خيارات الإخوانجية بعـد قرارات السعودية
مصعب المشرّف:
في الوقت الذي هوّنت فيه بعض أمانات حزب المؤتمر الوطني الحاكم من آثار القرار السعودي وبعض الدول الخليجية الأخرى وقف التعامل المصرفي مع البنوك السودانية من جهة .. ثم وإعلان أحزاب الإخوانجية تنظيمات إرهابية . فإن الواقع من الخطورة قد أصبح بمكان ، وعلى نحو يختلف تماماً عن ما تحاول هذه الأمانات الإيحاء به من تهوين لغرض رفع الروح المعنوية لعامة أتباعها... ثم والإجهاض المعنوي لأية محاولة للإنتفاضة على نظام الحكم من جانب المعارضة والخصوم.
وفيما يتعلق بآثار القرار ؛ فإنه وعلى المستوى الإقتصادي سيعود السوق الأسود للعملات الحرة إلى سابق إنتعاشه الذي كان ملازماً لعهد نميري وحكومات إنتفاضة أبريل 1985م .... وستنخفض قيمة الجنيه السوداني ليصبح مجرد أحبار على ورق ... ذلك أن الوسيلة الوحيدة التي سيتمكن بها المغتربون (الأغلبية) وهم في السعودية والإمارات .. ستكون وسيلتهم الوحيدة لتحويل نفقات ومصروفات أسرهم الشهرية والطارئة في السودان هي مبادلة المقايضة ما بين الريال والدرهم في موطنه ؛ بالجنيه السوداني في موطنه ....... أو بما يعني أن يدفع المغترب لأحد الأشخاص داخل السعودية مصاريف أسرته بالريال على أن تستلمها أسرته في السودان بالجنيه السوداني ... وذلك دون أن تدخل هذه الريالات السعودية السودان أو تمر عبر قنوات المصارف والصرافات.
وحتماً سيستفيد تجار العملة في السودان من هذه العملية ؛ لجهة أنه ستتضخم أرصدة حساباتهم المالية (الشخصية) بالعملات البترولية خارج السودان . وبما يمكنهم من بيعها لاحقاً بأرباح فلكية إلى الدولة وأصحاب الأعمال والمصارف ؛ وحتى الشركات والمصانع داخل السودان ، لغرض تمويل الإستيراد بكافة أنواعه من سلع ومواد وخامات وقطع غيار ..... وبما يعني في المحصلة النهائية إنخفاض قيمة الجنيه السوداني إلى الحضيض.
وعن آثار توقف الإستثمارات الخليجية فحدث ولا حرج .. ولن تستطيع الدوحة وحدها ملء الفراغ وإن حرصت .. وكذلك لن تستطيع إيران التي تعتمد في تمويل تدخلها في شئون بعض الدول على التبرعات التي تطفح بها خزائن الحوزات الشيعية لديها. كما أنها تشترط قبول الآخر بإستيراد الخمينية ، وإطلاق يدها في هذا الجانب... ثم أنها (إيران) تظل دائماً غير معنية بالتنمية الإقتصادية في الدول الأخرى بقدر ما يهمها إشعال الحروب الأهلية وإشاعة الفقر حتى تجد لأفكارها المذهبية الطائفية الراديكالية المدخل الواسع والمناخ المواتي.
إذن فإن المتضرر الأول والأخير في هذه الحالة سيكون الإقتصاد السوداني في مجمله ، والنظام الحاكم بوصفه القط الذي جرى تعليق الجرس في رقبته لجهة تفشي الغلاء وندرة السلع وإنعدام الخدمات المتوقع وصعوبة مواجهته لحركات المعارضة المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق .... وهو ما سيعرضه إلى الإهتزاز والرج والخلخلة حتى الإقتلاع.
ولا يدري أحد عن طول الفترة التي يمكن للمواطن السوداني العادي أن يتحملها ؛ قبل أن يدفعه سُعار الجوع والضنك واليأس التام للنزول إلى الشارع هذه المـرّة دون خوف أو وجـــل .... وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
من جهة أخرى فإنه وعلى المستوى الشخصي . فحتماً سيكون لقرار إعلان الجماعات الإخوانجية منظمات إرهابية أثر بالغ في فرص سفرهم إلى للعمل في الدول الخليجية البترولية .. بل حتماً سيقتضي القرار إنهاء إقامات كل من تحوم حوله الشبهات بإنتمائه أو إنخراطه في جماعات الإخوان.
ومن المتوقع أن يشمل تأثير القرار حتى البعثات الدبلوماسية وزيارات الساسة وكبار المسئولين .. وحيث أثبتت السعودية في سحبها لبعثتها الدبلوماسية من الدوحة العضو في مجلس التعاون .. أثبتت أنها لا تمزح ، ولا يهمها قريب أو بعيد ؛ ولا تخشى لومة لائم عندما يتعلق الأمر بأمنها وأمن حلفائها الإستراتيجي .....
فإذا كان هذا هو حالها تجاه قطر ؛ فما بالك بما سيكون عليه حالها خلال الشهور القادمة تجاه حكومة حزب المؤتمر الوطني ؛ التي ما انفكت تفتح ذراعيها لإيران الخمينية ؟
ومن المنتظر والحال كهذه أن يتم منع قيادات الإخوان المسلمين بالضرورة من دخول الأراضي السعودية والإمارات والبحرين .. ومراجعة وتجميد حساباتهم المصرفية الشخصية وحسابات شركاتهم في هذه الدول.
قرار الإعلان بأن أحزاب الإخوانجية تنظيمات إرهابية لن يمر مرور الكرام ، بقدر ما سيكون عبارة عن كرة ثلج تكبر ويزداد ويتعاظم حجمها وأثرها كل يوم عن اليوم السابق له .....
ثم أنه ومن الناحية المعنوية ؛ فإن صدور مثل هذا القرار من دول إسلامية تقليدية عريقة ، وعلى رأسها السعودية حيث الحرمين الشريفين ... يشكل ضربة في صميم الشعارات (الإسلامية) التي ترفعها وتتوارى خلفها أحزاب الإسلام السياسي (الإخوانجية) وتنظيماتهم وجماعاتهم وأذرعتهم ، وعلى نحو يفرغ هذه الشعارات من محتواها تماماً.
مشكلة أحزاب الإخوانجية أنها تعتمد في تمويلها المالي والمعنوي على الأصولية العالمية .... .. وأن هذه الأصولية العالمية كانت ولا تزال تعتمد في تمويلها المالي ورصيدها المعنوي على التبرعات الأهلية التي تحصل عليها من الأثرياء والميسورين في الدول العربية البترولية الثرية .... وعليه فإنه إذا جرى تطبيق القرار السعودي بمنتهى الدقة والمتابعة ؛ فإن الطريق أمام الأصولية العالمية سيصبح بعد شهور قليلة شبه مسدود ، ويصبح بالضرورة أكثر إنسداداً في وجه حزب المؤتمر الوطني السوداني الحاكم.
ولا أشك مطلقاً بأن ماليزيا وأندونيسيا والباكستان لن يسعها جميعاً إلا أن تتبع السعودية والإمارات في قراراتها المالية والأمنية تجاه الإخوانجية ... ذلك أن هذه الدول لا تتنفس إلا من خلال الأموال السعودية والإماراتية التي ترفد مصارفها ومؤسساتها المالية أساس نهضة بعضها ؛ وأهم عوامل الإستقرار السياسي لبعضها الآخر.
لا ندري ما هو المخرج الذي سيلجأ إليه حزب المؤتمر الوطني أو يختلقه لمواجهة هذه القرارات الإستراتيجية الصعبة الطويلة المدى؟
هل سينزع المؤتمر الوطني عباءته الإسلامية ، ويرمي بها في قارعة الطريق ثم يرتدي جلداً آخر ؟
ربما يكون هذا هو بعض الحل كمخرج مؤقت .... .. ولكن هل سيصدقهم الآخرون؟ .. تلك هي المشكلة.
المفاوضات الجزئية والحوارات المغلقة مع كل حزب سياسي أو حركة معارضة جهوية مسلحة لن تجدي .. ولن تعطي الإنطباع بأن الحزب الحاكم يرغب في حلول معقولة.
أفضل الحلول في رأيي هو مسارعة حزب المؤتمر الوطني لعقد مؤتمر سياسي جامع لكافة ألوان الطيف السياسي بالبلاد . تطرح فيه كيفية إستعادة الحياة الديمقراطية عبر إنتخابات حرة نزيهة ؛ وإنتقال وتداول سلمي للسطلة ..... فأن يفقد حزب المؤتمر الوطني شيء خير من أن يفقد كل شيء.