أوجاع
وحقائق المغتربين والعودة للضرائب
د. كرار التهامي
في
لقاء تلفزيوني أجراه برنامج (حتى تكتمل الصورة)
بقناة النيل الأزرق مع الدكتور كرار التهامي أمين جهاز المغتربين بالخارج .
حذر كرار التهامي من أن هناك آلاف من العائلات السودانية والأفراد في طريقهم للسودان
بسبب إجراءات السعودية المتعلقة بتصحيح أوضاع العمالة الأجنبية داخل أراضيها
...... ومن خلال إتصال هاتفي إتضح أن السفير السوداني في المملكة العربية السعودية
(عبد الحافظ إبراهيم) لايعرف عدد السودانيين المغتربين في السعودية . وقد قدرهم جزافاً
برقم (480 ألف شخص) في حين أن جهاز المغتربين يحددهم بـ (595 ألف) .... أي أن هناك
فرق قدره 115 ألف بين التقديرين ... فرق 115 ألف في تقديرات أرواح بشرية وبني
آدمين ... روح الواحد منهم أغلى عند الله عز وجل من الكعبة المشرّفة ...... ويا بلاش يا سوداني.
عبد الحافظ إبراهيم - سفير السودان الحالي في السعودية
والطريف
أن السفير المشار إليه قـد إتضح أنه لايعرف أن هناك سودانيين موقوفين في السجون
السعودية بسبب مخالفة قوانين الإقامة في إنتظار الترحيل إلى السودان؛ وبالتالي لا
يعلم شيئاً عن ظروفهم وحقوقهم .. ... وأنه لا يعرف أن هناك مساجين سودانيين في
السعودية بتهم أخرى جنائية وغيرها ... منتهى السبهللية والإهمال والإستهتار الذي
عرف عن الإدارة السودانية العامة في كل ما يتعلق بأمور وهموم المواطن السوداني ...
والمخجل أنه وبعد مواجهه المذيع للسفير بوجود موقوفين ومعتقلين ؛ بدأ السفير يتراجع
ويعطي أرقاماً جزافية أخرى وهو يبتلع ريقه ؛ ويتعلل بأن السعودية "كبيرة" ...
فكان ذلك العذر الأقبح من الذنب.
يبدو أن المسئول السوداني بوجه عام لايعرف ماهي
واجبات وظيفته .... وأن بعض العاملين في السفارات السودانية بالخارج يظنون أن تواجدهم
في هذه السفارات مجرد فرصة سانحة من محاسن الصدف عليهم إغتنامها لمصلحتهم الذاتية . وفسحة ورواتب وإمتيازات وبدلات
خرافية بالعملات الصعبة ، وإستثناءات وخصومات
يسيل لها اللعاب ، وشحن العفش القديم والجديد والسيارات والشاحنات وعموم المشتريات
للسودان مجاناً .... والأكل والشرب في حفلات الكوكتيل على حساب الدولة وميزانية
الشعب . طل ذلك في وقت تعاني فيه خزينة السودان من شبح الإفلاس التام ... وفي الوقت الذي يرفع
فيه الدعم عن المواطن.
والشاهد
أنك لاتشاهد هؤلاء السفراء وموظفي السفارات متواجدين بكثرة ووفرة والخشوم مفشوخة
من الضحك والبهجة والفرحة إلا في حالات الحفلات الغنائية التي تنقلها
الفضائيات الخاصة ، ويحييها مطربون قادمون من الخرطوم ..
ثم
أنك لا تراهم متحمسين وشعلة من النشاط وعلى قدم وساق إلاّ في حالة إستقبال ومرافقة
فريق كرة قدم أو منتخب السودان خلال زيارته لأداء مباراة أو أكثر ينهزم فيها
بأهداف وافرة والحمد لله . وبالطبع فإنهم إنما يهتمون بأمر الكورة لأجل أن تمدحهم
الصفحات الرياضية في الخرطوم وتشيد بإهتمامهم ، وليس حباً في خدمة الوطن الذي
يعتبر الأبعد في محيط دوائر همومهم وإهتماماتهم الخاصة والرسمية ... أما مشاكل
المواطن السوداني المغترب في الدولة التي يمثلون بعثتها الدبلوماسية فهي آخر ما
يهتمون به ؛ وكأنًهم يتقاضون رواتبهم ومنصرفاتهم وإمتيازاتهم ومعاشاتهم من خزائن
هؤلاء المطربون والمطربات ثم وخزائن أندية كرة القدم والإتحاد العام للكورة.
إعوجاج
غير مفهوم في العلاقة بين الموظف العام وعامة الشعب فيما يتعلق بأداء الموظف العام
لمهام وظيفته .... وإنفصام مرضي ربما يكون وريث الإستعمار ... والطريف أن هذا
الموظف يتماهى وينسى نفسه ؛ ويظن أن الوظيفة العامة ستدوم له أبد الدهر . وأن سيف
المعاش لن يطول رقبته ويستأصل شافته يوماً مـّـا.
وطالما
كان المعاش أو تغير النظام الحاكم أحدهما أو كلاهما أمر واقع لا مفر منه . فلماذا
لا يعمد هؤلاء إلى تأسيس قيم وتأصيل مباديء خدمة عامة منضبطة علها تفيدهم هم
أنفسهم بعد أن يحالوا إلى المعاش. وجميعنا يعرف ما يتعرض له المعاشيون من إهمال ومعاملة
سيئة وغير إنسانية خلال متابعتهم إجراءات تحصيلهم لحقوقهم لاحقاً وبعد أن يذبل
العمر .
من
جهته فقد قرر وزير المالية (علي محمود) إعادة فرض الضرائب الإنطباعية الجزافية على
المغترب السوداني في الخارج إعتباراً من العام 2014م . وربما لايدري وزير المالية
أن هناك مستجدات كثيرة وحقائق أخرى وصور قاتمة سادت أوضاع المغنرب السوداني طوال
الفترة ما بين عامي 1975م وحتى عام 2013م ..... فقد عاد كثير من هؤلاء المغتربون
(خاصة من ليبيا والسعودية والإمارات) إلى السودان نهائياً .. وهناك نسبة كبيرة ممن
تبقى هناك لايعمل في وظائف ثابتة تدر عليه دخلاً منتظماً ....
والوجه
الآخر أن كثير من السودانيين لاسيما المغترب منهم في الولايات المتحدة والدول
الأوروبية وأستراليا قد حصلوا على جنسيات تلك الدول ؛ ولم يعودوا سودانيين من جهة
الأوراق الثبوتية على أقل تقدير.
أكثر
ما يخشاه دكتور كرار التهامي الأمين العام لجهاز المغتربين السودانيين وأدلى به في
برنامج (حتى تكتمل الصورة) مؤخراً ؛ أمنه وبالنظر لهذه الحقائق على الأرض فلربما
تكون منصرفات تحصيل هذه الضرائب والرسوم الجديدة أعلى كثيراً من حصيلتها .
ويتابع
دكتور التهامي القول بأنه من الأفضل جذب تحويلات المغتربين إلى السودان عبر قنوات
المصارف العاملة وبرؤى واقعية ؛ بدلاً من التوجه إلى تطبيق سياسة الجبايات التي
يظن الوزير أنها الأسهل.
واقع
الحال أن فرض ضرائب ورسوم جديدة على كاهل من تبقى من مغتربين على قيد العمل
المنتظم أو حبل الجنسية السودانية سيؤدي حتماً إلى تضييق الخناق على أهلهم وذويهم
في داخل السودان . ذلك أنه من البديهي أن يستقطع المغترب مقابل هذه الضرائب والرسوم
من جملة ما يرسله من عملات صعبة كمصاريف شهرية إلى أهله في السودان ... وهو ما
يعني أن المسألة ستبقى مثل ساقية جحا ....
ومثلما
أن السفير السوداني في المملكة العربية السعودية لايدري شيئاً من معلومات في حدها
الأدنى عن أحوال وواقع الجالية السودانية في السعودية أو عددهم التقريبي السليم ..
فإن الحال قطعاً سيكون من بعضه ؛ ولا يدري وزير المالية الجالس في الخرطوم (من باب
أولى) شيئاً عن واقع المغتربين السودانيين وأعدادهم والمتغيرات التي طرأت على
جنسيتهم في كل أنحاء العالم .
تصرفات
المغترب عند عودته للسودان في إجازة مؤقتة وحجم إنفاقه البذخي وأسلوبه في بعثرة
الأموال خلال فترة إجازته القصيرة تستفز المواطن السوداني في الداخل . وتعطي
دائماً الإنطباع الخاطيء عن واقع المغترب في حياته اليومية .. فهو يظل يوفر
الأموال طوال عدة شهور ثم يذهب لينفقها في شهر واحد داخل السودان .. أو ربما يكون
بعضهم قد إقترض من أحد البنوك ليشتري أرضاً ويبني بيتاً . وعادة ما يكون معظمهم قد
إستلم مكافأته السنوية وبدل الإجازة مثلاً ..
وواقع
الحال أنه وكلما قام مسئول كبير أو وزير بزيارة إلى إحدى دول المهجر أو الإغتراب .
فإن الجالية السودانية تسارع (ببراءة) إلى جمع التبرعات وحلبها حلباً وبشق الأنفس
من جيوب أفرادها لتقيم له وعلى شرفه حفل إستقبال فاخر أو مأدبة عشاء إستثنائية في
نادي أو منزل أحد رجال الأعمال المغتربين الأغنياء الذين يعدون على أصابع اليد
الواحدة .. ويأتي المشاركون من الرجال وزوجاتهم أبناء الجالية بأفضل مالديهم من ثياب
وحلي ومظاهر ؛ فيذهل المسئول الكبير أو الوزير الضيف من البهرجة المصطنعة أمامه
ويسرح بعقله وأفكاره . ويبدأ في تكوين رؤى (إنطباعية) غير سليمة لأوضاع المغتربين المالية؛
حيث يظن أن هذه هي حياة كل المغتربين ومظهرهم طوال أربعة وعشرين ساعة . فيتملكة
الحقد والغيرة والحسد ؛ ثم يعود إلى الخرطوم ويبدأ في نقل إنطباعاته هذه إلى غيره من المسئولين .
ومن ثم تتكون هذه القناعات الغير سليمة عن أوضاع كل المغتربين لدى أصحاب القرار
على مختلف المستويات في الحكومة الإتحادية أو الولايات. فتخرج من مكاتبهم كل تلك القرارات
الغير صائبة لجهة العلاقة والتعامل مع المغترب في شتى المناحي بما في ذلك تقدير
الرسوم والضرائب وأسعار الأراضي والخدمات التي تعتبر خرافية مقارنة بما تتعامل به
الحكومات في الدول الأخرى بما فيها لبنان ومصر والهند وبريطانيا والفلبين
وبنغلاديش وباكستان وغيرها مع مواطنيها المغتربين في شتى أنحاء العالم من إعفاءات
وإمتيازات وإستثناءات لتعويضهم عن فقدانهم حقوق وفرص الإستمتاع بالحياة الإنسانية
الكريمة كمواطنين داخل بلادهم ؛ ومقابل ما يقومون بتحويله إلى بلادهم من عملات
صعبة.
للأسف
فإنه وفي الوقت الذي تعتبر فيه تلك الدول أن إغتراب مواطنيها في بلاد الناس تشتت
وشحططة وتضحية . فإننا في السودان ننظر إلى المغترب بأنه مواطن محظوظ إنفتحت له
طاقة القدر ولبس في أصبعه خاتم المنى ... ومن هنا تأتي المفارقة والفلسفة في إثقال
كاهله بكافة الأعباء المالية والمعنوية .. وينسى هؤلاء المسئولين أن المواطن
السوداني الذي يغترب إنما يوفر لغيره من المواطنين في الداخل فرص عمل وأرغفة ، ومقعد
خال في المواصلات العامة والمدرسة ، والخدمات بشتى أنواعها من مستشفيات وكهرباء
وماء ومحروقات .. إلخ كان سيشارك في إستخدامها لو ظل مقيماً داخل البلاد. وحتما
سيزاحم غيره من مواطنين بإستخدامها حال عودته النهائية للبلاد.
.............
علي محمود عبد الرسول -- وزير المالية الحالي
يبدو
أن وزارة المالية قد إختارت مواجهة الفشل بالجبايات والرسوم دون العمل على زيادة
الإنتاج بوصفه الحل الأوفر حظاً .. ثم
والنظر في أسباب الحصار الإقتصادي المعلن وغير المعلن ؛ وكيفية معالجته بالمنطق
والواقع الذي يفترض أن تتبعه دولة بمقومات وإمكانات أقل من محدودة. وتعاني فوق ذلك
من حروب وحركات تمرد داخلية مزمنة لم تتمكن الحكومة من القضاء عليها..... وحيث
تكلف الحلول الأمنية أموالاً طائلة دلت التجربة أن خزينة البلاد لم تعد قادرة على
تمويلها وتغطية نفقاتها.
على
أية حال فإنه في غياب الفلسفة والمنطق ... وفي ظل غياب المعلومة ... وفي ظل
معاناتنا من تفشي الإنطباعية البلهاء ؛ سيظل التخطيط الحكومي بعيداً عن الواقع ؛ ويظل الموقف والقرار
الحكومي غير منطقي ..... وستظل البلاد تنتقل من فشل إلى آخر ........ ولا حول ولا
قوة إلا بالله .