدارة .. أرجو أن يكف
عن التعامل الفوقي مع المشكلات الحقيقية .. وأن يضع هؤلاء أقدامهم على الأرض بدلا
من التحليق في سماوات كاذبة لا تشبه ولا تحاكي الواقع الماثل... وحيث يكون
الإعتراف بالقصور والفشل هو بداية المسير في طريق العلاج الفاعل والنجاح الباهر.
في
ولاية البحر الأحمر عامة وبورتسودان خاصة ؛ ينتشر مرض الدرن والجرب بنسب كبيرة
خطرة ... وحين نعلم أن ما نسبتهم 85% من أهل ولاية البحر الأحمر يعيشون في مدينة
بورتسودان وحدها .. فلعلنا ندرك حجم المشكلة وحدّ الفقر في هذه الولاية الذي ترفض
حكومتها الإعتراف به وبالتالي معالجته . وتختار بدلاً من ذلك ذر الرماد فوق العيون
ومحاولة تلتيق ما تصفه هي بمهرجان للسياحة والتسوق .. مهرجان واهم لايأتي إليهم
فيه أحد من ولايات السودان الأخرى ناهيك عن الخارج ......
من
يأتي إلى ولاية موبوءة بأمراض معدية أقلها الجرب والدرن ؟؟ .. كيف يحلم مخطط
ومسئول بمثل هذا ؟؟ ... حقاً وصدق القائل "العـقـل زينـــة".
ثم
كيف تحلم رئاسة ولاية البحر الأحمر بتحويل بورتسودان إلى مدينة عالمية تماثل دبي
وهونغ كونغ وشنغهاي ؛ وهي لا تمتلك حتى مقومات القرن السادس عشر في مجال التعامل
التجاري والإقتصادي والتقنيات والكفاءات والخبرات اللازمة والشفافية التي يتطلبها
مثل هكذا منشط من بنوك عالمية وشركات متعددة الجنسية وبنى تحتية .... ناهيك عن واقع
الحصار الإقتصادي العالمي والمقاطعة وبإعتراف الدولة نفسها بأن السودان يتعرض
لحصار إقتصادي شامل يجعله لا يتكمن من الإستيراد أو التصدير إلا عبر مافيات ووسطاء
مغامرون في تركيا وماليزيا ، وغيرها من عواصم مالية ومواني تصدير عالمية . والسبب
هو أن بنك السودان لايستطيع وضع أرصدة في بنوك عالمية مباشرة بإسم السودان حيث
ستكون النتيجة هو تجميدها لأسباب تتعلق بمحاربة الإرهاب أو مصادرتها لمصلحة
الدائنين.
لقد
أصبحنا نلحظ الإستخدام الساذج وبشكل شائع ومجاني لمقولة (الوصول للعالمية) ...
هكذا بكل العفوية والبلاهة والبساطة ....
كل هذا في الوقت الذي نظل فيه حتى تاريخه عاجزين عن الوصول إلى بعضنا البعض داخل
السودان نفسه ..... ولكن يبدو أنها جانب من إنفصام الشخصية . ومحاولة يائسة لرفض
الواقع المرير ؛ ولستر العورات وتجاوز الهزيمة على الأرض ؛ وعلى طريقة قول الشاعر
في أنشودته الراويه لمعركة كرري التي إنتهت بإعادة إحتلال السودان: ( مـا
لانَ فرسان لـنـا ..... بــل فــرّ جـمـع
الطـاغـيـة ) .