إرتدادات مقاطعة الشعب السوداني للإنتخابات
مصعب المشرّف
18 أبريل 2015
كل حديث (الآن) حول أسباب إحجام الناخب عن تكبد مشاق الذهاب إلى مراكز الإقتراع سيكون تكراراً مملاً وممجوجاً ..... ومن ثم فلا حاجة للخوض في ما لا يلزم .
ولكن تثور أسئلة أخرى غاية في الأهمية ، تتعلق بتوقعات العواقب التي ستترتب لاحقاً بعد إعلان النتائج .....
ومن ثم فإن الأهم من بين كل تلك التوقعات الكثيرة قد يكون التالي:
1) النتائج المـؤكـد إعلانها.
2) موقف الرئيس عمر البشير.
3) ردود أفعال المعارضة المتوقعة.
4) إحتمالات نشوب إضطرابات شعبية.
5) ردود أفعال العالم الخارجي.
6) ردود أفعال العالم العربي.
7) كيف سيجابه المؤتمر الوطني ردود الأفعال ؟
1) النتائج المؤكـد إعلانها:
بحسب تصريحات أركان حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، وقيادات حزبية أخرى متحالفة معه ... فإن الحزب الحاكم (على لسان غندور) قد رفض الإعتراف (جهراً) بأن هناك مقاطعة شعبية للإنتخابات .. وذهب إلى ابعد من ذلك بالقول أن الإنتخابات قد شهدت إقبالاً جماهيريا واسعاً ... واتهم المعارضة بأنها لا تعلم شيئاً عما يجري على أرض الواقع .. أو كأنـّي به هنا يغمز ويلمز المعارضة الوطنية اللاجئة قسراً أو المقيمة طوعاً خارج البلاد.
د.غندور .. مستشار رئيس الجمهورية
على ضوء تصريحات غندور أعلاه ؛ فإن المتوقع هو الإعلان عن نسبة مشاركة مرتفعة جداً .... وفوز عمر البشير بالرئاسة .. وكذلك الحال في جانب المجالس التشريعية ؛ بحيث يحصل المؤتمر الوطني على حصة الأسد ، وتتوزع حصص الأحزاب الحليفة الهامشية الأخرى بحسب ما جرى التخطيط له مسبقا.
الرئيس عمر البشير
2) موقف الرئيس عمر البشير:
هو واحد من إثنين .. إما أن يتطرف الرئيس عمر البشير ؛ فيأكل الأخضر واليابس ؛ ويحكم قبضته بدكتاتورية مكشوفة مبيرة لتعويض النقص والمهانة اللتان يشعر بهما جراء إحجام الشعب عن المشاركة في هذه الإنتخابات .
أو أن يصبح البشير بطة عرجاء . وينزوي تاركاً الساحة لمجموعة من مراكز القوى داخل حزب المؤتمر الوطني ؛ تتنافس فيما بينها للتفرد بالسيطرة.
3) ردود أفعال المعارضة المتوقعة:
ردود الأفعال هنا معروفة . وقد صرحت بها المعارضة سلفاً عبر أكثر من قرار ؛ كان أبرزه إعلان مقاطعة الإنتخابات .. وبالتالي فمن البديهي أن تسارع المعارضة بمختلف أشكالها وأدواتها ووسائلها إلى إعلان عدم الإعتراف بنتائج هذه الإنتخابات .. والعمل حثيثاً لتكريس معاني تصب في خانة تجريد النظام القائم من الشرعية.....
تمسك المعارضة بالحوار من جهة ، وتشكيل حكومة إنتقالية تتولى إجراء إنتخابات حرة نزيهة أمر مقبول .. ولكن مجاهرة بعض قيادات ومفاتيح الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركة الثورية بأطروحات الحكم الذاتي وتقرير المصير جعل الشعب السوداني يتوجس منهما خيفة....
الصادق المهدي .. رئيس حزب الأمة القومي وإمام طائفة الأنصار
تاريخ الصادق المهدي المتميز بتذبذباته الدراماتيكية ، وتغليبه مصلحته الخاصة لجهة التحالفات السياسية ضد الأنظمة الشمولية الحاكمة أو معها على حساب قوى المعارضة الأخرى ؛ يدفع قطاعات واسعة من الشعب إلى تفضيل الإنتظار قبل الإنخراط في إنتفاضة غير مؤكدة النتائج ....
4) إحتمالات نشوب إضطرابات شعبية:
قد تثور إحتجاجات شعبية عفوية عقب إعلان نتائج الإنتخابات ، أو تنشب إضطرابات تدبرها أحزاب المعارضة في العاصمة وبعض المناطق في الأقاليم التي تعاني من إحتقانات بين المواطن والسلطة .. ولكن المتوقع أن تظل مثل هذه الإضطرابات محدودة الأثر المزلزل القادر على خلع النظام الحاكم من جذوره .. ولكنها حتماً سيكون لها أثرها في بيان عدم رضا الشعب عن هذه الإنتخابات وتعزز الإنطباع بعدم شرعيته.
مشكلة المؤملين في ثورة على غرار أكتوبر21 أو إنتفاضة أبريل .. مشكلة هؤلاء أنهم يحاولون هنا إستنساخ الماضي على أوراق الحاضر .....
من الغباء بمكان أن يحاول البعض معالجة مشاكل الحاضر بحلول من الماضي ....
هناك تغيرات عميقة في الشخصية السودانية (وهي طبيعية) من عام عام 1964 إلى 2015 .... ومن عام 1985 إلى عام 2015 ؛ يجب أن توضع في الإعتبار عند تصوّر سيناريو جديد لتغيير جديد.\
طوال الفترة من عام 1964 إلى عام 2015 إستجد الكثير من وسائل سبل كسب العيش ... ونسبة ومخرجات التعليم ... وقناعات تتعلق بالعقيدة ، وحقوق الإنسان والعلاقات الإجتماعية ، والمساواة والعدالة .. ووسائل الإتصال ...إلخ ... لا بل وأصبحت هناك خيارات وفرص عمل خارج البلاد ؛ ترفد ويعتاش عليها قطاع عريض من المواطنين في الداخل ؛ تفتح أبواب الأمل بالهجرة والإغتراب ، وتمتص الكثير من حنق ويأس الشباب العاطل عن العمل ..... وتؤثر بالتالي في خيارات تتعلق بإستعدادهم لبذل الجراح ونزف الدماء رخيصة في خضم ثورة أو إنتفاضة لأجل تغيير الأنظمة السياسية الحاكمة في الداخل .....
وبالجملة فإن المسألة في حاجة إلى دراسات علمية مقارنة ، وكثير من التحليل عوضاً عن السرد التاريخي ؛ حتى تعرف الحكومة والمعارضة السياسية حقيقة الأرضية التي تقف عليها هذه الأمة السودانية اليوم وليس الأمس.
على سبيل المثال ؛ فإنه حتى يومنا هذا لاتوجد دراسات مقارنة كافية ، تناقش أوجه التشابه والتباين ما بين ثورة أكتوبر64 وإنتفاضة أبريل85 ، على الرغم مما بينهما من إختلاف.
كذلك غابت عن الذاكرة السودانية أحداث ونتائج ثورة شعبان ضد نظام جعفر نميري رغم أهميتها .. ولايوجد تحليل منطقي شجاع علمي بعيد عن المليودرامية ؛ يغوص للبحث في أسباب فشل إنتفاضة سبتمبر 2013م.
نعم أفلح الناخب السوداني عام 2015 في التعبير (بصمت) عن موقفه تجاه حزب المؤتمر الوطني الحاكم وإنتخاباته . واختار قرار الإمتناع عن التصويت في إنتخابات يرى أنها مجرد تحصيل حاصل .....
ولكن يبقى هناك فارق كبير بين قدرة المعارضة في إقناع الشعب بممارسة ردود أفعال صامتة ؛ وبين إمكانية القدرة على إقناع هذا الشعب بالخروج في ثورة هادرة تسفك فيها الدماء وتنتزع الأرواح.
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا لايتعرض لقدرة نظام الحكم القائم على الصمود ومجابهة مثل هكذا ثورة ؛ بقدر ما يتمحور السؤال في مدى قدرة المعارضة على تنظيم ورفد مثل هكذا ثورة لابد لها من توافر شروط ليس أقلها التنسيق ، ووضوح الهدف مع الإرادة والرغبة في التضحية والتغيير.
5) ردود أفعال العالم الخارجي:
ستزداد عزلة النظام الحاكم على النطاق الخارجي عامة ، ودول الغرب الأوروبي خاصة .... وحتماً ستقلل هذه العزلة من قدرته على جذب إستثمارات أو الحصول على قروض بشروط ميسرة. ناهيك عن تضاؤل إحتمالات إعفاء ديونه السابقة .. وهو ما يلقي بمزيد من الأعباء على الوضع الإقتصادي المتردي أصلاً ... ولكن الذي يجب وضعه في الحسبان هو عدم رغبة ألـ CIA في فك إرتباطها بتنظيمات الإخوان المسلمين في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لأسباب يطول شرحها.... وهنا تكمن العقدة في منشار قدرة البشير ورفاقه على التضحية بالإخوان وفك إرتباطه بهم جملة وتفصيلا.
6) ردود أفعال العالم العربي:
الموقف المصري تجاه أي حكومة سودانية يتوقف على مدى محافظتها على حقوق مصر في مياه النيل وزيادة ... .. وتعاون هذه الحكومة السودانية في الحلول المتعلقة بمشاكل الـري والإطماء ... ثم وصيانة حدود مصر الجنوبية من أية أنشطة إرهابية مصرية تتخذ من شمال السودان منطلقاً لها... ولايهم بعد ذلك من يحكم السودان ؛ "عثمانة البوّاب" أو "عمِّ عبدو البوّاب".
ويبقى الحدث الطاريء في العلاقات السودانية السعودية هو الذي يكتنفه الكثير من التعقيدات التي تجعل من مسألة التخلي عن عمر البشير أمراً ليس بالسهل .. فالرجل وإن لم تكن لديه خيارات حين وافق على المشاركة في عاصفة الحزم .. فإنه مع ذلك يظل صمام الأمان الشخصي الذي يمكن أن تعوِّل عليه السعودية في إستمرار السودان على قيد التحالف ، دون حاجة إلى موافقة برلمان أو تداول سياسي وإعلامي مكشوف في حالة عودة نظام الحكم في السودان إلى عهد الديمقراطية الليبرالية.
وتبقى لدى عمر البشير الكثير من كروت "الولد" لإستخدامها في مصلحته هنا .. ولعل ابرزها أنه يظل حتى الآن الوحيد الأقدر على لجم شبق الأصولية العالمية في السودان لتعزيز العلاقة التكتيكية مع إيران.
والكرت الآخر هو أن السودان وبعد أن أفصحت مصر السيسي عن تفضيلها الحل السلمي . وعدم إعتزامها الزج بقواتها المسلحة في حرب برية في اليمن لإعتبارات كثيرة لعل أهمها العقدة النفسية التي تلازم الشعب المصري وجيشه من تجربة تدخل جمال عبد الناصر الفاشلة في حرب اليمن أوائل حقبة الستينات من القرن الماضي ... فإن السودان يبدو هو الوحيد القادر في حالة إقتضى الأمر (لو توفرت لديه الأموال والإمكانات اللوجستية) على تعبئة وتحريك جيوش من مــالي غربا إلى هضبة الحبشة شرقا تجاه شواطيء اليمن ؛ بقيادة "أبـرهـة" جديد ؛ يعيد إلى علي عبد الله صالح صوابه ، ويُـنسي الحوثي وساوس الشيطان.
لقد سخر الناس قبل فترة من حديث المتحدث الرسمي بإسم القوات المسلحة ؛ حين شدد على أن مشاركة السودان في عاصفة الحزم تأتي لحماية الحرم النبوي الشريف ..
لقد أخذ هؤلاء الساخرون بالنص الظاهري ، ولم يغوصوا في المعنى والإيحاء الذي توخاه هذا التصريح الرسمي.
وعلى الرغم من تواتر الأحاديث النبوية الشريفة بأن لا أحد من أشقياء خراسان أو اليمن وحتى المسيخ الدجال ؛ بمستطيع أحدهم أن يعبث بروضته الشريفة ومسجده ، أو ينبش قبور الراشدين من الخلفاء ؛ وأشراف صحابته رضي الله عنهم في البقيع خاصة . فإن السودان على لسان العقيد الصوارمي ؛ إنما كان يقصد بما يقول التلويح والإيحاء بقدرة السودان على حشد جيوش من مسلمي أفريقيا لحماية الحرم النبوي الشريف.
ولكن الأمر الملفت أن نظام المؤتمر الوطني لم يحصل بعد كل هذه الصولات الكلامية على مزايا أو يستفيد بشكل مرضي حتى اليوم ؛ نظير مشاركته في عاصفة الحزم من جهة ؛ وتحجيمه علاقته بإيران من جهة أخرى .. لا بل ويبدو أنه هو الذي يدفع اليوم الثمن الأوفى مقارنة بما حصلت عليه مصر من معاملة تفضيلية ، ودعم إقتصادي وسياسي وإعلامي منقطع النظير . ثم ومن واقع الخسائر التي سيتكبدها هذا الحزب من فك إرتباطه بإيران لجهة إمداده بالسلاح الذي يخوض به حروبه في مناطق النزاع الداخلي.
على أية حال فلربما لا يلوح في الأفق الآن حاجة ماسة إلى حرب برية في اليمن .. كما أن الحوثي لايمتلك قدرات عسكرية ولوجستية لدخول الأراضي السعودية حتى يثرب.
ويبدو أن المطلوب (خليجياً) من عمر البشير الآن التعجيل بإبعاد من تبقى في جعبته من جماعة الإخوان المسلمين ؛ قبل الحصول على ثقة وصكوك الغفران العربي البترولي بيضاء غير مشوبة.
المقايضة هنا يشوبها الكثير من المخاطرة كونها تحرم البشير من إمتداد وعمق وخبرات سياسية بغض النظر عن ممارساتها السلبية لجهة بسط الديمقراطية والشفافية والعدالة الإجتماعية.
إذن تبقى المشكلة أن عمر البشير لن يستطيع أن يتخلى عن جماعة الإخوان المسلمين في حزب المؤتمر الوطني أو غيره دون أن يصيبه من الشظايا حريق قد يكون مدمراً ..... فهم وحدهم اليوم الذين يمثلون قاعدة هذا الحزب ، ويحتلون أخطر المناصب ... والتخلي عنهم يقتضي دون شك إنقلاب عسكري متكامل الأركان بقيادة عمر البشير . يهدم المعبد على رؤوس الإخوان ، ويحاول إنشاء قاعدة سياسية بديلة لن يكون بالمستطاع تفعيلها على جناح السرعة ، ولا يوجد حوله (خارج منظومة الإخوان) من يمتلك قدرات هذا البناء السياسي.
ثم أن تحالف عمر البشير داخليا مع جماعة الإخوان المسلمين ، يضمن على أقل تقدير إبعاد شبح المحكمة الجنائية منه ... ودفع شــرور الولايات المتحده عنه ؛ وإن كان ذلك في أدنى الحدود.
وفي كل الأحوال . لن يكون أمر تخلص عمر البشير من جماعة الإخوان المسلمين قاطبة على علاتهم مجرد إنقلاب قصر أو نـزهــة ....
الشراكة في التغيير تظل دائما هي "الطلسم السحري" الذي يستخدمه الإخوان المسلمين للتحالف مع الأنظمة الشمولية القائمة أو لإختراق تنظيمات الضباط الأحرار .... وفي حالة إذا اقتضى الأمر ذلك . فإن الإخوان لن يتوانوا في الغـداء بعمر البشير قبل أن يتعشى هو بهم ..
وفي ظل نظام عمر البشير فقد إبتدع الإخوان تكتيك التشظي الظاهري ، الذي جعلهم يتحولون إلى قنابل عنقودية بقيد التفجير ؛ أهمها المؤتمر الشعبي و الإصلاح.
ومن ثم فلربما يسارع هؤلاء في هذه الحالة للدفع بقيادات عسكرية جديدة إلى كراسي الحكم ؛ وتكرار نفس سيناريو إنقلاب عمر البشير عام 1989م.
7) كيف سيجابه المؤتمر الوطني ردود الأفعال؟
لقد تعودنا من "الكيزان" إنحنائهم (عند الضرورة) للعاصفة وحتى إشعار آخر ... وعليه فإن المتوقع أن يطرح المؤتمر الوطني الحاكم عرضا (يراه مغرياً) للمعارضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة برئاسة عمر البشير ..
سيتم تشكيل هذه الحكومة في كل الأحوال بمــن حضــر من المعارضة المستأنسة أو الشرسة ....
وحتماً سيستغل الإخوان المسلمين الكثير من مكامن النقص ، وثقوب المصالح والأطماع في محور المعارضة الشرسة الذي يجمع ما بين الصادق المهدي والجبهة الثورية ... وفي كافة الأحوال والظروف سيعمل على وضع الكرة داخل ملعب هذه المعارضة الرئيسية....
ومن بين هؤلاء يبقى الصادق المهدي هو الحلقة الأضـعـف ....
فهل سيتمكن المؤتمر الوطني من إختراق هذه المعارضة من باب الصادق المهدي وشق صفها أم لا؟
واقع الأمر فإنه حتى لو جرى الإتفاق مع هذه المعارضة بمجملها . فإن المنتج النهائي سيكون حكومة شركاء متشاكسون على غرار تلك التي شكلها حزب المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة سيلفا كير .. وهي التي أدت في نهاية المطاف إلى فصل جنوب السودان عن الشمال.