إعلان السودان حلايب وشلاتين أراضي محتلة
مصعب المشرّف
24 ديسمبر 2015م
أستغرب أن الحكومة
السودانية تحجم حتى يومنا هذا عن المبادرة بإعلان كل من حلايب وشلاتين (رسمياً) أراضي
سودانية محتلة. فتنقل الملف بذلك إلى المنظمات الدولية والإقليمية ؟
بإحتلالها حلايب وشلاتين ؛
فقد خلعت الدولة المصرية النقاب عن وجهها الحقيقي ، وأفصحت عن طبيعة نواياها المبيتة
فيما يتعلق بأطماعها الغير شرعية في التمدد داخل الأراضي السودانية .. وهي البداية
... وستعقبها إحتلالات أخرى في محاولة يائسة لإستيعاب التكاثر والإنفجار السكاني
لديها . وحاجتها الماسة اليوم وغداً إلى الماء والغذاء.
الواقع الذي يحدث الآن أن الدولة
المصرية تكرس تواجدها في أرض حلايب وشلاتين بأكثر من تصرفات سياسية وإدارية
وإعلامية ممنهجة دون سند قانوني .... وتظن أنها بذلك تضعنا والشرعية الدولية أمام
الأمر الواقع .... وحيث لا يعقل أن تستغل دولة ما ظروفاً عرضية حرجة تمر بها دولة أخرى جارة لها . فتحتل جزءاً
من أراضيها عنوة وتعلن ضمها إليها في حالة شبيهة لإحتلال العراق في عهد صدام حسين
لدولة الكويت وإعلانها محافظة تابعة لبلاده دون وجه حق ..
لا بل ونلاحظ اليوم أن السلطات المصرية المحتلة تسعى
إلى إجبار سكان هذه الأراضي على تغيير جلودهم والتجنس بجنسيتها ... إنها بلطجة
دولة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
ثم والمضحك أن ذات السلطات
المصرية (وبـدمٍ بـارد) تشدّ وفودها الرسمية والشعبية الرحال إلينا . وتطلب دون
خجل أن يقف السودان (الذي تحتل أراضيه) إلى جانبها بكل ما أوتي من قوة وإمكانيات ؛
ضد جارته اللصيقة أثيوبيا لحماية مصالحها في ماء النيل ......... ويااااا
بــــلاش.
فهل يتخيل القائمون على
الحكم في القاهرة ومعيتهم من رجال الأعمال ؛ أن السودان سيحرق جميع الكروت التي لا
تزال في يده ، ويرضى بنصرتهم على حساب جارته أثيوبيا اليوم ؛ ليمنحهم غداً المزيد
من القوة والمنعة .. وفرص إحتلال وإبتــلاع أجزاء أخرى من أراضيه في
الشمال؟......... يااااا حـــلاوة.
والمؤسف أن إحجام السودان
عن إعلان حلايب وشلاتين أراضي سودانية محتلة يساهم في إنعاش إقتصاد مصر ، حيث تدخل
العديد من الثروات والمحاصيل النقدية السودانية ... تدخل مصر اليوم دون جمارك ..
فالماشية السودانية والماعز والإغنام والإبل والصمغ يشتريها تجار وسماسرة من أسواق
كسلا ويذهبون بها إلى شلاتين وحلايب دون أن تحتسب عليها جمارك ورسوم تصدير ؛ على
إعتبار أنها (قانوناً) ومن وجهة نظر السلطات السودانية إنما تدخل إلى مدن وأراضي
سودانية....
وكذلك تدخل أسواق مصر من السودان السلع والبضائع المستوردة بالعملات الأجنبية
الحرة .... تدخل من السودان إلى مصر عبر حلايب وشلاتين بكل يسر وبساطة على إعتبار
أن حلايب وشلاتين أراضي سودانية .... أو تماماً
كما تدخل السيارات والشاحنات وتخرد من الخرطوم إلى الحصاحيصا ومدني وتذهب حتى
الجنينة وأبيي والقضارف وتعود دون أن يعترضها أحد .
وجميع ذلك وبعضه وأكثر منه
ينزل على السلطات والحكومة المصرية برداً وسلاما ... فنحن كما تعهدنا مصر دائماً
وترتجي فينا إنما " بوّابين " نمارس بالفطرة مهنة وهواية وسليقة حراستها
من ناحية الجنوب ونسهر على راحتها شامل
الأكل والشرب والإقامة داخل أراضينا المترامية الأطراف .... ومــرةً أخــرى ..... يا بــلاش.
إعلان السودان حلايب
وشلاتين أراضي سودانية محتلة ؛ يحول دون إستفادة السلطات المصرية من تمرير وتهريب
الثروات والسلع من السودان إلى مصر عبر حلايب وشلاتين.
إعلان السودان حلايب
وشلاتين أراضي محتلة ؛ يُبقِي ملف حلايب وشلاتين مفتوحان على واجهة قانونية أمام
هيئة الأمم المتحدة ؛ وغيرها من منظمات دولية وإقليمية.
إعلان السودان حلايب
وشلاتين أراضي محتلة تجعل من أمر هذا الإحتلال بنداً مفروضاً في أجندة أي لقاء
رسمي أو شعبي أو بيني بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي.
إعلان السودان حلايب وشلاتين أراضي محتلة ينقل ملف الإحتلال من دائرة الإحتجاج الشعبي والإعلامي المحلي ؛ ليتحول إلى ضغط سياسي وديبلوماسي دولي بما يصون حقوق المواطن السوداني القابع تحت الإحتلال المصري.
إعلان السودان حلايب وشلاتين أراضي محتلة ينقل ملف الإحتلال من دائرة الإحتجاج الشعبي والإعلامي المحلي ؛ ليتحول إلى ضغط سياسي وديبلوماسي دولي بما يصون حقوق المواطن السوداني القابع تحت الإحتلال المصري.
إعلان السودان حلايب
وشلاتين أراضي محتلة . تفرض هذا الواقع على كافة المناهج الدراسية وأجهزة الإعلام
الرسمية والخاصة . ويقطع الطريق على الخونة والمأجورين بحيث لا يتمكن البعض من
العملاء السودانيين للمخابرات المصرية من تغليفه وتفويته ، ومحاولة غض الطرف عنه
أو المطالبة بذلك تحت شتى المعاذير الواهية عند طرحه عبر أجهزة الإعلام خاصة .
وبما يتيح إمكانية محاسبتهم ومحاكمتهم أمام القضاء ؛ بتهمة الخيانة وتعريض مصالح الوطن للخـطـر.
من المؤسف أن تبادر دار
الوثائق البريطانية إلى إعلان الإفراج عن وثيقة تاريخية غاية في الخطورة والأهمية .
عبارة عن خريطة جغرافية موثقة تؤكد أن حلايب وشلاتين ؛ وما يسمى بالمثلث السوداني الليبي
أراضي سودانية.
نعم نعلم أن المخابرات
المصرية قد أفلحت طوال عقود في شراء الكثير من الذمم المهترئة والنفوس الضعيفة ؛ بأبخس
من ثمن شراء علبة صلصة صدئة منتفخة منتهية الصلاحية .....
ولا نريد أن نشير بأصابع
الإتهام صراحة إلى أسماء أو جماعة ؛ وحزب
وطائفة سودانية في هذه المرحلة .. وذلك عن قناعة بأن أقصى درجات الخيانة للوطن
.... كل وطن .. لن تذهب وتنحدر وتهوى إلى مرحلة التفريط على هذا الوجه القبيح المكشوف
في أراضي الوطن . وتلزم الصمت عمداً مع سبق الإصرار كلما جرى إعتداء أو إفتراء
مصري على السودان وحقوقه في السيادة وصيانة أراضيه ... أو البحث والتنقيب لهم عن
شتى المعاذير بتريرات من قبيل الوحدة والعلاقة التاريخية ...
ولعل العاقل سيتساءل حتما
هنا ؛ عن أية علاقة محبة وأخوة هذه التي تجعل الشقيق والشقيقة والجار يعتدون على
ممتلكات أشقائهم وجيرانهم . ويحوزونها
لأنفسهم وأولادهم وأحفادهم دون وجه حق من العرف والشرع والقانون ؟
واقع الأمر فإننا نضيع
الوقت والجهد ، ونرهق أنفسنا بسبب ما نعيشه اليوم من جدال بيني لجهة المسئولية عن
السماح للجيش المصري بإحتلال حلايب وشلاتين ....
لقد كان المبرر الأخلاقي
الذي ساقه الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عن دوافع إصداره أوامره بإحتلال حلايب
هو معاقبة حكومة الإخوان المسلمين في الخرطوم ، بسبب ضلوعها في التخطيط لإغتياله
خلال زيارته للأديس أبابا للمشاركة في إجتماع القمة الأفريقية بتاريخ 2 يونيو
1995م.
ومن السهل بمكان على
السلطات السودانية وأجهزة مخابراتها الحصول على تسجيل لهذا التصريح الذي أدلى به
حسني مبارك ... والإحتفاظ به كدليل إضافي على عدم مشروعية الإحتلال .. وأنه لا
حقيقة لما يذهب إليه المصريون من أن حلايب أرض مصرية.
واقع الأمر فإن الحكومة
المصرية إنما كانت تستغل هنا ما تظن أنه عزلة سودانية عن محيطه الأفريقي جراء عدم
تحقيق للسلام في جنوبه (آنذاك) . وإعلانه ما يسمى بالجهاد الإسلامي ضد قطاع من
مواطنيه ؛ في خرق وتجاوز صريح لمباديء الإسلام ، ولقواعد القانون الدولي ، ومباديء
كل دستور وطني ....
كذلك كان حسني مبارك يراهن
وقتها على عزلة حكومة الخرطوم عن محيطها العربي بسبب موقفها من الغزو العراقي
الغاشم للكويت ....
وفي عام 2009م أصدرت
المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بشأن الرئيس السوداني عمر البشير على خلفية
إتهامات بإبادة جماعية في إقليم دارفور ... فإعتبرت الحكومة المصرية ذلك فرصة للضغط
على الرئيس البشير شخصياً . وبما يؤدي إلى تكريس إحتلالها لحلايب وشلاتين ...
وعلى ضوء ما تقدم أعلاه من
تطورات . نلاحظ أن الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عام 1991م إلى يومنا هذا قد
إستغلت ظروفاً غير مواتية مرت بها العلاقات السودانية أفريقيا وعربيا ودوليا ..
وبما يؤكد أن المسألة في البداية والنهاية ليست سوى إستغلال في إستغلال .
وواقع الأمر . فإننا في
السودان نمنح غيرنا الكثير من الفرص لإستغلالنا والمس بمصالحنا الوطنية
الإستراتيجية ؛ بسبب أننا لا نفرق في معارضتنا الداخلية للسلطة السياسية ... لا نكاد نفرق كثيراً بين مصالح الحكومة القائمة
من جهة . ومصالح السودان الإستراتيجية من جهة أخرى .. فنخلط هذا بذاك. ولسان حالنا
يردد وفق الفلسفة الشعبية "يا فيها يا أطفيها" .... وهو ما يؤدي في
نهاية المطاف إلأى هدم المعبد ولسان حالنا يردد : "عليَّ وعلىَ أعدائي يا
رب".
الإكتفاء بهز الإكتاف
وتوجيه أصابع اللوم إلى حكومة الإخوان المسلمين وحدها فيه إبتسار لإرادة الشعب
السوداني . وتضييع للحقوق . وبلاهة وحماقة وتقليل من تقدير حجم الأطماع المصرية
التاريخية المتسلسلة غير المشروعة في الأراضي السودانية وموارده المائية والزراعية
.....
ولا نصدق مثلاً أن مصر قد
بادرت إلى غزو وإحتلال السودان عام 1821م من أجل عيون السودانيين . وتطييباً
لخواطرهم . وللتعبير عن حبها لهم ، ورغبة في إخراجهم من العصر الحجري والأدغال إلى
عصر التكنولوجيا والنووي ؛ وغزو الفضاء والسير فوق القمر ... وسبر ماء كوكب المريخ.
لم أسمع بشعب يختلف أفراده
ومكوناته وأطيافه فيما بينهم على مبدأ الدفاع عن مصالحه الإستراتيجية وأراضيه ضد
الأطماع الخارجية .... وأعتقد أنه لايختلف معي مواطن في أن نظام الإخوان المسلمين
ليس بدائم ... وأنه إلى زوال طال الزمن أو قصر .... وأنه سيلحق بغيره من أنظمة
سادت ثم بادت على وجه هذه الكرة الأرضية على مر العصور ....
إن مسئولية الدفاع عن تراب
الوطن والحفاظ عليه لاتكون مرتبطة بنظام سياسي قائم اليوم ثم هـو غداً إلى زوال لامحالة.
..... ولو كان نظام الإخوان المسلمين سيدوم قائما في السودان أبد الدهر ؛ لكان
الإتحاد السوفيتي قائما حتى تاريخه .... أو لكان الرايخ الثالث قد دام 300 عام كما
توقع له هتلر.
حالة سيطرة مصر لحلايب وشلاتين ؛ هي حالة "احتلال حربي" وفق تعريف البند الرابع من إتفاقية جنيف لعام 1949م بشأن إحتلال الدول الأجنبية لأراضي دول أخرى .
وتسري قواعد هذه الإتفاقية حتى لو لم يعترف أحد الأطراف بوجود نزاع مسلح أو
حالة حرب . وهو عين ما يجري الآن بين السودان ومصر بشأن حلايب وشلاتين ؛ حيث ترفض
مصر الإعتراف بأنها قامت بإحتلال حلايب وشلاتين بعد إجتياح عسكري إستغلت فيه حكومة
حسني مبارك تعرضه لعملية إغتيال فاشلة خلال حضوره لمؤتمر قمة أفريقي في العاصمة
الأثيوبية أديس أبابا في 25 يونيو عام 1995م.
وكذلك يستشف من خنوع وتراخي النظام الحاكم في السودان. الذي جرى في عهده
إحتلال مصر لأراضي حلايب وشلاتين .. يستشف من هذا التراخي والخنوع الإستثنائي ؛ أنه
يخشى الإعتراف بواقع الإحتلال خوفاً من عواقب داخلية . وبما يترتب عليه من مسئولية
تجعله في مواجهة مواطنيه ، تلزمه النهوض لحماية التراب السوداني ، وتطهيره من دنس
الغزاة والمحتلين الطامعين.
إن إحجام الحكومة السودانية القائمة المسارعة بإعلان حلايب وشلاتين أراضي
سودانية محتلة ؛ يثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول المدى الذي يمكن أن تذهب
إليه هذه الحكومة ؛ التي يسيطر عليها الإخوان المسلمين وقدراتها في الحفاظ على طهارة
التراب الوطني.
كما أن مستوى الشكوك يتزايد صعوداً حين نلحظ
أن الحوار الوطني الذي يجري داخل السودان في العاصمة والأقاليم قد خلا تماماً من
أية ورقة تناقش مسألة الإحتلال المصري العسكري لأرض حلايب وشلاتين . وسعي الحكومات
المصرية المتعاقبة منذ عام 1995م إلى إحداث تغيير جذري في التركيبة السكانية هناك
لمصلحة المواطنين المصريين على حساب السكان الأصليين السودانيين .. وذلك تغيير
المناهج الدراسية وإجبار السكان الأصليين على تغيير أوراقهم الثبوتية من السودانية
إلى المصرية ... إلخ مما يعطي نموذجاً مماثلاً لحالة الإحتلال الفرنسي للجزائر ؛ ومحاولة
تحويلها إلى أرض فرنسية بالقوة.
فلماذا هذا السكوت الخَـنُوع ، والصمت المريب ،
ودفن الرؤوس في الرمال؟
أغلب الظن أن النظام السياسي القائم في
السودان يسكت على مضض عن المطالبة علنا بإسترجاع حلايب وشلاتين ؛ على أمل أن يتم
ذلك عبر وساطة عربية ...... يا مـــامــــا .
وربما يظن النظام السياسي القائم أن مصر قادرة
على مساعدته في الخروج من دائرة الحصار الأمريكي والغربي .... يا عــيني .
واقع الأمر ؛ فإنه ليس من المأمول عقلاً أن
تجدي الوساطة العربية فتيلا ولا نفعاً ... فهي لاتمتلك الآليات ولا الرغبة في بذل
الضغوط على مصر لأجل خاطر عيون السودان... وذلك من واقع القناعة العربية بأن أرباح
الحفاظ على علاقات طيبة مع مصر أكبر لديها بكثير من حجم خسائر فقدانها لعلاقات
طيبة مع السودان.
ومن جهة أخرى فإن آمال حكومة الإخوان المسلمين
في السودان بأن مصر تضر وتنفع في علاقتها بالولايات المتحدة والدول الغربية ..
تبدو مثل هذه الآمال والقناعات ساذجة سطحية بلهاء .. وتقدير في غير مكانه ....
ثم كيف يتوقع الإخوان المسلمين في السودان أن
تعمل مصر (حتى لو إستطاعت) على تحسين صورة الخرطوم في الأروقة السياسية العالمية ؟
وهي (مصر) التي خرجت منذ شهور من مجزرة رابعة العدوية . ولا تزال تخوض حربا داخلية
ضروس مع تنظيمات الإخوان المسلمين التي أعلنتها رسميا تنظيمات إرهابية ؟