نظرية التحلل في إطار الإسلام السياسي
عراب الإسلام السياسي في السودان (حسن الترابي) في حالة تحلل داخلي من الجوع وشعبه في الخارج جائع |
المصدر صحيفة الراكوبة الألكترونية
04-30-2014 03:12 AM
كتب محمد جمال
من ظن أن الكيزان (إخوان السودان) سيتوقفون عن سرقة المال العام أو إعادة ما سرقوه أو محاسبة رموز إخوانية نافذة بتهمة الفساد وإنفاذ القانون عليها فهو واهم وهماً كبيرا.. كما من ظن أن الإخوان في السودان أو في أي مكان سيقيمون حكماً عادلاً وفق الدستور أي دستور فهو الأكبر وهما. لأن آيدولوجيا الإخوان في السودان وفي أي مكان قائمة على فقه "التمكين" وبالتالي فسرقة المال العام والخاص وإهدار حقوق الآخرين وحريتهم وكرامتهم وحياتهم هو من صلب مقاصدهم الموعية والمخطط لها بروية ووفق تبريرات فقهية ودينية ودنيوية.
التحلل حسب نص المادة 13 من قانون الثراء الحرام الإخواني هو رد المال المسروق فحسب، عندها لا تكون محاسبة أو لا عقوبة وهذا نصها: 13-(1) يجوز لكل شخص أثرى ثراءً حراماً أو مشبوهاً أو ساعد في الحصول عليه أن يحلل نفسه هو أو زوجه أو أولاده القصر في أي مرحلة قبل توجيه الاتهام إليه، (2) لأغراض البند (1) يتم التحلل برد المال موضوع الثراء الحرام أو المشبوه وبيان الكيفية التي تم بها الإثراء)... ذاك فحسب!.
سرقة المال العام جريمة تفوق جريمة سرقة المال الخاص كون سرقة المال العام تؤدي بالضرورة إلى إضرار حتمي بعجلة إقتصاد الدولة برمتها وجميع قاطنيها لا شخص واحد فحسب. كما أن من يتحلل من مال عام سرقه قبل خمس سنوات على سبيل المثال فقد يكون إستفاد من التجارة به والعائد من فوائده المباشرة وغير المباشرة عدة مرات، هذا بالإضافة إلى ما أسلفنا الضرر الذي وقع على الإقتصاد الكلي للدولة والمجتمع، ناهيك عن هتك السمت الأخلاقي. قانون الثراء الحرام مصنوع خصيصاً بهدف الرسو بالتمكين الإخواني في بر الأمان!.
الدولة في السودان "دولة الإخوان المسلمين" الحالية "الإنقاذ" قائمة في الأساس على الفساد من أجل الفساد، هل هذا القول معقول؟. نعم، بكل تأكيد. بنظرة عابرة يستطيع أي تلميذ صغير في مدرسة الأساس أن يتحقق من مثل هذا القول الذي أصبح واقعاً ثقيلاً وشديد الكثافة. هذا النظام الإخواني لا يمكن ترميمه أو إصلاحه، إن كان هناك غبار على المائدة تستطيع أن تأتي بقطعة قماش مبللة بالماء وتزيل الغبار الملتصق بالمائدة بكل سهولة متى شئت، غير أنك ستحتار جداً إن كانت المائدة ذاتها مصنوعة من الغبار!. تلك المائدة هي دولة الإخوان في السودان. ذاك هو التمكين الإخواني!.
التمكين:
"التمكين" هو عقيدة تنظيم الجبهة الإسلامية "الإخوانية" التي انبنت عليها دولة الإنقاذ. وكان التمكين في مرحلة التنظيم يعني حيازة أكبر قدر من المال و"الدين" . وإن كان المال فحواه معروفة فالدين مثل عند الجبهة وسيلة نافذة لإصباغ أكبر قدر من المشروعية للفعل "التمكيني" = "الآيدولوجي"، بحيث تم من الدين إنتقاء كلما يبرر المرحلة، من قبيل: ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (الحج 41 )).
وعندما حانت مرحلة الجبهة كدولة هي الإنقاذ، فقد تم عبر الإنقاذ حيازة كل المال وكل " الدين"، أي كل شيء.
وعندما حانت مرحلة الجبهة كدولة هي الإنقاذ، فقد تم عبر الإنقاذ حيازة كل المال وكل " الدين"، أي كل شيء.
التاريخ يبدأ مع الإنقاذ!
اشتغلت الإنقاذ في مرحلتها الأولى على كل الجبهات وفي نفس الوقت من أجل صياغة الحياة الدنيا بكاملها من جديد بل وربطها في صيغتها الجديدة بالدنيا الآخرة. فبدأت بإعادة صياغة الدولة وهيكلتها بطريقة جديدة ثم المجتمع المدني على مستوى كل الممكن من تجلياته وأخيرآ جاءت محاولة صياغة الفرد بما يحقق "التمكين" في نسخته المثالية لدى الجبهة.
هناك مؤشرات عديدة تدلل على أن الإنقاذ نظرت إلى المجتمع المدني ككل "بقيمه السائدة وهياكله وأحداثه الناشبة" كعدو يستحق الفناء وفي إطاره لا يكون الفرد شيئآ سوى عنصر فاسد وجب تعريضه للنار بهدف تطهيره وتطويعه وترويده ثم عجنه وإعاده صياغته في صورة جديدة تناسب مسلكه المفترض في خضم "المشروع الحضاري".
وقد استخدمت الإنقاذ كل الوسائل الممكنة قديمها وحديثها في عملية إعادة صياغة المجتمع والفرد.
إبتداءآ بإعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال لعدة سنوات متتالية وهي عملية تضمنت صلاحيات واسعة ومطلقة للسلطة التنفيذية بحيث تكون "الحكومة" هي الخصم والحكم. بل كان قانون الطوارئ هو دستور البلاد. تبع ذلك سن قوانين تناسب الخط "التمكيني" الإستراتيجي للإنقاذ. وبناءآ عليه فقد تم منع جميع الأشكال المدنية الهيكلية وغير الهيكلية من الفعل الموجب وتمثل ذلك عمليآ في حل جميع الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات والنقابات الخ. مع إستثناءات محسوبة، كما منعت التجمعات والمواكب والتظاهرات وتم وقف الصحف وجميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، ما عدا تلك التي تتبع لعناصر السلطة. وكانت تلك الفترة ما بين العامين 1989 و 1999 حيث صحبتها بطريقة متعمدة موجة قمع "عنف" صاخبةShock and awe بغرض التسبب في صدمة شاملة للفرد وثقته في نفسه ومن ثم شل مقدرته على التفكير والتدبير كما هدف ذلك بالطبع إلى زلزلة وزعزعة وعطب لمعظم البنيات المدنية الفاعلة بما يفتح الطريق في نهاية المطاف أمام تخلق إنسان جديد ومن ثمة مجتمع مدني جديد يواكب مرحلة الإنقاذ كثورة ودولة. جاء كل ذلك لعلم الإنقاذ المسبق بأن بقاءها يستند إلى نجاحها في إنشاء مجتمع مدني جديد بشكل كلي يستند إلى قيم جديدة تقوم الإنقاذ نفسها بصناعتها في معامل آيدولوجيتها الخاصة وقد تم إستخدام كل الوسائل الممكنة وبشكل مطلق في سبيل إنجاز تلك العملية المعقدة بداية بالعنف بجميع أشكاله والإبعاد والنفي مرورآ بالدين والإعلام وتغيير المناهج المدرسية وتحرير الإقتصاد نهاية بسن قوانين ملزمة تحقق الهدف بشكل أكثر ديمومة ونظاما. وكان جوهر تلك العملية الدامية تمحور حول محاولة إجراء تغيير جذري في منظومة القيم الإجتماعية السائدة بما يواكب المشروع التمكيني للإنقاذ.
وعندي أن الإنقاذ سعت بكلما بوسها إلى هتك القيم الإجتماعية الموجبة في سبيل بروز وصعود القيم السالبة بما يؤدي إلى تخلق أشكال مدنية سالبة وإنسان خانع وخائف وراضي بكل الأحوال ومطياع أمام الأوامر. فتكون قيم المجتمع المدني في العبثية والإتكالية والأنانية والإستغلالية والإنحيازية العمياء، ويأتي الإنسان عبثي وإتكالي وأناني ومستغل ومطياع للدولة وللجماعة ذات الشوكة في كل الأحوال وفي جميع الظروف. وعندي زعم حين النظر إلى الحياة اليومية في السودان أن الإنقاذ نجحت بقدر ما ولو ضئيل فهو خطير في صناعة ذاك الكائن البشري المنطوي على تلك القيم السالبة، وبالطبع لم يكن بقدر أمنياتها التي تمنت لحظة البداية، فلقي ذاك المشروع الإنقاذي الطموح مقاومة شرسة من جبهات وإتجاهات مختلفة وكان صدامآ داميآ ومدمرآ عم جميع أركان البلاد حيث ارتطمت الإنقاذ كدولة ارتطامآ عنيفآ بمعظم التجليات المدنية الأصيلة والفوقية في السودان سواءآ كانت هيكلية أو لا هيكلية.
وعليه أريد لعاصفة "التمكين" الجبهجية/الإنقاذية أن تشتغل على مستوى الدولة كما بنفس القدر الذي تفعل فيه فعلها على مستوى المجتمع المدني ببنيتيه التحتية والفوقية.
بحيت تكون الدولة مكان المصلحة "المنافع المجردة" مكمنآ للإنقاذ وحدها.
وتكون البنية الفوقية للمدني "المكان الطبيعي للآيدولوجيات العديدة المتصارعة" مكمنآ لأيدولوجيا الإنقاذ وحدها.
كما تكون البنية المدنية التحية "مكان القيم" مكمنآ لقيم جديدة تواكب آيدولوجيا الإنقاذ ودولتها.
وبهكذا "تمكين" لا يكون شيء في الأرض ولا الآفاق سوى الإنقاذ، فتكون الدولة جبهة والآيدولوجيا الوحيدة الصالحة جبهة والقيم الإجتماعية جبهة والفرد بقيمه الجبهجية الجديدة ليس شيئآ سوى مجاهد طوع البنان بوعي آيدولوجي جبهجي موحد في سبيل بقاء أبدى لدولة الإنقاذ
فبمجرد وصول الجبهة الى سدة الحكم "السيطرة على هياكل الدولة" شرعت في عملية إعادة هيكلة الدولة وصياغة المجتمع في عملية صاحبها قدر وافر من العنف بهدف "التمكين".
سياسة التمكين "عقيدة التمكين" هي عقيدة الجبهة على الدوام أعني كانت موجودة لدى التنظيم قبل أن يصبح دولة هي "الإنقاذ".
والتمكين بما هو عملية سيطرة مطلقة و "تكويش" وإبدال وإحلال فهو على الدوام يقتضي قدرآ وافرآ من العنف المادي والمعنوي كما أن العنف بدوره يتطلب نفاذه ونجاعته قدرآ وافرآ من تبلد الشعور تجاه الآخر بما يعني عدم الإحساس بالذنب إن لم تكن البهجة تجاه ضرب أو تحجيم أو فناء الآخر ماديآ ومعنويا. وهذا الآخر قد يكون فردآ أو حزبآ أو نقابة أو قبيلة أو طائفة دينية أو جماعة عرقية بأكملها أو حتى دولة بكل هياكلها وكوادرها وتاريخها، لا يهم!. كما أن التمكين والعنف كصنوين يتطلبان قدرآ كبيرآ من السلطة المادية والروحية كغذاء حتمي لمكنتيهما وتمثل ذاك الغذاء في وسيلتين عند الجبهة هما المال والدين "سلطة المال وسلطة الدين". ولأن التمكين عند الجبهة عملية غير محدودة الأفق تطلب الأمر بالضرورة في لحظة ما السيطرة على كل المال وكل "الدين" فكان الإستيلاء على الدولة وإعادة صياغتها بما يحقق أقصى قدر من "التمكين". غير أن الدولة لها مقابل هو المجتمع المدني بتنوعه المعروف في بلاد شاسعة مثل السودان، فلم يكن أمام الجبهة كإنقاذ إلا وأن عملت جهدها على صياغة المجتمع المدني نفسه بما يضمن إستمرارية دولتها والبتالي تمكنها و"تمكينها" إلى ما لا نهاية .
فالإنقاذ سعت إلى إمتلاك جميع وسائل الإنتاج "الثروة الوطنية" وبشكل مطلق في نفس الوقت الذي جعلت فيه من آيدولوجيتها الخاصة الآيدولوجيا الوحيدة الصالحة وما دونها لا يستحق شيئآ سوى الفناء وقد إستخدمت في سبيل تمكين جماعتها كل الممكن من العسف منتقية أنجع أدوات القمع المادي والمعنوي لدرجة أصبح فيها "القانون" كما السوط وقبضة اليد والعصا والكهرباء والماء والحرارة والظلام والضوء والزجاج والأعضاء التناسلية والمشانق والرصاص أدوات طبيعية وعادية للإستخدام أو من المحتمل إستخدامها في أي وقت وحسب الحالة وبطريقة يومية في نفي أو إبعاد أو تخويف أو تعذيب أو قتل المعارضين للنظام أو حتى من يشتبه في معارضتهم أو من المحتمل وفي مناطق مختلفة من البلاد سواءآ كانوا أفراد أو جماعات، عرب أو زنوج، ذكور أو إناث، من الريف أو الحضر، مسلحين أو عزل، لا يهم. ففي سبيل التمكين لا توجد حدود!.
فالتمكين أهميته تتأتى من كونه هو وسيلة الجبهة وغايتها في ذات الأوان. وفي زعمي أن ذاك الأمر يفسر البراجماتية المفرطة لدي تنظيم الجبهة وكوادره (كون الغاية في الوسيلة والعكس صحيح) بل أكثر من ذلك فأنه عند الوقوف بروية على عقيدة التمكين الجبهجية ومن ثمة الإنقاذية ينزاح على وجه العموم قدرآ كبيرآ من الغموض الذي يحف التنظيم ومسيرته من جهة وسلوك كادره من الجهة الأخرى ويفسر في نفس الوقت خطط الإنقاذ وأفعالها في الماضي وفي الحاضر ويحدد الخيوط الرئيسية لمآلات الإنقاذ المستقبلية.
فالصيحة التي أطلها الأديب الطيب صالح (من أين أتى هؤلاء الرجال؟) وظل يرددها من بعده الكثيرون تنطوي في تقديري على قدر وافر من المعاني، وبغض النظر عمن هو قائلها. وكان الطيب صالح يقصد بها في حينها أن أفعال هؤلاء الرجال "الغرباء" لا تشبه أفعال السودانيين التي عرفها الناس عبر الزمان. أي أن أفعال هؤلاء الرجال خارجة عن كل منظومات القيم الإجتماعية السائدة. وأتصور أن الطيب صالح يقصد بذلك أن القيم السودانية الراسخة والغالبة على طباع الأغلبية، مم مثل: الزهد والتواضع والصدق والشجاعة والأمانة والكرم والشهامة والمروءة والسماحة والنقاء "طيبة الخاطر" والإنسانية قيم منعدمة في حالة هؤلاء الرجال الجبهجية، مما يجعلهم غرباء وأغراب في عيني الطيب صالح، فتساءل متعجبآ من أي مكان آخر على وجه الأرض أتى إلينا هؤلاء الرجال، ما داموا ليسو بسودانيين!. وهي بالقطع حالة تعجب وكناية عن الدهشة كون الجبهجية أو الكيزان = "الإنقاذيين" هم في الحقيقة أناس سودانيين على الأقل فيزيائيآ.
لكن كيف يكون الجبهجية غرباء وهم سودانيون مثل كل السودانيين يعتمرون العمائم ويمشون في الأسواق !؟.
الإجابة عندي تكون بكل بساطة في التمكين كعقيدة جبهجية وما يقتضيه من إهدار لكل الممكن من المثل والقيم الإجتماعية الراسخة. وذاك يتجلى ساطعآ في سلوك الجبهة بمسمياتها السابقة واللاحقة وفي تجلياتها المختلفة وعند لحظة دولتها.
في سبيل التمكين لا يهدر الجبهجي "الإنقاذي الأصيل" حقوق الآخرين المادية والمعنوية فحسب بل يستطيع أن يقتل زميله ورفيقه وصديقه يقتل أي "زول" في سبيل الكسب المادي لأن التمكين عقيدة فوق كل العقائد وهو منتهى الغايات. هو عقيدة "الإباحة" المطلقة. فعند الجبهجي الأصيل يكون كل الناس عبيد "حرفيآ" والنساء سبايا "حرفيآ" والأرض ملك يديه من أقصاها إلى أدناها. والسماء أيضآ.. لأنه هو حارس السماء. هي ملكه وحده!. لا شيء يكون عنده معنى غير "التمكين".
تلك المشاعر غير الإنسانية والفجة البليدة هي عقيدة الإخوان المسلمين في كل الأوقات والأزمان، ونحن الآن "في السودان" نقف في هذه المحطة من التاريخ.. لذا نحن ضائعون!. وإلى متى نقف هنا؟. لا أحد يدري... لا بد من فعل ناجز وعظيم!.
محمد جمال الدين، لاهاي/ هولندا
في سبيل التمكين لا يهدر الجبهجي "الإنقاذي الأصيل" حقوق الآخرين المادية والمعنوية فحسب بل يستطيع أن يقتل زميله ورفيقه وصديقه يقتل أي "زول" في سبيل الكسب المادي لأن التمكين عقيدة فوق كل العقائد وهو منتهى الغايات. هو عقيدة "الإباحة" المطلقة. فعند الجبهجي الأصيل يكون كل الناس عبيد "حرفيآ" والنساء سبايا "حرفيآ" والأرض ملك يديه من أقصاها إلى أدناها. والسماء أيضآ.. لأنه هو حارس السماء. هي ملكه وحده!. لا شيء يكون عنده معنى غير "التمكين".
تلك المشاعر غير الإنسانية والفجة البليدة هي عقيدة الإخوان المسلمين في كل الأوقات والأزمان، ونحن الآن "في السودان" نقف في هذه المحطة من التاريخ.. لذا نحن ضائعون!. وإلى متى نقف هنا؟. لا أحد يدري... لا بد من فعل ناجز وعظيم!.
محمد جمال الدين، لاهاي/ هولندا