هل جاء موسى عليه السلام إلى السودان؟
مصعب المشرّف
5 ديسمبر 2015م
التصريح المستند على أساطير شعبية ؛ الذي أدلى به وزير الإعلام السوداني الحالي " د.أحمد بلال " بأن موسى عليه السلام قابل الخضر عليه السلام في جزيرة توتي قرب "مقرن النيلين" ؛ أثار الحفيظة والكثير من اللغط والضحك والمرارة ... والتعليقات الساخرة والمستهجنة . وكذا ردود أفعال أخرى لبعض الشباب ما بين مستغرب ومكذب....
ونذكّـر هنا بقوله عز وجل في الآية (23) من سورة الجاثية : [ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون]
ومن ثم فلا يجب أن تتحول سيرة الرسل والأنبياء إلى مزايدات وترضيات ، ونهباً للمصالح السياسية والجهوية . أو مصدراً للحصول على رضا وتعاطف أهل هذا الحي أو تلك القبيلة وهكذا.
واقع الأمر ؛ فإنه وبسبب إلتصاقنا بالثقافة العربية والشرق أوسطية .. فإن بعضنا يكاد يسلخ جلده بكريمات التبييض ... ويخلع الآخر ملابسه ونعليه بلا داعي ؛ بحثاً محموماً يرثى له عن دور في تاريخ المنطقة العربية والشرق أوسطية والدماء السامية النقية .. وبات بعضنا يحاول أن "يتسلبط" في كل شيء إبتداء من آدم وحواء وإنتهاءاً ببلال الحبشي الصحابي والملك النجاشي.
وعلى أية حال نطمئن أمثال هؤلاء بأن لقمان الحكيم قد كان من أبناء السودان . لعلهم يجدون في ذلك بعض العزاء.
وعند مناقشة إستنتاج وزير الإعلام السوداني . فإننا لابد من إخضاع الأمر لحقائق قرآنية كريمة ، وأحاديث نبوية شريفة . ومقاربات تاريخية وإجتماعية وأخلاقية ... وتسلسل الأحداث في سيرة موسى عليه السلام.
فيما يتعلق بمزاعم لقاء موسى والخضر عليهما السلام في جزيرة توتي ؛ يمكن بداية تلخيصه كالآتي:
النقاط التي تأتي لمصلحة إستنتاج وزير الإعلام تنحصر فقط عند قوله عز وجل : "مجمع البحرين"
ويبدو أنه (الوزير) إستنتج هنا أن مجمع البحرين ليس سوى "مقرن النيلين" ؛ فضربت المسألة في رأسه وإختمرت ؛ وتخيل أن أقرب مكان متاح كان جزيرة توتي ..... هكذا دون رصد لتسلسل الأحداث التاريخية ومقاربات إجتماعية وبيئية وأخلاقية وجغرافية.
وفي الرد لجهة تفنيد هذا الإستنتاج ؛ نورد أولاً الآيات القرآنية (في سورة الكهف) التي تناولت قصة موسى والخضر عليهما السلام:
[ وإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) ].
ومن ثم نذهب إلى مناقشة الآتي:
1) أن "مجمع البحرين" المشار إليه هنا لايمكن إخضاعه لتفسير أحادي بأنه "مقرن النيلين" ..... فهناك أكثر من مقرن على إمتداد مجرى نهر النيل .... فهناك مثلا إقتران لنهر عطبرة بنهر النيل .. وأهل عطبرة على نحو خاص يطلقون على نقطة إلتقاء نهر عطبرة بنهر النيل مسمى "المقرن" أيضا.
2) الذي فات عن ذهن الوزير أحمد بلال هو قول الله عز وجل في الآية رقم (61) من سورة الكهف [فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا] ...... وعند إعراب "مجمع بينهما" هنا ؛ فإن الضمير عائد إلى مجمع البحرين ...... وتقتضي الجغرافيا أن يكون "المجمع) مائياً وليس جزيرة يابسة.
3) والذي فات أيضا عن ذهن الوزير أن إلتقاء موسى والخضر عليهما السلام إنما كان بعد خروج موسى ببني إسرائيل وفي معيتهم اليهود من مصر ... وبالتالي فقد بعدت الشقة بين موسى عليه السلام وجزيرة توتي .. ثم أن موسى عليه السلام ما كان ليعود مرة أخرى إلى مصر بعد خروجه منها ؛ والعبور من خلالها إلى السودان . فيقع بذلك في أيدي (الدولة المصرية العميقة) وأياديها القوية المتمثلة في المخابرات والشرطة والجيش ؛ الذين إستبقاهم فرعون موسى خلفه في الأقاليم والقلاع ونقاط التفتيش داخل مصر وعلى الحدود مع السودان كدأبهم دائماً منذ فجر التاريخ ...
4) وكذلك فات على الوزير إدراك حقيقة أن موسى عليه السلام قد ذهب يبحث عن نبي الله الخضر سيراً على الأقدام وفق ما جاءت به الآية القرآنية الكريمة (60) عند قوله ليوشـع : [لا أبرح ] - أي لا أزال سائراً - فهو قطع مرحلة من الرحلة عبر فيها اليابسة حتى وصل إلى حيث "مجمع بينهما" أي الموضع الذي يلتقي فيه البحران.
5) يقول إبن كثير رحمه الله في تفسيره أن مجمع البحرين إنما يقع بين (الخليج العربي) شرقا و (البحر الأبيض المتوسط) غرباً ....وتحدث أيضاً عن أسطورة (ماء الحياة) على نحو من يقين . وهي على ما يبدو (عين الحياة) من الإسرائيليات .. ولسنا هنا بمجال وموضع الإسهاب في تفنيدها.
6) أغلب الظن إذن والأقرب لسيناريو هذه الآية الكريمة ؛ هو أن "مجمع ما بينهما" إنما هو موقع إلتقاء نهر دجلة بالفرات في العراق.
والذي قد نخلص إليه ايضا أن فتى موسى المشار إليه هنا إنما هو النبي يوشع بن نون بن أفراهيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام.
ويوشع عليه السلام هو الذي كلفه الله عز وجل بعد إنتقال موسى عليه السلام للرفيق الأعلى .. كلفه الله بقيادة بني إسرائيل واليهود للخروج من التيه الذي دام 40 سنة ..... ويبدو أن صحبة يوشع بن نون لموسى عليه السلام في هذه الرحلة إنما كانت جزءاً من إعداده النفسي والعملي لما ستولاه بعد ذلك من مهمة جمع بني إسرائيل واليهود من الشتات والدخول بهم عنـوة إلى بيت المقدس...
ومنهم من عاد إلى مصر بعد وفاة موسى عليه السلام وغرق فرعون وزوال حكم عائلته ؛ بسبب أنهم إعتادوا على الحياة في مصر ؛ وإشتاقوا إلى فومها وبصلها وعدسها.....
وظل هؤلاء اليهود بكثافة ملحوظة في مصر حتى عهد قريب من التاريخ المعاصر .... . ولايزال بعضهم يعيش هناك . ولديهم أحياء وحارات تحمل إسمهم في العديد من المدن والبلدات والقرى المصرية......
وهذا هو التفسير المنطقي للآية رقم (61) من سورة البقرة . التي كان ولا يزال يتوقف عندها علماء التفسير ويتلجلجون (بسبب ورود إسم مصـر فيها بعد الخروج) .... وهي التي جاء فيها قوله جل وعلا:
وهذا هو التفسير المنطقي للآية رقم (61) من سورة البقرة . التي كان ولا يزال يتوقف عندها علماء التفسير ويتلجلجون (بسبب ورود إسم مصـر فيها بعد الخروج) .... وهي التي جاء فيها قوله جل وعلا:
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُواْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}
وألفت الإنتباه هنا إلى ضرورة الفصل بين مصطلح ومسمى (بني إسرائيل) من جهة . ومسمى (يهودي) من جهة أخرى ..
فبني إسرائيل هم نسل يعقوب (إسرائيل بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام).
فبني إسرائيل هم نسل يعقوب (إسرائيل بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام).
وأما اليهود فهم التركيبة البشرية الشاملة من بني إسرائيل ، ومن كافة الأعراق والأجناس ، الذين آمنوا بالتوراة وإتبعوا موسى عليه السلام ؛ بغض النظر عن المؤمن والعاصي والمنافق والملعون والمغضوب عليه والقردة والخنازير وقتلة الأنبياء فيهم.
والذي لم يلتفت إليه وزير الإعلام أحمد بلال ؛ هو منافاة الحدث الوارد في الآية رقم (77) جملة وتفصيلا مع أخلاق السودانيين . وكذلك منافاته لطبيعة البناء المعماري للمساكن في السودان القديم (1526ق.م) .
وكان على أهل توتي أن لا يفرحوا ويبتهجوا بهذه الأسطورة ؛ وحديث هذا الوزير الذي عند مقاربة أخلاق أهل القرية التي أبت أن يضيف أهلها موسى والخضر . فإنها لا تنصفهم.
فعند قوله عز وجل:
[ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) ].
1) لايوجد في السودان أهل قرية يطرق باب بيوتها عابر سبيل أو غير عابر ؛ يطلب طعاماً فيأبوا أن يضيفوه .... ومثل هذا النوع من البخل النوعي نجده الأقرب إلى خصال وطبائع أهل فارس قاطبة ، ويليهم في هذا الطبع أهل العراق... ولمن رغب في مزيد من التوثيق فليقرأ مؤلف "البخلاء" للجاحظ..... وكذلك لا يزال هذا البخل (المطبوع) في تقديم الطعام والضيافة مشهوداً بين أهل فارس (إيران) والعراق حتى يومنا هذا . لا بل نجدهم يفتخرون ببخلهم هذا ويحسبونه محمده.
2) أن المساكن السودانية كانت تبنى من القش والجريد (قطية) . ولم يعرف العمران السوداني خلال تلك الفترة (1526ق.م – 1460ق.م) إقامة جدران تفصل المنازل عن بعضها . وإن أضطر البعض إلى تسوير مساكنهم ؛ فإنهم يقيمون حولها "زريبة" من أغصان الأشجار الشوكية الجافة.
3) لو إفترضنا جدلاً أن موسى عليه السلام قد جاء إلى جزيرة توتي من صحراء سينا أو من جوار بيت المقدس . فإن فترة هذا السفر بالأقدام تطول لأكثر من 3 شهور ذهاباً ثم مثلها إياباً ، وأضف إليها فترة الصحبة ... وهذا غير منطقي .....
وجميع التفاسير تؤكد أن موسى عليه السلام لم يترك بني إسرائيل وحدهم لفترة طويلة بعد تلك الفترة التي تركهم فيها لملاقاة الله عز وجل وتلقي التوراة في جبل سيناء القريب من أماكن إقامتهم بعد الخروج . وقد إمتدت تلك الفترة 40 يوما ويزيد قليلاً . فعبدوا فيها العجل أثناء غيابه ......
وعليه ؛ فإنه إذا كان قد غاب عنهم 40 يوما فقط للقاء ربه فعبدوا العجل .... فما بالك هم فاعلون لوكان قد غاب عنهم 6 شهور للقاء الخضر عليه السلام؟
-------------------
هناك إحتمال بمكان آخر يتميز بأنه كان الأقرب إلى المكان الذي إستقر فيه موسى باليهود عقب الخروج من مصر . وهذا المكان هو جنوب شبه جزيرة سيناء ... ويقتضي ترجيح هذا المكان العودة إلى تحليل جغرافية المكان في كل من الآيتين رقم (60) و (61) من سورة الكهف : [ وإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)]
ومن ثم وبإفتراض أن البحرين المشار إليهما هنا هما كل من "خليج العقبة" شرقا و "خليج السويس" غربا .... وأن وجهة موسى عليه السلام كانت من الشمال إلى الجنوب .. فيكون مجمع البحرين هو أقصى نقطة يابسة في جنوب شبه جزيرة سيناء ... ويكون "مجمع بينهما" الوارد في الآية رقم (61) مقصود به الملتقى بين بحر خليج العقبة وبحر خليج السويس المتفرعان من البحر الأحمر. ...... ومعنى "مجمع البحرين" هو ملتقاهما.
... وكذلك تبقى جميع الأحداث التي صادفت موسى والخضر عليهما السلام في تلك الصحبة . تبقى متوافقة مع أهل تلك المنطقة وجغرافيتها.
... وكذلك تبقى جميع الأحداث التي صادفت موسى والخضر عليهما السلام في تلك الصحبة . تبقى متوافقة مع أهل تلك المنطقة وجغرافيتها.
بعد أن أبى بني إسرائيل واليهود دخول الأرض المقدسة . دعا عليهم موسى عليه السلام الله عز وجل أن يفرق بينه وبينهم . فاستجاب الله عز وجل لدعوته . فخرج اليهود إلى الشتات والإذلال والتيه 40 سنة . وبقي موسى عليه السلام وهارون وحدهما مقيمان قريبا من الأرض المقدسة . فقبض الله عز وجل إليه هارون عليه السلام في غفلة من موسى لأنه كان يحبه كثيرا ومتعلقاً به . ثم حين جاء إليه ملك الموت دعا موسى عليه السلام الله أن يقربه إلى أقصى ما يمكن للأرض المقدسة ؛ ترقباً منه وشوقاً للقاء نبي آخر الزمان سيد الخلق والعالمين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ؛ وفق ما أعلمه به الله عز وجل .
وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء الشريف عن مكان قبر هارون وعن مكان قبر موسى عليهما السلام ولكنه أبهم تحديد الموضع تنزيها لحرمة القبرين من تدنيس ومؤامرات اليهود لعنهم الله.
وفي أمر الشتات وفراق موسى وهارون لقومهما جاء قوله عز وجل في سورة المائدة : [ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)
وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء الشريف عن مكان قبر هارون وعن مكان قبر موسى عليهما السلام ولكنه أبهم تحديد الموضع تنزيها لحرمة القبرين من تدنيس ومؤامرات اليهود لعنهم الله.
وفي أمر الشتات وفراق موسى وهارون لقومهما جاء قوله عز وجل في سورة المائدة : [ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)
.............
وعلى أرجح الأقوال في التفاسير المشهورة . فإن مناسبة إلتقاء موسى بالخضر عليهما السلام إنما كان منشأها أن موسى عليه السلام وقف يوماً خطيباً في بني إسرائيل . فبادره بعضهم بسؤالهم عن أكثر الناس علماً . فأجابهم موسى عليه السلام بقوله : أنا.
واقع الأمر . فإن موسى عليه السلام توجـس من طرحهم هذا السؤال الإعتراضي رغبة البعض في شق الصف وإحراجه حتى يجدوا فيه ثغرة ينفذون من خلالها إلى التمرد والقدح والتشكيك في قدراته وعصمته . ولأجل ذلك أجابهم بقوله "أنـا" حتى يسد الذرائع ، ويقطع عليهم الطريق ويغلق عليهم المنافذ.
وقد حدثنا الحبيب المصطفى أن موسى عليه السلام كان أكثر خلق الله تواضعاً .. وأنه دائما ما كان على قناعة بأنه أقل الناس قدراً وفضلاً عليه السلام.
وحين إنفرد موسى مع ربه تساءل إن كان هناك على وجه الأرض من هو أعلم منه ؟ فأوحى إليه الله أن يذهب للقاء عبده الخضر عليه السلام ..... وعند الخضر عليه السلام وجد موسى الإجابة التي كان يبحث عنها حين فوجيء أولاً بأن الخضر يعرفه ويعرف بأمر بعثته .. ثم وحين طمأنه الخضر عليه السلام بأن الله قد إختصه بعلم لم يختص به غيره . مثلما إختصه هو (موسى) بعلم التوراة وكشف له من الأسرار وشرفه بالرسالة .
وعليه ؛ فإن الذي نفهمه من كل ذلك أن العلم إنما يختص به الله عز وجل من عباده وخلقه ما يشاء على قدر ما يشاء ، وعلى قدر ما تحتمله خاصية الإنسان ومادته البشرية المخلوقة ... وأنه فوق كل ذي علم عليم.
ومن الضروري إدراك أن لقاء موسى بالخضر عليهما السلام إنما تم بعد تكليف الله عز وجل موسى بالرسالة . وبالتالي بعد أن أدى عليه السلام الرسالة بالخروج ببني إسرائيل من مصر .... ثم أكمل وبلّغ عليه السلام الرسالة بالإتيان لهم بالتوراة مكتوبة كلها على الألواح بأمر الله... ولم يفارقهم إلا على النحو المشار إليه في الآية (26) من سورة المائدة أعلاه.
وحين إنفرد موسى مع ربه تساءل إن كان هناك على وجه الأرض من هو أعلم منه ؟ فأوحى إليه الله أن يذهب للقاء عبده الخضر عليه السلام ..... وعند الخضر عليه السلام وجد موسى الإجابة التي كان يبحث عنها حين فوجيء أولاً بأن الخضر يعرفه ويعرف بأمر بعثته .. ثم وحين طمأنه الخضر عليه السلام بأن الله قد إختصه بعلم لم يختص به غيره . مثلما إختصه هو (موسى) بعلم التوراة وكشف له من الأسرار وشرفه بالرسالة .
وعليه ؛ فإن الذي نفهمه من كل ذلك أن العلم إنما يختص به الله عز وجل من عباده وخلقه ما يشاء على قدر ما يشاء ، وعلى قدر ما تحتمله خاصية الإنسان ومادته البشرية المخلوقة ... وأنه فوق كل ذي علم عليم.
ومن الضروري إدراك أن لقاء موسى بالخضر عليهما السلام إنما تم بعد تكليف الله عز وجل موسى بالرسالة . وبالتالي بعد أن أدى عليه السلام الرسالة بالخروج ببني إسرائيل من مصر .... ثم أكمل وبلّغ عليه السلام الرسالة بالإتيان لهم بالتوراة مكتوبة كلها على الألواح بأمر الله... ولم يفارقهم إلا على النحو المشار إليه في الآية (26) من سورة المائدة أعلاه.
وبناء على ماذكر في الفقرة أعلاه . فإن الشاهد أن موسى عليه السلام لم تتاح له فرصة زيارة السودان من مصر مباشرة بعد أن أصبح رسولاً نبيا . لأنه كان مشغولاً بأداء التكليف الذي أمره الله به وهو الخروج ببني إسرائيل من مصر ...... وبالتالي فما كان له أن يغادر الدائرة التي كانت تخضع لسلطة فرعون مصر .
والمسألة هنا لا تحتاج إلى مراجع موثقة . فما كان لموسى عليه السلام أن يترك مكان الدعوة بالتبليغ ويغادر إلا بأمر من الله عز وجل .. وهكذا هم الرسل والأنبياء قاطبة. وأما ذو النون يونس عليه السلام فقد خرج "مغاضبا قومه" ، ولكنه لم يخرج "مخالفاً لأمر الله" أو عاصياً له حاشاه عليه السلام ....
وقصة سيدنا يونس معروفة للكافة. ولكن البعض يتعامل معها بتفسير سطحي لايلتفت إلى حقيقة أنه خرج "مغاضباً لقومه" ليس إلاّ .. ولكن ذلك كان كافياً لتعرضه لإمتحان الحوت.
وهكذا إذن ظل موسى عليه السلام مقيماً في أرض فرعون حتى أتاه أمر الله عز وجل ؛ وأذن له بالخروج بقومه من بني إسرائيل ؛ وأتباعه من اليهود . فخرج بهم من مصر إلى شبه جزيرة سيناء كما هو معروف.